كلكم يبكي فمن سرق المصحف؟

من قسم منوعات
السبت 13 يناير 2007|

هناك أمر واضح بشكل كبير في منتديات الإنترنت العربية وتعليقات القراء وهو تعليق كل العيوب على شماعات الآخرين، فنحن نعرف كيف نتملص بمهارة فائقة من تحمل أي مسؤولية ونستطيع دائما أن نؤكد أننا نحلم بحياة العز والتقدم، ولكن هناك دائما أحد ما يمنعنا من تحقيق هذا الحلم.

لدينا أعلى درجات الإبداع في خلق قوائم “الأعداء” بدءا من إسرائيل واليهود، ومرورا بأمريكا وأوروبا وأستراليا وانتهاء بالماسونية وعباد الشيطان وبابا الفاتيكان وتلفزيونات الانحلال الأخلاقي.

وإذا واجهتنا حقيقة أن “أعداء الأمة” لا علاقة لهم بتخلفنا، وأقررنا أن المدمرين يعيشون بين ظهرانينا فالمسئول دائما عن تخلفنا هم من غيرنا، والقائمة هنا طويلة تشمل الفساق والحكام والفنانين والمراهقين والشباب والخواجات ورجال الأعمال والبيروقراطيين، لكنها لا تشملنا نحن.

لقد انتشر هذا الفكر بين العرب والمسلمين ، وعشنا في عقود من لوم الآخرين مما تسبب في عدة أمور مأساوية:

  • الأول: عشنا في وهم عظيم من خلال مبالغتنا في قدرة الآخر وتحكمه فينا ونسبتنا كل ما يحدث لنا لهذا “العدو” رغم انعدام الأدلة على ذلك في كثير من الأحوال.
  • الثاني: اليأس الشديد الذي ساد بين شباب المسلمين الطامحين الذين اعتقدوا خاطئين أنه لا حل لمشاكلنا حتى نسحق اليهود في كل العالم ويصيب الغرب الدمار الشامل، بل إن الكثيرين يرون أن “العدو” لن يسمح لنا بتأسيس صناعات ولا رفع مستوانا التعليمي ولا تحسين مستشفياتنا، وهم بالطبع مسئولون عن انحدارنا الأخلاقي وتفسخ قيمنا واهتمام الشباب بالفن السخيف.
  • الثالث: هذا اليأس وهذا الوهم جعل الناس غير قادرة على المضي في مسيرة البناء وغير قادرة على القيام بإنجازات، وما قيمة الإنجازات إذا كان الأعداء سينقضون عليها بقدرة فائقة، ولماذا نعمل إذا كانت الأخطاء يسببها أعداؤنا ولا علاقة لنا بها.
  • الرابع: اليأس والوهم والعجز جعل بعض الحمقى يفكرون بالانتحار والإرهاب والتدمير وقتل “الأعداء” واستعراض رؤوسهم على شاشات التلفزيون.

إننا بتبنينا طريقة التفكير هذه نشبه الرجل الذي ترك باب بيته مفتوحا ووضع لوحة على الباب تشير إلى أنه ترك كل أمواله في غرفة نومه، ثم لما سرقه سارق، بدأ يسب اللص والشرطة والحكومة والجيران وصانعي الأبواب والبنوك وشركات الكهرباء وإسرائيل ونسي أن يلوم نفسه لأنه لم يقفل الباب أو يضع مقتنياته في البنك.

إننا نفعل ذلك لأننا عاطفيون، نحب أن نبرأ أنفسنا من الأخطاء ونلوم الآخرين، وهذا عيب نفسي معروف تعبر عنه نظرية “تحويل اللوم” Blame shifting theory، والتي تقول بأن البعض _ وفي حالتنا الكل _ يحاولون التخلص من لوم الضمير بتحويل مسؤولية أخطائهم للآخرين!!

والمؤسف أن طريقة التفكير هذه تسربت للدعاة وعلماء الشريعة رغم أنهم من يفترض أن ينير للناس طريقهم في هذا المجال لأن القرآن الكريم يوضح بما لا يدعو مجالا للشك بأن النصر من الله والهزيمة من أنفسنا، ولأن الرسول صلى الله عليهم وسلم، ضمن لنا في الحديث الصحيح أن الأمة لن يقدر عليها أعداؤها الخارجيون ولكن الله قد يبتليها بالخلافات الداخلية، مما يعني التحذير من العوامل الذاتية وكونها أهم من العوامل الخارجية.

لقد تشبعنا بفكرة لوم الآخرين حتى آمنا على المستوى الفردي بقدسيتنا الذاتية و صرنا نخجل من نقد الآخرين لنا، وصار حتى مدرس الابتدائي والموظف الصغير يغضب صارخا إذا انتقد أحد عمله وكأنه “كامل” لا يتسرب له نقص، بينما في نفس الوقت نرى كيف وقفت شعوب الأمم المتقدمة بغضب ضد مسئوليها لما اكتشفوا وثائق تدين ممارساتهم ضد حقوق الإنسان رغم أنها ممارسات عادية جدا في عدد من دول العالم الثالث.

ورحم الله العز بن عبدالسلام، حين دخل المسجد ليجد مصحفه مسروقا ولما سأل تلاميذه عن ذلك بكى جميعهم مدعون أنهم بريئون من ذلك، فقال قولته الشهيرة: “كلكم يبكي فمن سرق المصحف؟”

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية