تحريم «الخمر» وحده لا يعالج المشكلة!!

من قسم منوعات
الجمعة 19 أغسطس 2005|

لا يخفى على أحد أن الخمور تنتشر في العالم العربي بشكل واسع، رغم وجود قوانين في معظم هذه الدول التي تمنع الخمور كليا “كما هو الحال في المملكة” أو جزئيا من خلال وضع قيود على تداول الخمور والمتاجرة بها.

الخمور منتشرة لأنها من أصعب ما يمكن بذل الرقابة عليه ومنعه، فهي سهلة التصنيع، عالية الأرباح، يسهل تداولها مع وجود جاذبية عالية لتناول الخمور في أوساط واسعة من الناس.

هذه التجربة ليست خاصة بالعالم العربي، بل كان منع الخمور أمرا فاشلا في عدد من الدول الآسيوية والدول الإسلامية التي حاولت ذلك، وهناك طبعا التجربة الأمريكية الشهيرة التي امتدت لمدة 14 عاما “1919-1933″، والتي منعت فيها الكحول تماما في كل أنحاء أمريكا، وبذلت جهود ضخمة لمنع تهريبه وتداوله، ثم ألغي هذا القانون بعد فشل تلك الجهود.

هنا في السعودية، تكشف أخبار النجاحات الأمنية في ملاحقة البيوت التي تصنع فيها الخمور عن وجود هذه الظاهرة، وليس سرا أن بعض المواطنين والمقيمين في السعودية يحصلون على الخمور من هذه البيوت، بالإضافة للكثيرين الذين يسافرون للدول المجاورة لتعاطي الكحول.

التحريم القانوني لا يحل مشكلة الخمور على الإطلاق، ولا بد من وسائل أخرى للحل، والواقع الحالي لدينا واقع غير صحي، فإدمان الخمور قضية لا تناقش ولا يتناولها أحد، وكأنها غير موجودة، وهذا معناه أن الظاهرة قد تنمو وتكبر في الخفاء بينما الكل يبتسم وكأن شيئا لم يحدث، حتى يتسع الخرق على الراقع ويصبح انتشار الإدمان واقعا أليما، لا سمح الله.

لقد خاضت المملكة تجربة مميزة في التعامل مع المخدرات، وهي مشكلة أكبر من الخمور، من حيث الاعتراف بوجودها، وبذل جهود التوعية الضخمة لمعالجتها بدءا من المدارس وانتهاء بلوحات الطرق، بالإضافة لإيجاد المستشفيات التي تعالج مدمني المخدرات بعيدا عن الملاحقة القانونية.

وأعتقد ببساطة أن كثيرا من المشكلات “السرية” في مجتمعنا تستحق نفس الطريقة من التعامل، بحيث لا يقتصر حل المشكلة على التحريم القانوني والديني والرفض الاجتماعي لها، بل يتجاوز ذلك إلى الاعتراف بالمشكلة ومحاولة إيجاد حلول لها تبدأ من التوعية إلى المعالجة إلى الدعم النفسي والاجتماعي وإيجاد دور إيجابي للمدرسة والأهل، وواحد من هذه المشكلات السرية على ما يبدو هي إدمان الخمور.

ليس هناك إحصاءات _ حسب علمي _ حول ظاهرة إدمان الخمور في المملكة، وسمعت ببعض الأرقام المرتبطة بدراسة تمت على طلبة المدارس ولكن تلك الدراسة ركزت فقط على من جرب الخمور أو الحشيش لمرة واحدة ولم تتناول ظاهرة التعاطي المستمر أو “الإدمان” بشكل واضح.

إن إيجاد هذه الإحصاءات أساسي لمعرفة حجم المشكلة ومن ثم التحرك لمعالجتها على مختلف المستويات في المجتمع.

ولربما كانت العيادات المتخصصة في معالجة إدمان الخمور هي واحدة من أهم متطلبات التحرك لمعالجة المشكلة، بحيث تكون بعيدة تماما عن المسائلة القانونية، كما هو حال مستشفيات الأمل، وخاصة أن الإدمان في العالم العربي له أبعاده الصحية الخطيرة بسبب كون الكثير من الخمور مصنعة منزليا وبشكل رديء تزيد من آثارها السلبية على الدماغ “علما أن تصنيع وبيع هذه الأنواع الرديئة من الخمور يعتبر جريمة في كثير من الدول الغربية بما فيها أمريكا”.

بعض الناس يسافرون للخارج، ويتناولون الخمور بشراهة، ثم يعودون وتتغير سلوكياتهم وتؤثر على قدراتهم الفسيولوجية بدون أن يشعروا، وهؤلاء أيضا بحاجة للفحص والعلاج لو لزم الأمر.

هناك أيضا التوعية الإعلامية والمدرسية، والتي لا تركز فقط على كون الخمور محرمة قانونيا ودينيا فقط، لأن هذا بالنسبة لبعض المراهقين والشباب يزيد جاذبية الخمور بحكم أن “كل ممنوع مرغوب”، بل تركز بشكل كبير على الآثار الصحية والاجتماعية والنفسية للوقوع في مثل هذه العادات السيئة، وتشرح طرق العلاج، وتعلم تمارين يبذلها المراهق نفسيا مع نفسه ليقوي قدرته على مقاومة هذه العادات وإغراء الأصدقاء ويزيد ثقته في نفسه ويحدد أهدافه، وهي مهارات يحتاجها الكثير من المراهقين وغائبة تماما عن مناهجنا التعليمية بكل أسف.

إن التركيز على المراهقين في قضايا الحملات التوعوية الخاصة بالخمور ليس عيبا، لأن المراهق عادة هو أقل فئات المجتمع قدرة على مقاومة العادات السيئة وخاصة مع الحاجة النفسية الجارفة لإثبات الذات أمام الأصدقاء وأمام النفس، وإذا لم يتيسر للمراهق إيجاد طرق إيجابية لإثبات الذات لجأ للعادات “التدميرية” المتطرفة ومنها طبعا تناول الخمور، ولذا تجد في معظم دول العالم منع متشدد لبيع الخمور أو تداولها بالنسبة لمن هم أقل من 21 سنة بسبب هذه المشكلات.

أمر آخر هام وهو إيجاد القوانين التي تحمي الزوجة والأطفال من إيذاء الزوج في حال إدمانه للخمور، ورغم أن المحاكم في المملكة لديها مثل هذه الإجراءات، إلا أن إيجادها بشكل رسمي معلن والتوعية بها يساهم في تحذير الرجال من الإدمان، ويساعد النساء على معرفة حقوقهن في حال تعرضهن لمثل هذه الإيذاء، ولعل أحدا لا يخفى عليه أن مثل هذه القصص تتكرر بشكل يومي، والمرأة تقف فيها ضحية سفر زوجها للخارج وعاداته السيئة في التبذير ودخوله في حالات سكر يقوم خلالها بإيذاء زوجته،  دون أن تتمكن من فعل شيء.

لقد كانت الاتحادات النسائية هي التي قامت بحملة مكثفة عبر أكثر من 30 عاما في أمريكا لتصل بعدها في عام 1919 لقرار منع الخمور الكامل _ بما في ذلك الخمور التي تحمل نسبة بسيطة جدا من الكحول _ لأن الأسر هي أكثر من يعاني من المدمن وعاداته.

في النهاية هناك الكثير من المشكلات والكثير من الحلول التي لا تخفى على المختصين، وليس من الصعب إيجاد الخطط لمعالجة المشكلة، فقط إذا اعترفنا بوجودها، واعترفنا أن التحريم القانوني لا يحل وحده المشكلة!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية