يتبادر دائما للذهن سؤال جوهري عميق عن العلاقة بين الرجل والمرأة ووجوه الشبه بينهما ووجوه الاختلاف في مجتمع ما، وهذا السؤال يبدو مهما الآن لأن هذه العلاقة أصبحت مطروحة للكثير من النقاش في السنوات الأخيرة في مجتمعاتنا.
يسود شعور لدى الكثيرين بأن الإجابة التي قدمت لهذا السؤال في السابق عبر فهم معين للتراث الإسلامي وتم تطبيقها خلال السنوات الماضية أفرزت كثيرا من المشكلات، وأهم هذه المشكلات في رأيي هي أن “قوامة” الزوج على زوجته وولاية الأب أو من ينوبه على ابنته استغلت بشكل سلبي من بعض الرجال الذين سلطوا ظلمهم على النساء، كما جعلت النساء يشعرن بالانتقاص لكرامتهن، مع شكوى الكثير منهن أن تحقيق السيادة للرجال حرمت الكثير من النساء من الاستفادة من طاقاتهن والانطلاق في عالم العمل والإبداع، وتحقيق ذاتهن.
وبقدر ما يبدو السؤال جوهريا، إلا أننا لا نجد رؤية متكاملة تحاول تقديم إطار للجواب على هذا السؤال وكل جزئياته، إنما ما نراه هو مجرد ردود أفعال ومناقشة لحالات معينة وتطبيقات خاصة.
إن عدم وجود رؤية متكاملة معناه أننا سنجتهد كمجتمع في التعامل مع كل موقف على حدة ثم نقف لنتفرج بعد أعوام على نتيجة هذه الرؤية بشكلها الإجمالي.
وجود الرؤية المتكاملة _ من ناحية أخرى _ يساعدنا على إيجاد أرضية للنقاش، وإيجاد مبادئ نتناقش فيها وعلى أساسها نتناول التطبيقات الحياتية التي تتغير مع تغير الزمن.
الرؤية المتكاملة يجب أن تجيب على أسئلة جوهرية عديدة حول المرأة منها:
- هل الرجل فعلا مخلوق مختلف عن المرأة، وبالتالي فإن علينا أن نختار نمط حياة خاص ومتناسب مع الصفات الخاصة بكل منهما؟ وإذا كان الأمر كذلك فمن يحدد للمرأة نمط حياتها الذي تختاره، الرجل الذي بالكاد يفهمها أو المرأة؟ وإذا تناقضت احتياجات النساء ورغباتهن مع احتياجات الرجل فماذا نفعل؟
- ما هو مفهوم “قوامة” الرجل على المرأة؟ وما هي الإجراءات القانونية والاجتماعية والدينية التي تتخذ في حالة إساءة الرجل لحق القوامة أو الولاية على من في بيته؟ وما هي الحالات التي يعتبر فيها تصرف الرجل إساءة، حتى لو ادعى الرجل أنه تصرف من منطلق حفاظه على مصلحة أهله؟
- إلى أي حد نعتبر الرجال “شقائق” النساء، حسب المفهوم القرآني الذي يؤكد على تساوي الرجال والنساء إلا بما فضل بعضهم على بعض؟ هل يفترض أن تمضي الحياة على أساس المساواة الكاملة بين النساء والرجال قدر الإمكان، وفي حالات عدم إمكان ذلك، يتم العمل على إيجاد أفضل وضع للطرفين؟ هل هذا ممكن في مجتمع إسلامي محافظ؟
- هل نأخذ بنظرية أن “النساء” هي فئة ضعيفة مضطهدة في المجتمع، وأن على صناع القرار وقادة الرأي في المجتمع أن يعملوا كل ممكن لحماية هذه الفئة من ظلم الرجال الجائرين الذين يفرضون قوتهم كلما سنحت لهم الفرصة؟ أم أن الأمر فيه مبالغة غير صحيحة؟
- إذا تناقضت مصلحة الرجل مع مصلحة المرأة، كما هو الشأن في قضايا رعاية المنزل، هل نستمع لصوت الرجل، على أساس أنه رب الأسرة وحاميها، أو نستمع لصوت المرأة، على أساس أن الجزء الثاني من المجتمع هم الرجال الذين ينبغي لهم مراعاة المرأة وليس حصارها؟
- هل العمل حق للمرأة يجب علينا السعي لتوفيره، أم أن الأولوية للرجال بحكم أنهم هم من ينفق على الأسرة، ثم تأتي المرأة في حال العجز عن الاستفادة من الرجال على أساس أن حاجة النساء للعمل في أغلب الأحيان محدودة؟
- وكيف يتعامل المجتمع مع العزاب والعازبات ممن لم يكتب لهم الزواج أو تخلوا عن مؤسسة الزواج؟ هل لهم وضع خاص، أم هم في حالة استثنائية حتى يتوفر لهم الحظ بالزواج؟
- ومن الناحية الإسلامية، هل يلغى الرأي الفقهي المتنوع الذي يعطي مساحة للإنسان للاختيار كما في قضية كشف الوجه والاختلاط في حال وجد رأي فقهي يرجح حالة معينة أم أن اختلاف المذاهب هو مساحة حركة ينبغي ألا تقترب منها الفتوى؟
- وأخيرا، هل كان المجتمع الإسلامي القديم في العصور السالفة يشبه مجتمعنا من حيث العلاقة بين الرجل والمرأة؟ أم أن قصص كتب التراث توحي بوضع فيه الكثير من التواصل بين الرجال والنساء في المدينة الواحدة؟
هذه أمثلة للأسئلة التي ينبغي أن تطرحها أي رؤية متكاملة حول المرأة، وأنا لا أدعي أن المجتمع سيتفق على إجابة واحدة لكل الأسئلة، ولكن توفر الرؤية يجعلنا نتصور وضع المجتمع عند تطبيق هذه الرؤية، وحينها يصبح النقاش ذي أرضية محددة.
هذه مجرد أسئلة وأنا أدرك حساسية القضايا التي تتناولها في المجتمعات المحافظة، وقد كتبتها بهذا الشكل حتى يدرك المتأمل أن قضية المرأة تنطوي على ملفات ساخنة إلى حد.. الانفجار!!
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية