بكاء بلا دموع.. وجروح بلا نزيف!

من قسم منوعات
الثلاثاء 21 أغسطس 2007|

نضحك كثيرا، نستمتع بحياتنا، نعشق أصدقائنا، وننام سعداء ولكن..

أحيانا يتسلل الحزن إلى قلوبنا، تسيطر علينا الغمامة ونرى الدنيا بعيون سوداء؛ نتمنى البكاء، البكاء وحده قد يغسل الأحزان ويحولها إلى ندى رطب في القلوب.

وحتى نبكي، لا بد من سبب.

نبحث من حولنا فنرى كل الأسباب، أحباب نشتاق إليهم كل مساء، وأحلام تحطمت على صخور الحياة، وأخطاء تحاصرنا من كل اتجاه، وأشرار يحفرون حفر الغيظ والكيد والحسد. ننظر حولنا فيغيب الأمل وتضيع الفرص ولا نرى جدوى ولا هدف.

قلوبنا مجروحة، تنزف، لكن أحدا لا يرى النزيف.

نجلس على صخرة الآلام اليتيمة على شاطئ الأمل المفقود نتأمل ماء البحر الذي ابتلع كل وردي من حولنا، حتى يأتينا صوت ثقيل الدم: “ما لك شارد؟”

تتمنى أن تصرخ، أن تشكو، أن تبكي، أن تغضب، أن تعلن عزمك على تدمير الأشياء، أن ترحل بعيدا، أن تهرب من الجميع وتبدأ حياة جديدة، تصل إلى بيتك وأنت تتألم وتبكي، ولكن أحدا لا يرى الدموع بل يأتيك صوت في اللحظة غير المناسبة: “لماذا تأخرت؟ وأين كنت؟” ثم السؤال نفسه “مالك شارد؟”

عندما تستيقظ في الصباح التالي، تحاول أن تبدأ الحياة من جديد، تستجمع ذكريات الأمس البائسة، تحاول النظر بشكل أجمل، تتذكر أختك الصغيرة التي تعبث من حولك وتمنح حياتك الصفاء، تلبس ابتسامة هادئة تأمل في أن يتوقف بكاءك الخفي، ويهدأ نزيفك الداخلي، وتبذل كل جهدك لتتنفس بهدوء بلا غضب، وتبحث عن الأمان في عيون الذين من حولك، وتمضي في يومك طالبا الرحمة من الجميع..

أقسى الجروح والآلام تلك التي لا يراها الآخرون، تلك التي لا يشاركنا فيها أحد، ربما لأن أحدا لا يستطيع الفهم، ربما لأن أحدا لا يدرك أسباب الجرح، وربما لأن كل الناس ينصبون أنفسهم حكماء في لحظة الاحتضار.

أقسى نزيف وأسوأ بكاء هو ذلك الذي لا تجد من تثق فيه لتطلعه عليه، حينها تغيب الشمس وتبقى السماء سوداء بلا قمر، وتمضي وحيدا في صحراء قاسية ليس فيها إلا الحيوانات الكاسرة وآخرين من حولك لا تراهم.

الرحمة أجمل ما في الحياة وهي التي تمنحها المعنى. نحن ضعفاء خطاؤون أغبياء أحيانا ونحتاج لمن يمنحنا ظلال الحب بلا شروط.

امنح رحمتك للآخرين؛ لا تنصحهم، لا تزجرهم، لا تغضب عليهم، لا تقل لهم ماذا كان يجب أن يفعلوا، لا تظن أن حزنهم جاء بسببك، ولا تطالبهم أن يضحكوا عندما يكونوا في حضرتك، كما لا تطالبهم أن ينحنوا كلما قابلوك.

الرحمة تعني أن تعذر الآخرين كل يوم، كل الأخطاء مسموح بها بلا استثناء، والظنون السيئة هي آخر ما يخطر على بالك.

أن تكون رحيما تعني أن تكون عظيما، والرحمة تأتي فقط عندما تستطيع أن ترى تمسح الدموع الخفية وتداوي جراح القلوب المستعصية.

حينها فقط ستساهم في جعل الحياة أجمل، ولا تدري فقد يشفي هذا جروحك أيضا!

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية