في حياتنا الحافلة لا بد أن نصاب بين الحين والآخر بأسهم تخترق أرواحنا لتحدث جراحا تنزف وآلاما تزداد حدتها لحظة بعد لحظة حتى يشعر الإنسان بتصاعد الحزن في أعماقه فلا يرى الإ غدر الحياة وسواد الأيام ويصبح حديث الآخرين عن الفرح أكذوبة ساخرة ويتحول التفاؤل إلى سراب بعيد، ولكنه من النوع الذي تعرف يقينا أنه ليس بماء بل تؤمن بكل ثقة أنه مجرد خيال زائل لا معنى له.
كيف نعالج الجراح حتى تلتئم ونتجاوز الأحزان حتى نعود إلى أيامنا السعيدة حيث الضحكة تبحث عن أي مبرر لتعلن نفسها على شفاهنا، وحيث نرى الدنيا ببياضها الجميل، وحيث يسيطر علينا هدوء النفس وانطلاقة الروح والإيمان بأن المستقبل جميل؟
الجواب على هذا السؤال استهلك جهودا جبارة من علماء النفس الذين قدموا عبر آلاف الكتب والدراسات رؤى متعددة لعلاج هذه الأزمة التي يصاب بها الناس.
لن أقدم هنا طبعا خلاصة كل هذه الرؤى، ولكني سأتعرض بسرعة لواحد من أفضل الحلول العملية لعلاج هذا النوع من الأزمات، وهي الأسباب التي تناسب الإنسان العادي، لأن هناك من يصابون بالاكتئاب والأمراض الأخرى التي تتطلب تدخلا طبيا متخصصا، بينما سأستعرض في حلقات قادمة حلول علاجية أخرى.
العلاج هو “الحديث الذاتي المفتوح”.
لا بد أن يكون لك صديق أو اثنان تتحدث إليهم بأسرارك وتعبر عن مشاعرك، وتبدو أمامهم نقاط ضعفك، وتبكي إن احتجت للبكاء، وتضحك بغباء، ولا تخاف من أن يحاكموك إذا بدوت غبيا أو سخيفا أو مذنبا، وتثق في أنهم يكتمون أسرارك.
في العالم العربي، من الصعب أن تجد هذا النوع من الأصدقاء، لأننا نمارس الضغط الاجتماعي ومحاكمة الآخرين بكثافة عالية، ولأننا نخاف كثيرا من نظرة الآخرين إلينا ونحسب لها ألف حساب.
بالإضافة إلى ذلك، علاقاتنا الاجتماعية الواسعة تجعل أي فضيحة أمرا يطير به الركبان وتنتشر في الآفاق ويعرف بها القاصي والداني، ولذا يتحفظ الإنسان على ما يقول.
الرجال بالذات في كل مكان في العالم حسب ما تثبت الدراسات يصعب عليهم الأمر أكثر، لأنهم يخافون من التعبير عن مشاعرهم، ويضعون حولهم الكثير من الأسوار التي تمنع الناس من الدخول إلى أعماقهم، بينما النساء يتمتعون بميزة التعبير الذاتي Self-Disclosure، وهذا ما يجعلهم أفضل في صحتهم النفسية بسبب ذلك ويضمن لهم أن يعيشوا أطول من الرجال.
من الصعب في كل مكان أن تجد الصديق التي تثق فيه، ولهؤلاء الذين لم يحظوا بمثل هؤلاء الأصدقاء مني كل العزاء، لأن الحياة بلا صديق ثقة يحمل أسرارك ويغفر هفواتك وتضن له بمكنونات نفسك هي حياة صعبة وقاسية وجافة.
في الغرب، عالجوا هذه المشكلة بوجود المعالج النفسي، وهو مختلف عن الطبيب.
المعالج تجلس بين يديه، وقد تدرب على طرق وأسئلة تجعلك تتحدث عن مشاكلك و”تفش” خلقك بل وأن تدرك أمورا تؤلمك لم تكن تفهم ما هي.
في بلادنا، لا يوجد حتى الآن هؤلاء المعالجين لأننا لا ندرك القيمة الصحية الكبرى للتعبير الذاتي.
عندما يجرح قلبك، حاول ألا تكتم ما بك، تحدث إلى الأعزاء، لا تخجل منهم، وإذا لم تجدهم حولك، فالجأ إلى قلمك، اكتب واكتب حتى تتعب من الكتابة، تحدث إلى دفترك أو كمبيوترك، قل له كل أسرارك، ثم تنفس الصعداء.
البعض قد يجعل مناجاته مع الله عزوجل، فيبكي ويدعو ويتحدث، ولكن مقام الدعاء مقام فيه كثير من الخشوع والاحترام لله، ولذا يحتاج الإنسان للصديق والكتابة حتى يخرج ما تبقى في نفسه من الآلام.
البعض قد يكون محظوظا بزوج أو زوجة يمكن أن يلجأ إليهم، ولكن للأسف أكثر الأزواج والزوجات يستمعون للشكوى وحديث الألم بطريقة خاطئة، فيحاكمون أزواجهم، ويغضبون، ويتشمتون، ويتصرفون وكأنهم يملكون صوت الحكمة الذي أغفله الزوج أو الزوجة في يوم من الأيام.
هذا الخطأ الشائع يحول الحياة الزوجية مهما كان فيها من حسنات إلى جحيم، فيهرب الزوج أو الزوجة إلى الأصدقاء وإلى العلاقات العاطفية الجانبية _ خارج إطار الزواج _ بحثا عن من يستمع لهم وينصت دون أن يدفعوا ثمن ذلك غاليا.
عندما تجرح قلوبنا نحتاج للبكاء على كتف صديق، ومع الدموع والكلمات يبدأ القلب في التنفس واستعادة حيويته من جديد، لنمضي في حياتنا التي كانت.
نحتاج لمن يحبنا ونثق به دائما..
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية