عفو الرسول عمن أساء إليه يتطلب العفو عن المعلمة الإنجليزية

من قسم منوعات
الإثنين 03 ديسمبر 2007|

ما حصل في السودان الأسبوع الماضي من غضب شعبي تلته مظاهرات يوم الجمعة تطالب بالقصاص والإعدام لمعلمة إنجليزية اتهمت بأنها علمت طلابها الأطفال أن يسموا لعبة باسم الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، أمر ليس بجديد على المجتمع العربي الذي بدأ يتعود على صيحات الغضب وطلب الانتقام من الأفراد الغربيين.

ورغم أن المعلمة دافعت عن نفسها بأنها طلبت من الأطفال أن يختاروا أحب الأسماء إلى أنفسهم ليسموا ألعابهم، ولما جاءها أحد الأطفال باسم “محمد” لم تر في ذلك مانعا بسبب ثقافتها التي أتت منها، إلا أن أحد أئمة المساجد أكد بأن هذه حجة مرفوضة وأنه متأكد أنها كانت تقصد الإساءة للرسول الكريم، وجاء إمام آخر ليدلل بطريقة أخرى قائلا بأن بريطانية لم تكن تأت للتدريس في السودان إلا لأنها تريد التبشير بالنصرانية، ولذا فهي تستحق العقاب.

ولا يخف على أحد أن الحجتين تافهتان ضعيفتان يتساقطان أمام من يعرف شيئا عن واقع الأمور، فهناك الكثيرون من الغربيين لا يجدون وظائف في بلادهم ويرون في السفر حلا جيدا للعمل وجمع المال، ولكن هاتين الحجتين في المقابل يقدمان مثالا لما يحدث يوميا من أشخاص يقتدي بهم عامة الناس ويسيئون استخدام هذه المسؤولية من خلال حجج عاطفية ولا قيمة لها.

وحتى لو ثبتت الإساءة الحقيقية من تلك المعلمة الإنجليزية، فإن التراث الإسلامي يقدم أمثلة رائعة لكيفية تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم، مع قصص مماثلة تؤكد أن الغضب الشعبي العارم ضد المعلمة كان خطأ فادحا، ولعل من أجمل تلك الأمثلة أن زعيم المنافقين عبدالله بن أبي بن سلول، كان يسيء باستمرار للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، لدرجة أنه كان يقود تمردا خفيا ضد الإسلام ورسوله، وبهذا السبب كان بعض الصحابة يطلب من الرسول الكريم، أن يأذن له بضرب عنق ابن أبي سلول، ولكن الرسول قال وقتها قولته المشهورة “دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه”.

لقد كان قرار الرسول الكريم قرارا سياسيا جعله يعفو ويتنازل عن معاقبة من يسيء إليه ويخطط ضده مراعاة للظروف الاجتماعية العامة بحيث لا ينتشر بين الناس ما يضر المصلحة العامة ويسيء لسمعة المسلمين.

هذا القرار ومثله كثير في حالات متعددة قامت على العفو هو أيضا لمنع إيجاد روح الانتقام والغضب في المجتمع الإسلامي، لأن هذه الروح لا يمكن التحكم فيها وتجعل المجتمع جاهزا للانقضاض على أي مخطئ بعيدا عن الحكمة والحصافة المطلوبة.

واقع العرب اليوم أسوأ وأضعف، وبهم بحاجة لأي أمر يحسن سمعتهم في مقابل الإساءات التي قام بها متطرفون خلال السنوات الخمس الأخيرة، ومثل هذه الحادثة التي لا قيمة لها ستساهم في ذلك، وعدم مراعاة جهل الذين يزورون العالم الإسلامي ستجعله مكانا مخيفا يجعل الكثيرين من غير المسلمين خائفين من القدوم إليه.

إن ما يزعجني أيضا في مثل هذه الحوادث التي بدأت تتكرر كثيرا في الفترة الأخيرة أن المجتمع العربي يعاني من مشكلات كثيرة جدا تجعله في ذيل العالم من حيث التقدم الحضاري والاقتصادي والثقافي، وعندما يتحدث الأئمة ويخرج الناس في مظاهرات وتبذل الجهود لقضية فردية ومحدودة جدا وليس لها أي نتائج إيجابية محتملة، فإن معناها أن الشعوب وقادتهم قد فقدوا تماما البوصلة التي تجعلهم يركزون على البحث عن طريق الخلاص مما هم فيه من أزمات لا حصر لها ولا عد.

إنني لا ألوم الناس الذين خرجوا في المظاهرات، ولا ألوم الشباب الذين يكتبون كل يوم في المنتديات على الإنترنت أمورا مماثلة تدل على السطحية والغضب وحب الانتقام والجهل وعدم القدرة على التمييز بين ما هو جوهري وما هو ثانوي كما تدل على عدم مبالاة بالسمعة العامة للمسلمين والعرب، لأن هؤلاء كلهم من العامة الذين يقودهم صناع القرار وقادة الرأي والمتخصصون ومن يثقون فيهم، بل إن اللوم يتوجه لهؤلاء الذين يقودون ويعلمون ويؤثرون عندما يكتفون بالسكوت بحثا عن الرصيد الشعبي أو لأنهم لا يختلفون في تفكيرهم عن العامة أو لأنهم مشغولون بأمورهم الشخصية.

العالم الإسلامي والعربي يعيش أزمات غريبة وهي تزداد غرابة وأثرا سلبيا وتجعل أمم الأرض في توجس من هؤلاء الذين يعيشون في العالم القديم دون أن تكون هناك جهود إيجابية قوية تشرح حال العرب وتحسن صورتهم وتقرب الناس إليهم.

من الواضح أن العالم العربي لا يعرف حتى الآن كيف يعالج أزماته ولا كيف يوازن مختلف القضايا ولا يملك القيادة الفكرية والثقافية التي توجهه، بل إن البعض قد لا يعرف أن هناك أزمة فعلا.

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية