من المعروف أن خطبة الجمعة هي جزء من حياة الناس في أي مجتمع إسلامي، وإن كانت الرؤية العامة نحو خطبة الجمعة في مختلف دول العالم الإسلامي أنها إما أن تكون وعظا تقليديا في أمور يعرفها الناس _ وإن كان التذكير بها أمر إيجابي طبعا _ تلقى بأسلوب بارد تراه في تثاؤب الحضور وحركتهم الكسولة ونوم بعضهم، أو أنها خطاب سياسي بحت حيث يخرج الخطيب يخرج غاضبا إلى المنبر يعلن مواقفه الحادة من خلال خطاب ديني يخلط النقد السياسي بالموعظة الدينية والتحليل الفقهي، الأمر الذي جعل عددا من دول العالم الإسلامي تبحث عن وسائل للسيطرة على خطبة الجمعة، وإن كان بعضها مغال في التحكم مثل توحيد الخطبة وإرسال النص من إدارات الأوقاف.
لكن خطبة الجمعة قد تكون أمرا مختلفا تماما لو أنها خضعت لوسائل التطوير، وهو أمر لا أفهم لماذا بقي في إطار جامد رغم هذه السنوات التي تقدم فيها فن التدريب والخطابة والتعامل مع الجمهور وتقدمت وسائل العرض التكنولوجية، وصار على الخطباء أن ينافسوا وسائل الإعلام التي تعمل كل يوم على تطوير نفسها.
سأطرح فيما يلي بعض الأفكار لتطوير الخطبة وزيادة فائدتها وإمتاعها للجمهور، وأنا أطرحها دون أن أعرف أن فيها ما يخالف نصوص الشريعة الإسلامية التي درستها، وقد تكون بعض هذه الأفكار أفكارا رديئة، ولكن رسالة هذا المقال تقول بأن الخطبة يجب أن تتطور وتخرج عن ثوبها التقليدي لتصبح جزءا من حياة الناس العصرية، حتى تتواكب مع تطلعاتهم ونمط حياتهم السريع، وعلى الفقهاء أن ينظروا في هذه الأفكار وغيرها ويجتهدوا في مدى مناسبتها لروح ونصوص الإسلام.
أول هذه الأفكار هو وجود بعض المساجد في كل مدينة _ وخاصة منها التي لا تمثل مساجد أساسية للأحياء _ بحيث تكون الخطبة متخصصة في مجال معين، وبحيث نجد مسجدا يركز خطيبه على قضايا علم النفس، وآخر على قضايا الاقتصاد والمعاملات، وثالث على القضايا الاجتماعية، ورابع يستفيد من الخطبة بحيث تكون حلقة من سلسلة تدريبية على أمر معين، وخامس يجعل خطبته موجهة للشباب الصغار أو للنساء أو غير ذلك.
في الفقه الإسلامي أن الخطبة يجب أن تتناول أمرا نافعا للناس، وليس هناك _ حسب ما أعلم _ نصوص ترى أن هذه الأمور يجب أن تكون دينية بحتة، وما ينفع الناس لا حد له، بل إن الخطبة بذلك تتحول إلى أداة إلى تطوير عموم الناس، والتخصص وتحديد الجمهور ومخاطبة الجمهور حسب توقعاته هو أمر معروف في عالم تعليم الجمهور العام وفي عالم الإعلام والتدريب.
أستغرب لماذا لا يستخدم الخطباء بعض أساليب التكنولوجيا الحديثة في مخاطبة الجمهور فمثلا لماذا لا يستخدم جهاز عرض مربوط بكمبيوتر محمول يقدم الخطيب من خلاله موضوعه بشكل شيق مصحوب بالصور ومقاطع الفيديو التي تشرح موضوع خطبته، إذا كانت في سياق الموضوع وضمن إطار المباح شرعا، بل إن بعض الأساليب التقليدية المتبعة في التدريب ما زالت مفقودة في خطب الجمعة مثل توزيع مواد مرافقة للخطبة على الجمهور بحيث يأخذوها معهم لبيوتهم حتى تبقى الاستفادة قائمة.
في عدد من القصص التراثية في أيام الخلفاء نجد تفاعلا بين الخطيب والجمهور حيث يقوم أحد الناس ويسأل الخطيب سؤالا فيجيبه عليه أمام الناس، وبعض المذاهب الفقهية لا تعتبر الحديث مع الإمام ممنوعا في خطبة الجمعة، وإذا قبل الفقهاء بذلك فقد يعني هذا بداية الطريق لخطبة تفاعلية يوجه فيها الخطيب أسئلة للجمهور ويتفاعل معهم ويتلقى أسئلتهم في آخر الخطبة ويجيب عليها، وأساليب التكنولوجيا التي تسمح بذلك دون أن تحصل الكثير من الحركة موجودة ومتعددة.
سيقول البعض أن هذا يتطلب أن يكون الخطيب مختلفا عن خطيب الجمعة التقليدي، أن يكون مثقفا أو أكاديميا، يملك الأسلوب المشوق، والقدرة على التفاعل مع جمهوره، ولديه الروح العصرية التي تجعله يتقبل كل هذه التغييرات، وغير ذلك من الصفات.
هذا بلا شك صحيح، فتطبيق هذا التغيير يحتاج لتدريب الخطباء وتعيين المساعدين لهم وحملة عامة لتوضيح أن هذا مقبول لأن الجمهور قد يظن أن هذا حرام، كما حصل في أحد القرى التي عزل فيها الخطيب لاستخدامه الكمبيوتر المحمول، كما يحتاج ولاة الأمور لعزل بعض الخطباء الذين لا يستطيعون مواكبة التغيير، وغير هذا من أساليب التغيير.
في رأيي الشخصي، الثمن يستحق كل ذلك!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية