«التنازلات».. أمر مطلوب شرعا أحيانا!

من قسم منوعات
الأحد 19 نوفمبر 2006|

وضع العرب والمسلين الحالي معروف لكل الناس.

نحن نعاني من التخلف والضعف وكوننا في آخر القائمة دائما، كما أننا نعاني بالإضافة إلى ذلك لصورة سلبية حادة تظهر المسلمين على أنهم “إرهابيون” أو مؤيدون للإرهاب وأحيانا “همج”، وساهم بعضنا في تأكيد هذه الصورة التي بدأ أعدائنا في رسم ملامحها من خلال تفجيرات 11 سبتمبر وما جاء بعدها.

معالجة هذا الوضع القاتم يحتاج للكثير من الحنكة والسياسة والإعلام العالمي، ويحتاج لتغييرات داخلية تتوافق مع متطلبات العولمة واحتياجات تحسين الصورة الذاتية.

هذه الحاجة وجهت بالرفض على المستوى الشعبي على أساس أنها تقديم “تنازلات” ثقافية من أجل عيون الغرب والشرق.

إنني أعتقد بجزم أننا نحتاج لإيجاد فقه إسلامي ورؤية شرعية جديدة تجعلنا نعيش بحساسية عالية لما يقال عنا، ونبادر للتخلص من بعض سلوكياتنا أو حتى تعديل بعض الاجتهادات الفقهية حتى نحمي صورتنا الذهنية العالمية وندعمها.

في الحديث النبوي الشريف والصحيح، عندما أراد الصحابة من الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يقتل عبدالله بن أبي بن سلول، لأنه قال في غزوة بني المصطلق: ” أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل”، حينها قال عمر “يا رسول الله: دعني أضرب عنق هذا المنافق”، وحينها أجابه الرسول عليه الصلاة والسلام: ” دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه”.

لقد تنازل الرسول صلى الله عليه وسلم، عن تطبيق حكم الردة باعتبار أن ماقاله بن سلول حسب رأي الفقهاء كفر، حتى لا يترك هذا أثرا سلبيا بين الناس، وكان الرسول واضحا في الحديث بالتأكيد على تجنبه لأحاديث الناس، وهؤلاء الناس هم بالتأكيد أيضا من غير المسلمين والذين يعيشون في أطراف الجزيرة العربية.

يقول ابن تيمية في ذلك: “إن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يكف عن قتل المنافقين مع كونه مصلحة لئلا يكون ذريعة إلى قول الناس إن محمدا صلى الله عليه وسلم، يقتل أصحابه لأن هذا القول يوجب النفور عن الإسلام ممن دخل فيه، وممن لم يدخل فيه، وتنفيرهم هكذا حرام”.

وفي أصول الفقه، بأن النهي عن المنكر لا يجوز إذا أدى لمنكر أكبر منه، وهذا متوافق مع قاعدة “دفع أشد الضررين”، كما تقول الآية القرآنية الكريمة: “وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ”.

هذه كلها نصوص تؤكد على قضية أساسية وهي أن الشريعة الإسلامية تطالب بدراسة رد فعل الطرف “الآخر” عند القيام ضده بأي سلوك، وإذا كانت الآثار سلبية، بما في ذلك التنفير من دخول الإسلام، فإن الأصل هو الامتناع عن الأمر.

نحن اليوم نعيش في “قرية صغيرة” بسبب العولمة، تنطق بالشيء هنا، فيسمعه العالم كله بلا استثناء، ويمكن للعالم كله أن يبادر بردة فعل نحوه. لما تحدث أستاذ جامعة سعودي في قناة محلية بأن إعصار تسونامي هو عقوبة لغير المسلمين، جاءت ردة الفعل من قناة أمريكية، وصار العالم كله يتحدث بما قال.

صرنا نحتاج للتمهل وفهم العالم من حولنا حتى نطبق الشريعة الإسلامية، فلا نبادر بالأفعال التي نراها شرعية ومقبولة ضمن الإطار الإسلامي، ولكنها تحدث ردا سلبيا عنيفا من حولنا.

وماذا عن أمر مثل قيادة المرأة للسيارة أو حكم الردة أو منع السينما أو هدم الآثار أو مقاطعة المنتجات الدنماركية أو غيرها من القضايا التي تتخذ كنقاط ارتكاز لأي حملة سلبية ضد المملكة العربية السعودية وضد الإسلام؟

هذا السؤال هو مثال فقط لما ينبغي أن يجيب عليه الفقه الجديد الذي يأخذ بالاعتبار أنه من المفروض أن نتنازل عن بعض الأمور الاجتهادية وذلك بغرض تحسين صورتنا الذهنية العامة.

نحن شعوب ضعيفة، نقف في آخر القطار، ومطلوب منا الكثير لنبذله حتى يلتفت العالم باحترام لنا، ولو كانت قراءتي للنصوص أعلاه صحيحة، فإننا نحتاج لوعي مختلف عندما نصدر الآراء الشرعية ونعلنها للعالم.

قال لي شخص أخبرته بهذه القضية الشرعية الهامة: ولماذا يجب علينا أن نبالي بكل من هب ودب ونضحي بديننا وقيمنا من أجلهم؟ قلت له: أنا أتحدث فقط عن بعض القضايا الاجتهادية التي يمكن التنازل عنها وتعويض آثارها بطرق أخرى، وصرت أسرد له ما يمكن أن يحققه المسلمون دينا ودنيا لو كانت سمعتهم جيدة حول العالم.

قلت له أيضا: لو كان هذا الأمر غير مهم فلماذا امتنع الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين رغم خيانتهم للمسلمين ورغم قوة المسلمين حينذاك؟ أليس فقط لحماية الصورة الذهنية في المحيط الجغرافي حوله، والذي أصبح اليوم بفضل ثورة الاتصالات العالم كله بلا استثناء.

إنها الحكمة التي امتلكها المسلمون الأوائل وفقدها بعض “الإسلاميين” فأثروا في الرأي الشعبي المسيس ودفعنا جميعنا الثمن!

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية