دعوة لـ«الاستشراق»!

من قسم منوعات
الجمعة 27 أكتوبر 2006|

من الصعب على العرب أن ينكروا “عقدة الخواجة” لديهم.

حتى لدى أولئك الذين يحملون الغرب مسؤولية مصائبنا، هناك إيمان عميق في نفوس الكثيرين من الناس بأن “الخواجة” لديه ماليس لدينا، متفوق علينا، يستطيع فعل مالا نستطيع فعله، وتدخله في شؤوننا الاقتصادية والعلمية والثقافية هو لصالحنا بالتأكيد.

وبعيدا عن تحليل هذه الظاهرة، فإنه لا عتب على الناس، فالغرب متقدم علينا في مجالات التعليم والإدارة والالتزام الحضاري، يتمتع بثورة معلوماتية هائلة، ورصيد ضخم من الإنجازات على مختلف الأصعدة التي تجعلنا نشعر بالدونية، وهذه ظاهرة سجلها ابن خلدون متحدثا عن شعور الضعيف بتفوق الأقوى بين الأمم.

ولكن الغريب أن عقدة الخواجة لدينا لا تشمل الحضارات الآسيوية، رغم أننا نعرف تفوق اليابان الهائل، وندرك مستقبل الصين كقوة عالمية، وكثير منا مطلع على الإنجاز الكوري والسنغافوري والماليزي والتايواني، إلا أننا لا نأخذ ذلك على ما يبدو بأي شكل من أشكال الجدية.

لا يقتصر هذا التجاهل منا للشرق على شعورنا النفسي، بل يمتد لاهتماماتنا كعرب على الأصعدة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وتجد الدول العربية نادرا ما تهتم بسفيرها في دول الشرق، وهو عادة شخص هامشي لا يزيد عن سفرائها في دول أفريقيا، ودوره في الغالب لا يزيد عن رعاية جهود استيراد البضائع والعمالة ورعاية الشؤون القنصلية.

أما على المستوى الثقافي، فنحن لا تعنينا لغات الشرق على الإطلاق، ولا تعننيا أخبارهم، ولا جوائزهم، ولا مهرجانتهم، وقلما نعبئ بمثقفيهم أو فنانيهم، وهم لايحتلون من وعينا الجماعي أي قيمة ذات شأن رغم الحديث النبوي عن طلب العلم ولو في الصين.

نحن لا نستورد نظريات من الشرق، ولا نحب أساليبهم في الإدارة، ولا أفكارهم الاقتصادية، ولا نظمهم السياسية.

هذا الموقف الثقافي الجماعي غريب جدا عندما نجري مقارنة بسيطة بين الشرق والغرب بالنسبة لنا.

فباستثناء العيون الزرق والشعر الأشقر التي تعتبر ميزة للغربيين في نظرنا بعد أن تربينا على المنتج الهوليودي، نجد أن الغربيين يعاملوننا بشعور هائل من التفوق، بينما هناك تقارب لا بأس به في الشعور بيننا وبين الشرقيين.

دول الشرق مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان وحتى اليابان والصين عاشت تجارب تنموية بدأت بشكل قريب من بداياتنا واستطاعوا أن يصلوا لمراحل ممتازة، مما يجعل تجربتهم مغرية لنا بحق لدراستها وفهمها.

أهل الشرق يعرفوننا ويعرفون رسالة الإسلام التي وصلتهم في القرون الخالية، وهم عموما ليس لديهم حقد تاريخي ضدنا كمسلمين، والاقتراب منهم وبناء علاقات استراتيجية ذات قيمة معهم أسهل بكثير من بناء علاقات مع الغربيين في أوروبا وأمريكا الشمالية.

دول الشرق سيكون لديها استعداد سهل لتعليمنا أسرار التقدم التقني والتطور السياسي والاقتصادي وبيعنا منتجاتهم المتطورة بعكس الغرب الذي يعاملنا بحذر شديد بناء على ضغط عدونا اللدود “اسرائيل”.

لقد فاجأني أن طلاب قسم اللغة اليابانية بأحد كبرى الجامعات السعودية _ رغم قلتهم _ يبحثون عن وظائف، وهذا يشرح لكم عمق الفجوة بيننا وبين الشرق.

إن علاقتنا مع الشرق ستتوثق فقط إذا آمنا بتجربتهم وأهميتها، وآمنا بقيمة الشرقيين وثقافتهم، وإذا بذلنا جهودا على مختلف المجالات الدبلوماسية والثقافية والاقتصادية والعلمية للتقارب معهم، وإذا استطعنا أن نتجاوز عقدة الخواجة الغربي وننظر باهتمام للشعوب المتميزة الأخرى.

نحن في مرحلة حساسة انتصر فيها أعدائنا باستحواذهم على الاهتمام الاستراتيجي الغربي، وصار علينا أن نبحث عن أصدقاء جدد يقدمون لنا ما حرمنا منه الآخرون، وذلك شريطة أن نتجاوز جفائنا القاسي ضد الشعوب الشرقية وثقافتها.

ربما كان خير وسيلة لإقناع البعض بأهمية “طلب العلم في الصين” بأن أستخدم “عقدة الخواجة” نفسها وأشير بأن هناك جهودا غربية ضخمة في أوروبا وأمريكا للتوجه للشرق وكسب قلوب الشرقيين، وليس المقصود هنا شرق علاء الدين وسندباد وابن الرومي، بل شرق “سوني” و”باناسونيك” و”دايو” و”هونداي”، أما انتباه إسرائيل لهذا الشرق قبلنا وتوجههم إليه رغم تعاطف أهل الشرق الأقصى مع الفلسطينيين، والجهود الصهيونية المكثفة نحو الصين واليابان وكوريا فهي ما قد يصبح في المستقبل القريب قصة حزينة أخرى تنضم إلى خسائرنا عبر السنين.

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية