هناك شعور ما يجتاحنا أحيانا عندما نقابل الإنسان الذي نعشق، هناك شيئ اسمه “الحب من أول نظرة”، هناك شيء يحدث لنا عندما نقابل إنسانا ما، يجعل القلب يخفق، والعقل يذهل، والدم يجري في أنحاء الجسم متراكضا في سعادة هائلة.
هذا الأمر لا علاقة له بالصفات المثالية للإنسان الذي نريد أن نحب.
تسأل الناس فيخبرونك عن صفات الأمانة والصدق والصراحة وصفات الجمال المختلفة، ولكنهم في لحظة معينة يقررون أنهم أحبوا شخصا معينا ويتغاضون عن كل سيئاته ويقررون أن سعادتهم ستكون مع هذا الشخص دون غيره من الناس.
هذا ما يسميه العلماء كيمياء الحب.
لقد استطاع العلم أن يفهم تماما ما يحصل داخل الإنسان على الصعيد الفسيولوجي والنفسي عندما تحصل حالة العشق المفاجئ هذه، واستطاع على أساسها أن يفسر بعض الظواهر الاجتماعية المرتبطة بكيمياء الحب.
يبدأ العشق الذي يأخذ هذا النوع القوي والمفاجئ من العقل الباطن الذي يعاني من نقاط ضعف تكونت أثناء الطفولة، فالإنسان لديه احتياجات معقدة جدا، وعندما يبقى جزء من هذه الاحتياجات بدون أن يلبى بالشكل المناسب، يصبح العقل الباطن في حالة “شوق” وبحث ملح عمن يلبيها حتى لو تقدم بنا السن.
في نفس الوقت، يبنى العقل الباطن صورة لشريك العلاقة العاطفية والجنسية بناء على أسباب أخرى لا مجال هنا لذكرها.
عندما يظهر هذا الشخص الذي يرى العقل الباطن أنه سيلبي هذه الاحتياجات ويتوافق مع صورة شريك العلاقة، فإنه يعطي رسالة للدماغ بهذا المعنى.
الدماغ في هذه الحالة يبدأ في نشاط سريع، تتدفق فيه ثلاثة عناصر كيميائية، الأول يسمى phenylethylamine، وهذا يقوم بتسريع انتقال المعلومات بين خلايا المخ، والثاني يسمى Dopamine، وهذا يجعلنا نشعر بالمتعة الكبيرة، والثالث يسمى norepinephrine، والذي يؤدي لتسارع إنتاج الأدرينالين في الجسم، ويؤدي لتسارع ضربات القلب والنشاط الزائد للدورة الدموية في مختلف أنحاء الجسم.
لاحظ أن كيمياء الحب ليست أمرا إيجابيا دائما، فنقاط ضعفنا النفسية قد تكون سلبية، فمثلا إذا كانت امرأة تعاني من نقص الحب الأبوي في صغرها، وأدى ذلك لبحث العقل الباطن عن الرجل الكبير الذي تشع عينيه بالحنان، فإن وقوعها في الحب هو في الغالب استجابة لهذه المشكلة، وهذا يجعلها تقع في حب هذا الرجل الذي قد لايكون مناسبا لها وليس فيه المواصفات التي تحقق لها السعادة في حياتها.
بمعنى آخر، كيمياء الحب وضربات القلب المتسارعة لا تعني أننا نختار الشخص المناسب للصداقة أو الحب.
هذا له علاقة بمشكلة اجتماعية أخرى وهامة مرتبطة بكيمياء الحب وعلاقات العشق الطارئ وهي أن هذا التدفق الكيميائي الذي يسبب السعادة يستمر في الإنسان في المعدل بين ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.
عندما ينتهي هذا التدفق الكيميائي يحصل أمران هامان:
- الأول: يبدأ الشخصان بفحص صفات الشخص الآخر بعقلانية وموضوعية أكثر، وإذا كانت هناك علاقة زواج بينهما فإن عدم الرضى عن الشخص الآخر تعني أحيانا نشوء المشكلات الاجتماعية التي تنخر في جسد الأسرة.
- الثاني: أن الشخص يبدأ في البحث مرة أخرى عن هذا الشعور الجميل الذي غمره يوما، وهذا يؤدي في كثير من الأحيان إلى الخيانة الزوجية كما يؤدي إلى التصابي إذا كان هذا الاكتشاف في سن متأخر، أو إلى الاكتئاب عندما لا يجد الإنسان من يحرك عناصره الكيميائية في دماغه مرة أخرى.
إن النتيجة التي يصل إليها العلم من وراء هذا كله سهلة جدا.
عليك أن تجعل عقلك يحدد مواصفات الشخص الذي تريد أن تبني معه العلاقة العاطفية والجسدية وتبني معه حياتك المستقبلية، ثم بعد ذلك تبحث عن هذا الشخص، كما يخبرنا العلم ألا نستجيب لعناصرنا الكيميائية وحدسنا الداخلي بشأن العلاقات العاطفية مهما كان قويا غامرا ومهما كان شغفنا شديدا، ومهما جلسنا في الليل والنهار نفكر في ذلك الشخص الذي جاء ليقلب حياتنا رأسا على عقب.
حسب الدراسات العلمية هذا أمر مؤقت فقط.
هناك كيمياء أخرى في الصفات والسلوكيات ينبغي أن نبحث عنها وهذا ما سأتحدث عنه الأسبوع القادم.
وقانا الله من الاحتراق حبا وشوقا!!
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية