نقتل الأعداء.. ولكن من هم؟

من قسم منوعات
السبت 17 سبتمبر 2005|

أظن أن جميع الناس يراقبون ما يحدث في العراق باهتمام بالغ، وكثير منهم، على الأقل من يملك في قلبه بعض المشاعر الإنسانية، يشعر بالأسف الشديد لمقتل الأبرياء الذي يحصل كل يوم، والكثيرون الذين يعيشون خارج العراق يشعرون أيضا بالحيرة، فهناك شيء كما يبدو غير مفهوم، ما الذي يجعل شخصا يفجر نفسه في مجموعة من الناس العاديين باسم “المقاومة”.

المهتمون بالشأن العراقي يعرفون أيضا أن التطورات الأخيرة والتي جعلت الشيعة في العراق جزءا من المقاومة قد يفجر الأمور بشكل طائفي ضخم غير معهود، وهذا أيضا مثير للقلق الشديد لو تدبر القارئ العواقب السلبية لانفجار مثل هذا على العراق وعلى المنطقة كلها عموما.

في تقديري أن ما يحصل في العراق هو ما حصل سابقا في أفغانستان والجزائر وغيرها، وقد يحصل في فلسطين مستقبلا لا سمح الله.

جذور المشكلة تبدأ من التعريف غير الواضح للجهاد والذي بدلا من مفهومه الواسع الذي يطالب الأمة المسلمة بالعمل بكافة الأساليب لنشر رسالة الخير وتقوية وضعها الداخلي مع جعل الحرب آخر ملجأ تلجأ إليه في حال انسدت كل الطرق، إلى مفهوم مغلق ضيق يدور حول “قتل الأعداء” سواء كان هذا القتل من خلال أعمال عنف فردية أو جماعية بأي شكل كانت، دون أي وضوح حول الهدف من هذا القتل، ودون أي تعريف للأعداء.

لأن الهدف هو “قتل الأعداء” وليس رفع شأن الأمة، فقد قاتل الأفغان أعدائهم من الاتحاد السوفييتي، ولما انتهت الحرب، استمر الهدف في فرض نفسه، فتحول مفهوم الأعداء من الروس إلى الأفغان أنفسهم، واشتعلت حرب ضروس مات فيها أكثر ممن مات في الحرب مع موسكو إلى أن انتصرت طالبان ووضعت الحرب أوزارها.

في الجزائر، كان أيضا الهدف “قتل الأعداء” وتوسع مفهوم العدو تدريجيا ليشمل الجيش ثم موظفي الحكومة وأخيرا الأطفال والنساء وكبار السن.

في العراق، كان مفهوم “قتل الأعداء” محصورا في الأمريكيين، ثم توسع ليشمل كل من له علاقة بهم، ثم توسع أكثر ليشمل الأبرياء في الشوارع ويشمل كل الشيعة، لأن منهم من تحالف مع الحكومة، وليشمل السنة الذين يصوتون في الانتخابات، وقد يتوسع لاحقا ليشمل كل من “ليس معنا فهو ضدنا”.

لقد أشرت أعلاه أيضا إلى فلسطين، حيث كان “قتل الأعداء” موجها إلى الإسرائيليين، ولو سارت الأمور بدون وجود العقل الحكيم الذي يرد الأمور إلى نصابها لربما مضت الأمور كما مضت في غيرها من الدول وقد يوجه الفلسطينيون حرابهم نحو صدور بعضهم بعد أن يتوسع مفهوم الأعداء ليشمل كل من “لا يحارب على طريقتنا”.

إن المشكلة تكمن إذن في المفهوم، ففي اللحظة التي تقبل فيها بمفهوم “القتل” فأنت تصنع مخاطرة الغموض في تحديد مفهوم العدو، وتجرك الأمور في النهاية للنتائج الرهيبة والأليمة في العراق وغيرها.

في اللحظة التي تقبل فيها بقتل الأبرياء من الإسرائيليين الذين يركبون حافلة متجهين إلى أعمالهم، فأنت تتحمل المخاطرة أن هؤلاء الأبرياء قد يكونوا لاحقا من الفلسطينيين عندما يشملهم تعريف “العدو”.

هذا هو المبرر الذي يجعل العنف خيارا رهيبا، لأنه عندما يضغط على الزناد وتنطلق شرارات النار، يصبح من شبه المستحيل إيقاف سريان الجحيم من مكان إلى آخر حتى يحرق البيت كله بلا استثناء.

العنف أيضا خيار سيء لأنه الخيار الأسهل، وعندما نلجأ للخيار الأسهل يهرب الناس من الخيارات الصعبة، تماما كما يهرب الطالب الكسول من المذاكرة عندما يتيسر له الغش.

الخيارات الصعبة هي البناء الحضاري والتنمية الاقتصادية وتطوير الاستراتيجيات السياسية والاستخباراتية ووضع الأسس المدنية والاهتمام ببناء الإنسان، بينما الخيار السهل دائما هو.. “قتل الأعداء”.

منذ الخمسينات الميلادية والعرب في سباق مع إسرائيل، إسرائيل تبني اقتصادها وتأثيرها السياسي وبناءها الداخلي، بينما العرب يحلمون بيوم القتال ويلعب بهم الخطباء الذين يعدونهم برمي إسرائيل في البحر، بل إن العرب جعلوا من صدام حسين، زعيما ممجدا عندما وعدهم بتدمير إسرائيل، رغم أنهم يعرفون ديكتاتوريته وما فعله بشعبه.

نحن نعشق خيار الحرب، حتى لو كنا الأضعف في الميدان.

لقد شوهنا أنفسنا أمام العالم، بشكل يتجاوز ما يمكن أن يفعله أي عدو كاره لنا، وذلك عندما آمنا بالعنف وقبلناه لفترة عندما كان ضد من نكره حتى دخلت النار لبيوتنا، وبقينا أمما ضعيفة لأننا دائما نبحث عن الخيارات السهلة، ودائما نحلم بيوم المعركة الذين لن يأتي لأن الآخرون قد انتصروا في الحرب منذ فترة طويلة.

القرآن الكريم يقول بأن ما يصيبنا من سوء فهو من أنفسنا، من هم أعدائنا؟ نحن أشد أعداء أنفسنا!!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية