الطفيليون في القرن الحادي والعشرين

من قسم منوعات
الجمعة 20 أبريل 2007|

مما يؤسف له في تراثنا العربي هو تشويه صورة الطفيليين الذين يذهبون لموائد الطعام العظيمة بلا دعوة سابقة، وكم يتألم المرء عندما يرى السخرية والاستهزاء من شخصية “أشعب”، فبدلا من التركيز على ذكائه وقدرته الخارقة على التمويه على الجماهير المجتمعة على الموائد والمتشوقة لالتهام ما في أواني الطعام، يتم تصويره بشكل سلبي وكأنه رجل مثير للنكتة، ويتم ربطه بشخصية جحا الأحمق.

إنني متأكد أنه لو وقع أحد مخرجي هوليوود على كتاب يشرح مهارات أشعب غير العادية التي تجعله يشبه أبطال أفلام “الأكشن” الذين لا يهزمون ولا يقبض عليهم ولا يخطئون لصنع له فلما أوسكاريا، ولكن العرب _ بكل أسف _ تجاهلوا هذه المهارات وجعلوها وكأنها أمر سهل يلام الإنسان عليه، وتسببوا بذلك في اندثار مهارات التطفل على الطعام أو على الأقل التحدث عنها، فبعد أشعب لا يبرز أحد في تراثنا على أنه من الأبطال الطفيليين.

إنني لا أفهم لماذا يستاء الناس من التطفل، فالطفيلي لا ينقص من الأكل كثيرا كون الفائض في الولائم يبقى كبيرا عادة، وهو رجل لا يؤذي أحدا، بل هو في الغالب أكثر من يقدر جودة الطعام والجهد الذي بذل فيه، وتجده عادة ممن خف دمه وحسن كلامه، كما أنه لن يذهب في المجالس الأخرى منتقدا كرم الضيف أو جودة الطبخ.

لو كنا نفكر في كل هذه الصفات المميزة في الطفيليين لكنا أحرص الناس على حضورهم للموائد، ولحرصنا على التعرف على الأبطال منهم وفهم مهاراتهم وكيف يمكنهم أن يدخلوا ويخرجوا دون أن يلفتوا الأنظار إليهم.

يفترض أن يكون لدينا موسوعات وموضوعات صحفية وأفلام سينمائية وبرامج تلفزيونية للتعريف بهؤلاء النجوم وإعطائهم حقهم من التكريم، وخاصة في هذا الزمن الذي يصعب فيه أن تكون طفيليا، فحين تذهب لعرس ما، لا يتركك الناس في حالك ويسألك كل من هب ودب عن نفسك وأصلك وفصلك وأولادك وكيف تعرفت على العريس أو أهل العروس، وما إذا كان لديك واسطة في مكان ما لتساعدهم في المستقبل.

إن تجاوز كل هذا الكم الضخم من الأسئلة والانتظار الطويل حتى تنتهي كل مراسم الأعراس المملة ثم الحصول على مكان جيد مع تزاحم الناس، والقدرة على حصول على علبة بيبسي أو لبن مع ندرتها عادة هي نجاحات متتوالية تستحق التسجيل بماء الذهب وليس التشويه أو حتى الإهمال.

أختم أخيرا بقصة رجل أعرفه من طفيليي القرن الواحد والعشرين والذي ذهب لفنادق الرياض الفخمة وأقنع موظفي الاستقبال فيها بأنه صحفي وأنه يحتاج لمعرفة المناسبات الصحفية العامة، وصار يتصل بهم باستمرار لحضور هذه المناسبات، مدعيا ارتباطه بأحد الصحف.

في أحد الأيام اتصل بالموظف الذي حوله لصديق مع الأيام وأخبره بوجود اجتماع ضخم لأحد الوزارات، وبالفعل جهز الرجل نفسه وأخذ معه أحد أصدقائه على أنه المصور المرافق، وذهب للاجتماع ليفاجأ بأنه اجتماع مصغر حضره الوزير ووزير آخر من دولة غربية، ولأن الرجلين دخلا مبكرا وصار من الصعب عليهم الخروج، جلسا في صمت يستمعان للحديث الهام بكل ما فيه من خصوصية لأعمال الوزارة، وهما مرتعبان أشد الرعب من كشف أمرهما، ولما انتهى الأمر وانتقل الجميع لصالة الغداء، لم يهربا بل أخذهما الغرور والجوع وقررا مواصلة المشوار، وبينما هما على الأكل، قام الرجل ليقطع قطعة من اللحم باستخدام الشوكة الطويلة، ولكن استعجاله في التقطيع بسبب جوعه جعل قطعة اللحم تطير في الهواء لتسقط على ثياب أحد المسؤولين الكبار القادمين من تلك الدولة الغربية، وبينما أصاب الاثنان الرعب، فقد تميز المسؤول باللياقة وابتسم ولم ينظر في عيناهما بينما ركض عاملوا الفندق لتنظيف ثيابه.

هنا هرب الرجلان، ولجآ إلى مطعم وجبات سريعة، وبدآ في تدارس خططهما من جديد حتى يتجنبا مثل هذه الأخطاء القاتلة.

ألم أقل لكم أن التطفل على الموائد يحتاج لمهارات وتخطيط استراتيجي نادر من نوعه؟

* نشر في مجلة عالم الغذاء السعودية