كتبت في مقال سابق عن “كيمياء الحب” بأن العلماء الذين درسوا كيف يحصل الحب كيميائيا داخل الإنسان قدروا بأن الحب يستمر بين ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.
بعد المقال وصلتني مجموعة من الرسائل الغاضبة والمتسائلة تنكر ذلك وتقول بأن الحب قد يستمر لسنوات طويلة، والبعض استشهد بزواجه الذي دام عقودا من الزمن “كلها حب ووفاء وإخلاص”.
ولكن هؤلاء القراء الأعزاء لم ينتبهوا أن المقال كان عن ذلك النوع من الحب الجارف الذي يغمر الإنسان من أول نظرة ثم يجعله شديد التعلق بمحبوبه، ترتفع حرارته وتشتد نبضات قلبه كلما شاهده، ذلك النوع من الحب الذي حدثنا عنه الشعراء وكتاب الأفلام والمسلسلات وعظماء العشاق.
أما الحب الحقيقي الذي يقوم على الإيمان بقيمة المحبوب في حياة الإنسان، والحب الذي يقوم على اتفاق الطرفين على أن يكونا شريكين دائمين في مواجهة صعوبات الحياة وفي الاستمتاع بمباهجها وزينتها وأهمها زينة البنون، والذين كانت العلاقة بينهما قائمة على الاحترام والإعجاب بخصائص الطرف الآخر فهذا حب قد يستمر للأبد، أي إلى اللحظات الأخيرة في الحياة، والسؤال هنا متى يكتب للحب أن يستمر؟ كيف نملك إكسير الحب الحقيقي الذي يدوم ويمنح الإنسان السعادة العميقة والروح التي تنعم بالسلام دائما؟
أول الإجابات وأسهلها أن ينتبه الزوجان أن السعادة الزوجية ليست أمرا يمكن تحصيله بمجرد اتباع القواعد العامة في التعامل مع الطرف الآخر “الاحترام، تقديم الخدمات، الانتباه للمظهر.. الخ”، ولا يشترط إذا بدأ الزوجان حياتهما بالحب أن يستمر الأمر كذلك، بل إن السعادة الزوجية هي أمر يحتاج لجهد مستمر وتركيز دائم وإبداع ومعالجة يومية للمشكلات التي تواجه تلك السعادة حتى يمكنها أن تستمر.
لهذا السبب، لا بد للزوجين لامتلاك الحب الحقيقي الدائم أن يكونا قد قررا من النهاية أن يعملا كل ممكن لتحقيق ذلك، لا بد أن تكون هناك رغبة عميقة تمنح الزوجين الطاقة للعمل البناء بهدف التجديد في حياتهم والاستمرار في العلاقة الإيجابية مهما تطلب الأمر.
من جهة أخرى فإن أسوأ ما يواجه العلاقات الزوجية اعتقاد الزوجين أو أحدهما أنه إذا حصلت المشكلات فهذا يعني أن الحب قد زال وأن الشقاق قد وقع وأن الأمل قد فقد وأنه لم يعد هناك طريق للعودة.
هنا يبدأ الزوجان بالانسحاب تدريجيا من العلاقة الإيجابية إلى علاقة سلبية تترك آثارها الحادة على حياتهم بطرق عديدة لا تخفى على أحد.
في الحقيقة، لا بد من المشكلات، لا بد من أن تحصل “التشققات” فنحن نتكلم عن علاقة بين شخصين مختلفين عبر السنوات، وعدم حصول المشكلات هو أمر غريب وقد يدل على أن أحد الزوجين قد فقد ذاته لصالح الزوج الآخر المسيطر على العلاقة والمتحكم فيها “وهو أمر سلبي جدا طبعا”.
لكن حصول المشكلات لا يعني النهاية، فكل مشكلة يمكن العمل على علاجها، وسأتحدث في مقال لاحق عن الأساليب التي يقترحها البحث العلمي لعلاج المشكلات الزوجية ولكنها باختصار تبدأ بتحديد المشكلة بدقة بعد نظر عميق بعيدا عن العواطف، ثم الانتقال للبحث عن مجموعة من الحلول الممكنة، ثم اختيار الحل الذي يرضي الطرفين وبذل كل جهد للالتزام بتنفيذه.
حل المشكلات يعني معالجة التشققات وإزالة الصدأ وإعادة رونق الحب للعلاقة الزوجية والاستمرار عاما بعد عام في حياة سعيدة هانئة، كما تعني _ وهو مهم جدا _ أن ينعم الأطفال بحياة أسرية صحية تضمن لهم النمو النفسي والاجتماعي السليم.
هناك أمور أخرى يتحدث عنها علماء النفس والاجتماع والعلاقات الإنسانية.
على سبيل المثال، أذكر دراسة علمية اطلعت عليها قبل سنوات عن أثر اللمس في حياة الزوجين، وحسب الدراسة التي قامت على وضع كاميرات في منازل الأزواج المتطوعين، فإن الزوج الذي يلمس زوجته لمسات خفيفة على شعرها وكفيها وكتفيها والزوجة التي تلمس الزوج ثلاث مرات في اليوم على الأقل هم أكثر سعادة من الأزواج الذين ليس بينهم لمس أثناء مجريات اليوم العادية في المنزل “بالمناسبة هذا الأمر ينطبق على الأصدقاء كذلك. ضع يدك على كتف صديقك وستجد لمستها السحرية بينكم”.
دراسات أخرى تحدثت عن أثر المشي المشترك في تقوية العلاقة الزوجية، فعندما يمشي الزوجان معا في أي مكان لفترة قصيرة كل يوم أو أسبوع، فإن هذا يترك آثاره السريعة على علاقتهم الزوجية.
المحصلة النهائية لكل هذه الدراسات ومثلها كثير أن “الحياة الرومانسية”، أو تلك الأمور الصغيرة البسيطة التي تؤكد حبنا واهتمامنا بالطرف الآخر لها أثرها الجميل في حفظ الحياة الجميلة بين الزوجين.
الحب قد يستمر إلى الأبد إذا أردنا ذلك..
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية