عندما يمشي الموتى على الأرض

من قسم منوعات
الثلاثاء 10 يوليو 2007|

وقف مع الناس يكبر تكبيرات الصلاة على الموتى، لم يكن أحدا يبكي أو حتى يبالي بل كانت الضحكات تتوزع في كل مكان، والميت لم يكن أحدا سواه.

في السنوات الأخيرة أصيب قلبه بإصابات حادة وصار ينزف بلا توقف وفي الشهر الأخير كانت الضربة “قاضية” أدت لوفاة روحه ورحيلها الأبدي حتى لو كان جسده ما زال يمشي على الأرض وقلبه ينبض في عملية ميكانيكية بحتة.

كان يذهب إلى العمل ويزور الناس ويتحدث إليهم وهو يتساءل كم من الناس مثله، يعيشون بلا روح، وبلا ذاكرة، وبلا أمل، وبقلب من حديد علاه الصدأ، وإذا كان هؤلاء الناس كثيرون فعلا، فلماذا لا يعلنون وفاتهم “الروحية” حتى يتم عزلهم في سجن كبير في انتظار موت أجسادهم ودفنهم تحت الأرض.

لا يعرف لماذا يشعر بقسوة شديدة ضد نفسه وضد أمثاله، يشعر بأنه لا قيمة لوجوده على الأرض، بل إنه عبء عليها، يستهلك من خيراتها، ويشوه حياة أولئك الذين ما زالوا “أحياء” وما زالت قلوبهم تنبض بالأمل، وما زالت دموعهم ذات معنى.

يتساءل أحيانا: لماذا لا يرحل الجسد مع الروح إذا رحلت ولا يضطر الإنسان لأن يمضي السنين منتظرا لحظة موت الجسد؟

يتساءل أحيانا أخرى: لماذا لا يعزيه أحد برحيل روحه، ولماذا ينظر إليه الناس ببلاهة عندما يخبرهم أنه مجرد جسد لرجل ميت يمشي على الأرض؟

اليأس هي أقوى رصاصة تصيب الإنسان، تجعله ينزف من الداخل دون أن يشعر، واليأس كالسرطان يقتل خلايا الروح ببطء دون أن يشعر الإنسان ودون أن يملك حيلة نحوه.

أقسى من اليأس عدم القدرة على الشعور به أو بالأمل.

حينها تكون كل خلايا الشعور قد ماتت ولم يبق من الروح إلا الذاكرة التي يعيش بسببها في الماضي الجميل.

عندما تختفي الذاكرة ولا يبق للإنسان أي ماض جميل يتظلل بظلاله، حينها يكون قد مات.

لا تغركم ابتسامة اليائسين، ولا حديثهم المطول على أنفسهم، فهذه مجرد حركات آلية فقدت معناها من زمن طويل، حتى البكاء والغضب لا يعني شيئا لهم.

لما حدث تلك المرأة التي عرضت نفسها عليه مقابل ماله وجاهه، سألها عن الحب والذاكرة والأمل وتعجبت كيف عرف انها هي الأخرى ميتة تمشي على الأرض.

قالت له: أحاول فقط أن أبحث عن قوت يومي حتى يأتي الأجل المحتوم.. لا أريد أن أهين روحي الميتة بضياع آخر لجسدي الخشبي.

ما أقسى الدنيا أحيانا..

كيف تعالج روحك وتقيها من الأمراض القاتلة والفيروسات المميتة؟

امتلك الكثير من الحب ثم اهرب منه عندما يلاحقك حتى لا يغدر بك..

وامتلك الكثير من الأمل، ثم اهرب من قسوة الأيام بالكثير جدا من الصبر..

أحط نفسك بالأصدقاء، ولكن توقع منهم طعنات الظهر في أي وقت..

لا تفرح بشيء قد تحزن عندما تفقده..

وراعي صحة روحك كما تراعي صحة جسدك..

وتعاطف دائما مع كل الموتى الذين يمشون على الأرض..

رحمهم الله!

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية