مشروع تجاري ليحقق لنا «نوبل للآداب»

من قسم منوعات
الأربعاء 18 أكتوبر 2006|

تمثل ليلة إعلان جوائز نوبل للآداب ليلة حزينة دائما للعرب، لأنهم يفقدون الجائزة في الأمر الوحيد الذي يمكن لطموحاتهم أن تمتد إليه بين فروع الجائزة العديدة، ولأنهم كانوا يوما من أساطين الأدب في العالم، لكن الأمر قد تغير الآن.

في حوار سابق مع بعض الأصدقاء في الليلة السابقة لإعلان جائزة نوبل للآداب عن الأسماء العربية التي تستحق الفوز بنوبل للآداب، كانت نتيجة النقاش أليمة: لا أحد!!

قد تختلف مع هذه المجموعة وتكون لديك بعض الأسماء المرشحة، حيث يرى البعض أن “أدونيس” أو غيره يستحق الجائزة، وقد تختلف مع مفهوم الجائزة وتقول بأنها “مسيّسة” أو تختلف مع المعايير التي يتبعونها في اختيار أدباء نوبل، ولكنك قد تتفق معنا في فهم واقع أليم نمر به في السنوات الأخيرة: التدفق الأدبي الشعري والنثري في عالمنا العربي ضئيل في الكم والكيف، وكأننا نعيش على ضفاف نهر تدفق لقرون طويلة ثم جف فلا ترى إلا بعض الطين وبعض الماء الذي يبحث عن طريقه هنا وهناك.

اسأل نفسك: لو أردنا أن نعلن عن أمسية رمضانية لأديب أو شاعر _ غير محلي _ يحضرها أكثر من ألف شخص فمن هم المرشحون ليكونوا أبطال الأمسية؟

قائمتك لن تتضمن أكثر من أسماء معدودة جدا، ولو عرضت القائمة على أصدقائك لوجدتهم يختلفون معك تماما، لتكتشف أن الأمر كان مجرد ذائقتك الشعرية التي أحبت ذلك الشخص أو ذاك دون وجود إجماع عليه.

حتى هذه الأسماء التي قد يذكرها البعض، ستجد أنها لأشخاص من الجيل السابق، ممن علاهم الشيب، وممن ازدهر شعرهم قبل عقد أو أكثر من الزمان، والآن بالكاد نسمع قصيدة مميزة تشتهر لهم.

ما القصة بالضبط؟ كيف يمكن أن يتحول النهر الجارف عبر مئات السنين إلى ساقية؟ كيف يمكن للعرب الذين قدسوا بيت الشعر والقصيدة وتناقلوها وكانوا يدخلون على الخلفاء والأمراء فيدهشونهم بشعرهم ويخرجون بالمال مكافأة لهم أن يصبحوا بلا قصيدة؟ ليس ذلك، قبل حوالي خمسين سنة فقط، كان لدينا جيل الرواد الذي أنجب مجموعة من الأدباء والشعراء الذين بهروا العالم العربي وما زالوا يأسرونه بنصوصهم، فما الذي حصل حتى صرنا في زمن بلا رواد؟

هل المسألة فقط أننا “منحوسون” بلا حظ، كتب الله علينا أن نعيش أيامنا بلا شعراء عظام بيننا، أو أننا نعيش في مرحلة تغير زمني بين الأدب القديم والأدب الذي يأتي، أو أن القضية أكبر من ذلك بكثير، وأن ما يحصل هو مؤشر لانحطاط ثقافي عام انشغلنا عن ملاحظته باهتماماتنا المادية اليومية التي صارت شغلنا الشاغل، وباهتماماتنا السياسية والأيديولوجية وبقنواتنا التلفزيونية التي صارت جزءا من حياة معظم “الجادين” في عالمنا العربي اليوم؟

إنني شخصيا أؤمن أننا نعيش مرحلة تحول بين زمن قديم وزمن جديد مختلف، والأحداث الإقليمية المتسارعة تؤكد أن هذا التحول يحصل، وهذا ترك أثره على كل إنتاج عميق نخبوي وإبداعي في العالم العربي وجعل القطار يتوقف بحثا عن السكة، ولكن في نفس الوقت ما لم تبذل الجهود الجبارة لضخ الماء في ساقية الأدب فقد تجف الساقية تماما وتصبح أثرا بعد عين، وبالمقابل لو بذلنا تلك الجهود فقد نستعيد النهر الأدبي العربي العظيم الذي نقرأ عنه في كتب التاريخ!!

قلت لصديقي: لماذا لم نعد نسمع بنصوص عربية عظيمة؟

فأجابني: ربما كانت النصوص العظيمة موجودة، ولكن أحدا لا يتحدث عنها ولذلك لا نسمع بها.

هذا يعني أن الجهود قد تفتح النوافذ من جديد لذلك الإبداع المستتر الذي يتحدث عنه صديقي الصحفي، وتتحول أمسياتنا لسماء صافية يزينها نجوم الأدب وأقمار الشعر.

بهذه المناسبة، وبما أن الموضة اليوم هي مشاريع “البزنس”، دعوني أقترح تأسيس “الأدب كافيه” على وزن الإنترنت كافيه، بحيث تقيم هذه المقاهي أمسيات أدبية يومية مفتوحة للجميع، يحضرها الشعراء والأدباء فيجيدوا بما لديهم، ويشرب الجميع ما لذ وطاب من القهوة ومعها الحلويات والمعجنات، فيستفيد صاحب الكافيه، وفي نفس الوقت يكون راعيا لجزء من جهود “إحياء الأدب العربي”، ويعود النص الأدبي لحياتنا اليومية.

عندما تكثر هذه المقاهي، يمكن تنسيق مهرجانات بينها، ويأتي الرعاة الذي يريدون أيضا دعم بعض الأنشطة ويصبحون جزءا من حركة إحياء الأدب العربي.

البعض قد يقول بأن علينا في حال تنفيذ الفكرة أن نعاني لسنين من النصوص الأدبية الرديئة التي تجلب النعاس أو تثير الغيظ في العروق، ورغم موافقتي الكلية على هذا، فإن المثير والجذاب في النصوص الرديئة أنها ستفتح بابا لتدريب عضلات النقاد الأدبيين الجدد الذين يريدون تكوين أسماء على هياكل صغار الأدباء، وسيكون الاستماع لمناقشات النقاد وحروبهم أمرا ممتعا، ومن يدري فقد يهتم بها الإعلاميون ويكتبون عنها في الصحف، وتنشغل بها منتديات الإنترنت وتشتعل جذوة الأدب من جديد في عروقنا.

أعرف أن الفكرة تجمع بين الجد والهزل، ولكنها ستتحقق بشكلها النهائي لو عادت لنا فقط حاستنا المفقودة من عشق الإبداع والكلمة الجميلة والصورة الجديدة، وعادت أحاسيسنا الرومانسية إلى أرواحنا من جديد، وفي رأيي هذا هو بيت القصيد في المشكلة كلها!!

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية