“التدخين مضر بالصحة ويسبب لك سرطان الرئة والأمعاء والإمساك وقصر النظر”
قد تجد هذه العبارة المتذاكية أو شبيهاتها على علب التدخين، والتي تزينت بأحلى زينتها حتى تمارس الإغراء على الشاب المسكين الذي يبدأ “النيكوتين يلعب في عبه” وينطلق نحوها صارخا مستبشرا ليجد هذه العبارة الصغيرة والتي لا تهدف إلا لمنع العين عن علب التدخين فائقة الجمال.
على العكس تماما، هذه العبارة تشعر المدخن بالكثير من المعاني الجميلة، فهو يشعر بالقوة لأنه غير حريص على الحياة، والحياة أصلا كلها حزن وآلام وإحباطات فلا بأس بالتخلي عن بعض سنين العمر، وهو يشعر بالتحدي، ولأنه فشل بالأمس في تحدي مديره في العمل ومديرته في البيت، فلا بأس أن يتحدى السيجارة رغم جبروت السجائر وطغيانها وقدرتها على إلحاق أقسى العقوبات والأمراض.
هذا طبعا إذا صدق العبارة، فمن يصدق هذه الهيئات الصحية التي تكتب هذا الكلام، ومدرائها أكبر من يدخن، وهم بالتأكيد يفعلون ذلك للحصول على المزيد من المال من شركات التدخين المسكينة التي يجب عليها وضع هذا اللاصق على كل علبة، وتخيل عدد العلب وعدد الملصقات وكم يدخل على جماعة الصحة من فلوس..
ثم حتى لو صدق العبارة فهذا الشيء الذي يتحدثون عنه سيحصل بعد عمر الستين أي بعد أكثر من 30 سنة لأي شخص _ حتى لو كان عمره 59! _ وبالتالي فهو أمر بعيد المنال، والمدخن قد قرر منذ زمن بعيد أنه سيتوب ويعمل صالحا ويأكل أكل غذائي ويتوقف عن التدخين ويمارس الرياضة ويهتم بفرشاة الأسنان خلال السنوات العشر القادمة، أي قبل أن تستطيع السيجارة تحقيق مرادها الخبيث.
لقد فشلت عبارة التحذير لأنها تتحدث عن النتائج طويلة المدى وهذا تحذير في منتهى الغباء وخاصة بالنسبة للعرب المعروفين بأنهم لا يبدؤون بالحجز لإجازاتهم إلا قبل أسبوع من السفر، فكيف بالتخطيط لصحتهم قبل 30 سنة.
في اعتقادي أن عبارة التحذير الصحيحة التي تتناسب مع العرب تتعلق بالحافز المرتبط بالتدخين، لأن هذا الحافز في منتهى السخف في معظم الأحيان.
تخيل لو كانت عبارة التحذير مكتوبة بخط أكبر قليلا حتى يمكن قراءته بدون مجهر ويقول:
“انتبه أنت مقبل على التدخين لأنك فاشل في الحياة وغير قادر على إدارة أمورك”
“أنت مقبل على التدخين لأنك تريد أن تنافق لأصدقائك”
“التدخين لن يساعدك على خروجك من أمراضك النفسية ويفضل مراجعة الطبيب فورا”
“لا بأس أن تدخن ما دمت غير قادر على تحقيق أي شيء”
في استراليا، أضافوا للعبارة الصغيرة صورة لشخص أصفر اللون مريض الرئة، حالته مثيرة للشفقة والحزن، وحسب دراساتهم العلمية فقد أثبتت هذه الصور فعاليتها في ردع المزيد من الناس عن التدخين.
هناك طبعا أشخاص لا يهمهم شيء، مقرين بفشلهم في الحياة، ويحتفلون بأنهم متمردون بلا إنجازات ولا تاريخ ولا أحساسيس.
لهؤلاء لابد من إنتاج علب خاصة مكتوب عليها:
“التدخين مفيد للصحة، ويمنحك الكثير من النجاح في الحياة”
لا شك أن هذه العبارة ستجعلهم يرتعبون ويقلعون عن التدخين فورا ويبدؤون البحث عن عادة مضرة حقيقية.
حتى يأتي ذلك اليوم التاريخي وتغير الهيئات الصحية عباراتها القديمة التي دخن عليها الزمن وشرب، أقترح نزع عبارات التحذير الحالية وأن يتم جعل السيجارة حمراء حتى تكون أكثر إغراء!!
* نشر في مجلة عالم الغذاء السعودية