المصريون لا يحبون مصر!!

من قسم منوعات
السبت 13 أغسطس 2005|

مصر هي “أم الدنيا”، وزيارة مصر تعني الالتحام مع قرون من التاريخ والثقافة، ومعناها أن تمتزج مع الأرض التي صاغت القرن العشرين عربيا على صعيد الأدب والفن والثقافة والإعلام والدراما والنظم الإدارية وعاداتنا اليومية، سواء قبلتها أم رفضتها.

نهر النيل يمشي فارضا سلطانه، يعلن عمقه التاريخي وكبريائه، وكأنه يعبر عن مصر وكبريائها.

مصر من أكثر الدول العربية تأهيلا لبناء سياحة لو أعدت لذلك بشكل صحيح، لأنها تملك من التنوع ما يجد فيه كل سائح بغيته.

مصر أيضا من أكثر الدول العربية التي استحوذت على قلوب أبنائها، وهذا في رأيي شأن كل الدول الكبيرة جغرافيا حيث يجد فيها أهلها الاكتفاء الذاتي بينما تجد أبناء الدول الصغيرة دائما أكثر انفتاحا وتقبلا لما هو خارج الحدود، ولكن هذا الحب العاطفي الذي يملكه المصريون لبلدهم وهذا الارتباط بالنيل لا يكفي لإثبات حبهم لبلدهم!!

حيثما مشى السائح في مصر، ومنذ لحظة هبوطه في مطار القاهرة أو الاسكندرية، وهو يقابل أعدادا هائلة من الناس التي تحاول أن تستغله وتضايقه حتى لو كان المحصول النهائي لهذا الجهد السلبي مجرد جنيه أو جنيهين.

حتى عندما تسعى لترتيب مشروع من أي نوع في مصر، تجد أعدادا غفيرة من الذين تتعامل معهم يحاول أن يستغلك على المدى القصير على نظام “اضرب واهرب”، وهذا أمر انتشرت أخباره في الآفاق، وآثاره ولا شك سلبية على أم الدنيا من الناحية السياحية والتجارية معا.

هؤلاء جميعا في رأيي لا يحبون مصر، لأنهم يفضلون رغباتهم الشخصية المحدودة على سمعة بلدهم، لا يعنيهم أبدا إذا كان الناس سيحملون صورا سلبية عن مصر، لأن ما يهمهم أكثر هو الجنيه الذي سيحصلون عليه، ولا يهمهم إذا كانوا سيشوهون سمعة ملايين المصريين الرائعين الذين يحملون في قلوبهم طيبة متدفقة كتدفق النيل وكرما لا يجاريه أحد.

ولكن هذا ليس خاصا بالمصريين، أينما ذهبت في أنحاء العالم العربي، تجد نسبة لا بأس بها من المواطنين الذين لا يحبون بلدهم، ولا يبالون بسمعتها، ويفضلون مصالحهم عليها.

في كل المطارات العربية يستقبلك موظف الجمارك بوجه متجهم وهو يعرف أنك قادم من رحلة طويلة وتبني الانطباعات عن بلده، لا يبالي إذا تركك تنتظر طويلا حتى يضحك هو مع زميله أو يتحدث على الجوال، لأنه ببساطة لا يحب بلده.

بينما كنت مرة على طريق سفر في أمريكا جاءت نادلة في مطعم في القرية النائية التي توقفت عنها تسألني عن الشرق الأوسط بتفصيل.

استغربت، لأن الأمريكيين عادة شديدي الجهل بعالمنا القديم، وسألتها فقالت لي أنها سمعت نقدا بأن الأمريكيين لا يفهمون في الشؤون الخارجية، فقررت أن تقوم بدورها في علاج المشكلة من خلال تعليم نفسها عن منطقة العالم العربي.

هذه النادلة الشابة تحب بلدها لأنها قررت أن ترفع رأس بلدها بأي شيء بسيط تستطيع عمله، وهذا هو المفهوم الحقيقي لحب الوطن.

في عالم تتنافس فيه كل الأمم لتحقيق الإنجازات، الذين يحبون وطنهم هم الذين يحققون الإنجازات لوطنهم، هم الذين يهتمون حتى النخاع بأن يكون لبلادهم سمعة جميلة، هم الذين يحملون علم بلادهم عند كل إنجاز معلنين النصر للوطن الذي يحبون ويعشقون.

السياح الخليجيون الذين يسيئون لسمعة بلادهم في الخارج سواء في أوروبا أو آسيا أو البلاد العربية الأخرى بتصرفات لا حاجة لها على الإطلاق لم يدرسوا يوما في أي مادة تربية وطنية بأن سمعة الوطن هي جزء من حبك للوطن، وأنك حين تتصرف بشكل جميل وتعلن معها هويتك، فأنت بذلك تقدم نقطة تقدم إضافية لصالح وطنك.

عشق الوطن ليس مجرد عواطف، وليس مجرد فهم لتاريخه وتمسك بلهجته ولباسه التقليدي، بل هو تطبيق عملي يقوم على محاولة رفع اسم الوطن عاليا خفاقا في كل محفل مهما كان الثمن.

حب الوطن يتم عندما يعمل أبناء الوطن ليل نهار ليرتبط اسم بلادهم بالإنجاز، أو كما يقول الأمريكيون لأن “أمريكا يجب أن تكون دائما رقم واحد”.

كم من العرب يؤمن أن بلاده يجب أن تكون رقم واحد؟

قليلون، لأن أحدا لم ينفخ فيهم روح الوطنية العملية التي تقوم على العمل وليس مجرد ترديد الأناشيد والعبارات الإنشائية.

لقد اخترت المصريين في مقدمة المقالة رغم أنها حالة عربية عامة لأنهم أكثر من عرف بالحب العاطفي لوطنه، ولأن كل الناس يحبون مصر، ولأن كل زوار مصر وأنا منهم عانوا من أولئك الذين لا يحبون مصر.

تحياتي لآلاف الأسر العربية التي تذهب لأوروبا وترى منها جهدا إضافيا حتى تظهر بلدها بسمعة حسنة، وتحياتي الحارة لكل الذين يعشقون وطنهم ويبذلون كل جهد ليكون “رقم واحد”، وصورة مع التحية لوزراء التعليم ولمعدي مناهج “التربية الوطنية”!!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية