يمثل العيد نافذتنا على الفرح، ففي حياة مليئة بالعمل والجري وراء لقمة العيش والضغوط النفسية المتعددة، يصبح العيد فرصتنا لنتوقف عن البحث عن المادة وعن النجاح ونعود إلى أنفسنا، ولنضحك كالأطفال ببراءة بعيدا عن الهموم تماما كما كنا نضحك ونحن صغار عندما نحصل على “العيدية” وملابس العيد..
العيد هذا العام عيد تاريخي لأنه يأتي في فترة زمنية لالتقاء المناسبات السعيدة، عيد الإضحى المبارك، وعيد رأس السنة، وعيد الكريسماس، ثم “عيد الطلاب” الذين يأخذون فرصتهم الذهبية مع انتهاء الفصل الدراسي الأول.
وإذا كان لكل مناسبة جمهورها، فإن اجتماع كل فئات الجمهور على الفرح في نفس الفترة أمر مثير للكثير من البهجة في قلوب الناس.
لكن هناك عوائق تقف دائما في وجه الفرح.
هناك عوائق الشعور بمأساة الآخرين ممن نحب ونتابع أخبارهم في دول أخرى والذين يأتي العيد وهم في عمق الأزمات، حيث لا يختطفهم من كماشة الفقر والمعاناة إلا كماشة الموت التي تأتي بلا استئذان.
هناك عوائق الشعور بمشكلاتنا، ولو سألت أي شخص ستجد أنه يشعر بأن مشكلاته تزيد ولا تنقص، وهناك شعورنا بالوحدة والإرهاق والحيرة، وهي مشاعر عامة وليست خاصة حتى لو تفاوتت درجاتها من شخص إلى آخر.
سألني صديق “كيف أفرح والهموم تحيط بي؟” ولما سألته عن تلك الهموم ذكر لي الأقساط ومشاكله مع زوجته وعدم الاستقرار في عمله والمال الذي خسره في سوق الأسهم، وغير ذلك.
قلت له: الفرح حالة وجدانية عميقة تستطيع أن تمتلكها رغم كل الهموم.
لو نظرت لنفسك على أنك مركز الكون ورأيت كل هذه المشكلات مجرد سهام متوجهة إليك وأنت تصدها يمنة ويسره بالغلاف الحديدي الذي صنعته حولك، وغرقت في رومانسيتك الخاصة وجعلت قلبك يشعر بالانتعاش لشعرت بالفرح.
قال لي: هذا شعور “نرجسي” لا أريد فعله لأن هذا سيمنعني من الشعور بمشكلات الآخرين وسيجعلني أنانيا ولا أتعامل مع الأمور بواقعية.
قلت له: لن تصل يوما لهذا الشعور لأنه شعور غير إنساني، ولكن المقصود أن تسعى دائما للفصل بين بهجة القلب وفرح الفؤاد وبين المشكلات، وأن تتعامل مع المشكلات على أنها أشواك على طريق تمضي فيه بينما ترقص وتغني، وكلما صادفتك شوكة نزعتها ثم استمررت في المضي.
لكنني أعترف.. تحقيق هذا الأمر ليس بالسهل، لأنه يحتاج قدرة روحانية عالية على النظر إلى المشكلات وكأنه شيء خارج عنك، وأن تحصن روحك ضد التأثر النفسي السلبي وأن تسعى لأن تكون فوق الواقع.
لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله..
إن أسوأ الأمور أن يكون لدينا الكثير ولا نفرح به بسبب القليل الذي لا نملكه، وأكبر فشل هو أن نجعل بعض الفشل في حياتنا يدمر سعادتنا بالنجاحات الكبرى التي نحققها كل يوم.
إن أرواحنا سهل أن تتعب وترهق وعلينا في كل لحظة أن نفكر في حماية هذه الأرواح الهشة من الحزن.
الفرح محله القلب، والقلب تحميه صدورنا العاشقة للحياة..
كل عام وأنتم بخير
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية