توقعاتنا تصنع «تفاهة النساء» من حولنا!

من قسم منوعات
السبت 24 نوفمبر 2007|

تحدثت في الأسبوع الماضي عن “التوقعات الاجتماعية” وأثرها في تحديد سلوكيات المرأة والرجل، وقلت كيف أن أن توقعات المجتمع المحافظ لما يجب أن تفعله المرأة وكيف تعيش سبب في كثير من الظواهر والمشكلات التي تعاني منها المرأة العربية.

في الأسبوع الماضي أيضا أشرت لحوار صحفي أجريته مع شخصية إسلامية عن توفير البدائل للمرأة في المجتمع السعودي حتى يكون لها نشاطات تختلف عن واقعها الحالي الذي يجعلها تدور بين البيت والسوق والمناسبات الاجتماعية، وكانت إجابته بأنه لا حاجة لهذه البدائل «لأن المرأة مشغولة عادة بخدمة زوجها أو أبيها أو أخيها أو أبنائها، فإذا بقي لها بعض الوقت بعد ذلك، فعليها أن تقضيه في حفظ قرآن أو ذكر أو غير ذلك من العبادات والطاعات».

هذا النص يمثل تلخيصًا للتوقعات الاجتماعية التي يراها الكثيرون في مجتمعنا من المرأة المثالية، وبسبب هذه الرؤية حصل التالي:

  • لا توجد مراكز أنشطة للمرأة، فالمرأة إذا لم تكن موظفة، ونسبة الموظفات محدودة، فهي محدودة بمنزلها أو منازل أصدقائها أو الأسواق.
  • لا يوجد في مدارس البنات تربية رياضية وجسدية لأن المرأة لا يتوقع منها أن تكون مهتمة بهذه الجوانب، إلا إذا كان ذلك للريجيم وإرضاء «توقعات» الزوج أو راغبي الزواج.
  • لا يوجد للمرأة وجود في المؤسسة العسكرية، بينما كانت النساء في عهود الإسلام الأولى تتولى كامل الدعم اللوجيستي في المعارك من خلال توليهن العلاج والغذاء وغيرهما، وكانت بذلك شريكًا في الحروب، رغم ما يعنيه ذلك من اختلاط وسفر مع الرجال، حتى لو كانت غير متزوجة أو أرملة، فإن المرأة في عصرنا هذا لا يتوقع منها أن تكون جزءًا من الجانب الأكثر جدية من حياة الأمم.
  • لا يوجد للمرأة وجود في المؤسسة الدينية، بينما كانت الصحابيات وعلى رأسها أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، يتولين الفتوى ويأخذ عنهن الرجال العلم، واستمر هذا الأمر لعصور طويلة، إلا أنني لا أعرف ما الذي حصل حتى اختفى النساء من جانب العلم الشرعي، غالبًا اختلفت توقعاتنا الاجتماعية، فصرنا لا نتوقع من المرأة أن تكون عالمة في الشرع، أو أن تفهم في الفتوى، وحتى تتأكد من ذلك اعرض صفحة فتاوى وهمية تحمل اسم امرأة في أعلاها كمفتية، واضحك على ردود الفعل.
  • لا يتوقع من المرأة الكثير في جانب التربية، فالتربية يتولاها الرجل عادة، ولذا تحكم المحاكم الشرعية بالحضانة للرجل متى ما أمكن ذلك على أساس أنه أقدر على التربية.

وإذا كان شاعرنا يتغنى بالمرأة المدرسة التي إذا ربيتها ربيت شعبًا طيب الأعراق، فإن الحقيقة أن آخر ما نربي الفتيات عليه هو أن يعرفن أصول التربية وكيفية بناء النشء وكيفية صناعة الأجيال.

  • عندما انضمت الخادمات للأسرة كمكون أساسي لها انتهى دور المرأة كراعية للبيت، وهنا صارت المرأة بلا دور على الإطلاق، دورها التربوي محدود بسبب جهلها ودروها الاجتماعي ملغى، ودروها العلمي غير معترف به، ولم يبق لها إلا رسائل الجوال والتمشي في الأسواق وإنفاق الأموال.
  • بسبب توقعاتنا الاجتماعية، تحول الكثير من النساء لمخلوقات ثرثارة غير مثقفة تتكلم بما لا يفيد في قضايا لا معنى لها، وتهتم بما تلبسه صديقتها أكثر من أي شيء آخر في الدنيا؛ لأننا قررنا أن هذا مقبول من المرأة وغير مقبول من الرجل.

تحولت النساء لشخصيات فارغة غير جادة، لا دور لهن إلا ممارسة الضغط الاجتماعي على النساء الأخريات لتحقيق المزيد من الاستهلاك والشراء وتضييع الأوقات والحديث في التفاهات.

  • حتى في البلاد العربية التي خرجت فيه المرأة للعمل بسبب الظروف الاقتصادية، بقيت التوقعات الاجتماعية قريبة من واقعها في المجتمع السعودي، فالمرأة موظفة غبية مزاجية هدفها تجميل المكتب وقضاء المهام الروتينية بمرتب قليل جدًا.

ورغم وجود الاستثناءات فإن أكثر الوظائف القيادية للرجال وليس للنساء.

  • بسبب التركيز الشديد على العفة والطهارة وتجنب الرجال، انقلب الأمر إلى عكسه، فصارت المرأة العربية لا تفكر في الرجل إلا كذكر، وصار الرجل لا يفكر في المرأة إلا كأنثى، وصار أي احتكاك بينهما له بعد جنسي بكل أسف.

ومن يدرس في المجتمعات الغربية يرى أن هذا الأمر مختلف تمامًا، فمع وجود الانحلال الجنسي، إلا أن المرأة تشعر بالكثير من الثقة بنفسها في التعامل مع الرجل، ولا يستطيع كل رجل من حولها أن يشعرها بأنها غرض جنسي يستغله في لحظة ضعف مناعتها، كما هو التفكير المنتشر في كثير من الدول العربية.

إن الكثيرين يتحدثون عن الجوانب الإيجابية للانفتاح، وفي الحقيقة أن الانفتاح الذي يصنع وضعًا إيجابيًا هو ذلك الذي يعيد بناء التوقعات الاجتماعية، فيتوقع من المرأة حينها أن تكون مشاركة جادة في بناء المجتمع، جنبًا إلى جنب مع الرجل، مع أخذ كل الأبعاد القيمية في الاعتبار.

أرجو ألا يفهم أحد من تركيزي على تفحص المجتمع الغربي في هذا المقال على أنني أطالب بنموذج شبيه بالنموذج الغربي، وخاصة أنه نموذج مليء بالمشكلات الاجتماعية، ولكنني أدلل فقط على أهمية التوقعات الاجتماعية ودورها الخطير في بناء المرأة ووظائفها في المجتمع.

أنا أبحث في الحقيقة عن وضع اجتماعي أقرب للمجتمع الياباني الذي استطاع أن يصيغ توقعات معتدلة توازن بين النظر للمرأة ودورها في المنزل والتربية ودعم الزوج وبناء الأسرة، ودورها كإنسان فعال وبناء في المجتمع.

لقد انتقلت المرأة اليابانية في أقل من قرن من الزمن من امرأة «تعبد» زوجها حسب التقاليد اليابانية إلى امرأة تعمل بجد غريب يشابه جدية الرجل الياباني وتساهم في بناء المجتمع ضمن الأعراف المحافظة للمجتمع.

إنني أتمنى أن نصيغ توقعات مشابهة، توقعات تتعامل مع المرأة كإنسان جاد وذكي وقادر على العطاء في كافة المجالات، تمامًا كما كانت المرأة في عصورنا الأولى، وتماما كما هي في المجتمعات الأخرى.

ولا أرى أن هذا صعب، فإذا حددنا التوقعات الاجتماعية الصحيحة من المرأة وتكاتفت المؤسسات السياسية والتعليمية والاجتماعية والدينية على تغيير قناعات الناس من حولنا لتحقيقها، فإننا عبر أجيال ثلاثة _ كما تقول إحدى الدراسات _ سنعيد صياغة المجتمع بالكامل.

حينها ستصبح لدينا امرأة عظيمة نفتخر بها..

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية