معظم مشاكل المرأة في بلادنا قائمة لأن الذكور قرروا بالإجماع إيجاد وضع اجتماعي عام يعطيهم الوصاية عليها، والذكور لا يشعرون بالذنب على الإطلاق لأنهم لا يشعرون أنهم يضطهدون المرأة أو يبغضطونها حقوقها، بل في الحقيقة هم “يحمونها” من الرجال ومن ضعاف النفوس، وأهم من ذلك يحمونها من نفسها لأنها قد تضعف أمام الإغراءات وتنساق، وهذه مصيبة كبرى لا تتحمل المغامرة ولذلك نتخذ كل الإجراءات الممكنة لحمايتها من ضعفها!
قد لا تبدو المسألة كذلك في بعض الدول العربية، فالمرأة فيها لها الكثير من الحرية في الحركة ولكنها ما زالت تعاني من سيطرة الرجل ووصايته وحصولها على حقوق أقل، ولكن أصل المشكلة وأصل الوصاية بدأ من هذه الفكرة.
عندما كنت أعيش في أمريكا وأتلقى هجوم الأمريكيين الذين يسألونني باستغراب عن وضع المرأة في بعض الدول العربية المحافظة، كنت أؤكد لهم كرجل يدافع عن بني قومه من الرجال بأن الأمر ليس لأننا نظلم المرأة ولكن لأننا نبالغ في حمايتها Over-Protection.
فكرة الحماية فكرة قديمة عبر العصور، وكان بعض الجاهليين مبالغا في حماية القبيلة من احتمال ضعف المرأة أمام الإغراءات فاخترعوا “وأد البنات”، وجاء الأوروبيون في العصور الوسطى فاخترعوا “حزام العفة”، وجئنا نحن في العصر الحديث فاخترعنا أفكارا كثيرة تختلف من دولة عربية إلى أخرى، وكلها تهدف للحد من حرية المرأة وحركتها خوفا من أن تقع فريسة ضعف وهوى أمام رجل آخر.
وأنا لا أعترض أبدا على أصل الفكرة، فالمرأة مثلها مثل الرجل إنسان، وقد تقع كما يقع، وحماية المرأة والرجل من هذه السقطات أمر مهم لأنه حماية لكيان الأسرة التي بني حولها نسيجنا الاجتماعي في العالم العربي، ولكنني ضد الأسلوب طبعا.
بالنسبة لي؛ مثل هذه القوانين والعادات الاجتماعية والقيود التي يبذلها الرجل تشبه حزام العفة الذي فشل في أن يمنع انتشار الخيانات في أوروبا في العصور الوسطى بل صرن الأوروبيات حينها يبحثن عن كل الأفكار التي تجعلهن يتجاوزن حزام العفة دون أن يشعر الزوج بذلك، وصرن يتفاخرن بذلك.
حزام العفة حول الخيانة إلى ممنوع مرغوب وأشعر المرأة بشكل واضح بعدم الثقة بها، وأساليبنا في هذا العصر تشعر المرأة بعدم ثقتنا بها وبالكبت ويتحول الممنوع إلى مرغوب وتصبح هي جاهزة للتحدي بأن تفعل ما تريد دون أن يضعها أحد في دائرة الاتهام.
حماية كيان الأسرة وحماية المرأة والرجل من العلاقات غير الشرعية يحصل إذا اقتنع الطرفان بذلك، إذا تغلغلت هذه القناعة في النفوس وشعرت المرأة كما يشعر بالرجل بأنها مسؤولة عن تطبيق هذه القناعة وتحمل مسؤوليتها وتحمل عواقب مخالفتها.
بهذا فقط يمكن للمرأة العربية أن تصبح إنسانا كاملا له حريته وإرادته وقناعته وثقته بنفسه.
ليس من السهل أن تبنى ثقة إنسان بنفسه، وأن تجعله يعرف ما يريد، وأن تجعله قادرا على اتخاذ القرار الصحيح دائما، والوسيلة الأفضل لذلك هو التعليم الذي يأتي في مراحل التكوين، وأظن أن التعليم في العالم العربي لم يفكر يوما أن يعلم المرأة شيئا من ذلك، بينما تجد في الغرب تطويرا مميزا لمثل هذه المناهج لأن الفتاة وهي في سن المراهقة تجد نفسها تتحمل مسؤولية حريتها وعليها مواجهة العواقب المرتبطة بها.
الثقة بالمرأة لأن تؤدي للانحلال كما يظن البعض، لأن مجتمعاتنا العربية مختلفة عن المجتمعات الغربية، فالأسرة لدينا لها أثرها العميق، ولا تجد الانحلال إلا في حالات انهدام الأسرة، وإذا أردنا أن نعالج المشكلات الاجتماعية فعلينا أن نعلم الأبوين كيفية بناء أسرة متماسكة قائمة على زواج حقيقي بدلا من البحث عن أساليب لردع حركة المرأة وتقييدها.
أستغرب كيف أن الرجال الحكماء نفسهم الذين يعلنون خوفهم على المرأة هم نفسهم من يشرع أنواع الزواج الذي لا يبني علاقات متماسكة داخل الأسرة، ويمهد للطلاق في لحظة البداية، ولكن لهذا حديث آخر.
عفة المرأة تأتي من أعماقها وليس من الأغلال على ساقيها!
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية