«الألماس» يمول المذابح والحروب الأهلية في أفريقيا

من قسم منوعات
الثلاثاء 19 مارس 2002|

يعتبر الألماس من أهم الهدايا التي يقدرها النساء حول العالم بمن فيهم النساء الأمريكيات واللاتي _ بمساعدة شركات الألماس والجواهر _ استطعن تأسيس عادات وتقاليد تجعل من الضروري لكل رجل يريد أن يثبت عاطفته تجاه امرأة ما في أمريكا أن يأتي مسلحا بقطعة ألماس.

في الأسبوع الثاني من كل شهر فبراير يحتفل الأمريكيون بيوم «فالنتين» _ وهو رجل أمريكي كانت له قصة حب مثل قصة مجنون ليلى! _ وفي هذا اليوم يزيد استهلاك الألماس في الهدايا إلى درجة جعلت أمريكا الدولة المستوردة الأولى للألماس في العالم، حيث يستهلك الأمريكيون 45% من ألماس العالم يليهم اليابانيون الذين يستهلكون نصف هذه الكمية تقريبا.

لكن الحكومة الأمريكية بدأت تتنبه لقضية سياسية معقدة مرتبطة بتجارة الألماس قد تؤدي في النهاية للتضييق على تجارة الألماس وبالتالي ندرته وارتفاع أسعاره.

يمر حوالي 90% من ألماس العالم، والذي تزيد قيمته الإجمالية عن 11 مليار دولار سنويا، بمنطقة صغيرة مكونة من ثلاث شوارع قديمة العمران ومتلاصقة في مدينة أنتورب البلجيكية.

في تلك المنطقة والتي لاتزيد مساحتها عن نصف كيلومتر مربع، يوجد مقر 1600 شركة ألماس وأربع أسواق عالمية لتبادل الألماس.

هناك على قارعة الطريق تتم عقود تجارية بملايين الدولارات يشرف عليها تجار المنطقة وهم غالبا من اليهود المتشددين الذين يديرون صفقاتهم بقبعاتهم السوداء ولحاهم الطويلة، بالإضافة لمجموعة من الهنود الذين هاجروا لبلجيكا واحترفوا التوسط في تجارة الألماس.

لكن هذه المنطقة يواجهها الآن هجوم من جهات سياسية تؤكد أن عشر الألماس الذي يتم بيعه في تلك المنطقة مهرب بطريقة غير قانونية بعد أن تم شراءه من جيوش المتمردين في بعض الدول الأفريقية مثل أنجولا وسيراليون والكونغو والذين سيطروا على مناجم الألماس خلال السنوات القليلة الماضية ويقومون ببيع الألماس بأسعار رخيصة بهدف شراء الأسلحة التي تمول حروبهم ضد حكومات وشعوب تلك الدول.

حسب المعلومات التي جمعتها منظمة «جلوبال ويتنيز» البريطانية، من خلال شهادة واحد من المهربين، قام المهرب بالسفر لمنطقة لاندا نورت، في شمال شرق أنغولا الأفريقية، ليأتي من هناك بشنطة صغيرة فيها ماقيمته 2 مليون دولار من الألماس عالي الجودة ليأخذها بعد ذلك ويسافر بها إلى لواندا عاصمة أنغولا.

هناك، وفي بيت ما يتم تزوير شهادة منشأ رسمية عليها ختم دولة أنغولا المزور أيضا لتعطى الشنطة بعد ذلك لمهرب آخر يسافر بها إلى ويندهويك عاصمة ناميبيا، ومنها إلى فرانكفورت بألمانيا، ثم إلى بروكسل البلجيكية، حيث يخفي الألماس في متاعه الشخصي دون الإعلان عنه.

يخرج المهرب من المطار ليأخذ قطارا لمدة نصف ساعة لمدينة الألماس في العالم أنتورب، ليباع هناك للتجار والذين يبيعونه للمستوردين الدوليين بشهادة شركات بلجيكية دون أن يعرف أحد المصدر الأساسي للألماس.

لأن ذلك ما يحدث، فقد تم تقديم مشروع قرار في الكونجرس يضع نظاما عالميا للتعريف بالمنشأ، بحيث يمكن لأولئك الأمريكيين الذين لايريدون تمويل عمليات المتمردين في أفريقيا عدم شراء الألماس الذي يأتي من تلك الدول.

القرار لا ينص على أي نوع من المقاطعة للألماس نفسه، على أساس أن هذا الخيار يبقى للمستهلك الأمريكي.

لكن تجار الألماس في أمريكا غاضبون جدا لأنهم على معرفة بسلوك المستهلك الأمريكي الذي بمجرد إحساسه _ حتى لو لم يعرف المعلومات كاملة _ أن الألماس في جزء منه مرتبط بالمجازر الدموية في أفريقيا سيتوقف عن شراء الألماس كما حصل في السابق للفراء والذي كان معشوق الأمريكيين الأول ثم تحطمت سمعته بعد حملات إعلامية من منظمات حقوق الحيوان.

التجار، والذين يتبعون «مجلس الألماس العالي» الممول من تجار أنتورب، يتساءلون في حملتهم المضادة إذا كان هذا ما حصل لفراء الحيوانات فكيف بالألماس الذي سيرتبط مع الحملات الإعلامية بدماء الناس، ربما يصبح غير من المقبول عند الأمريكيين ربط الألماس بالحب كما هو الأمر حاليا وحينها سيخسر تجار الألماس بشكل غير مسبوق.

في الحقيقة بدأ حي الألماس في أنتورب البلجيكية، يشهد مظاهرات من سكان بلجيكيين يحملون لوحات مثل «لا للألماس مقابل الأسلحة»، وهو الأمر الذي امتد لدول العالم فسيشكل عواقب وخيمة لايحبها التجار اليهود البلجيكيين على الإطلاق.

وغضب الجمهور ليس أمرا مبالغا فيه لأن ما يفعله الثوار في تلك الدول الأفريقية مخالف لكل الأعراف الإنسانية.

لقد قتل في أنجولا حتى الآن حوالي نصف مليون شخص نتيجة الحرب الأهلية، وقد ساعد الثوار على الاستمرار في الحرب مبلغ 7,3 مليار دولار هي قيمة الألماس الذي تم شراءه من الثوار حتى الآن بين عامي 1992 وعام 1997.

في سيراليون قتل الثوار حوالي خمسين ألف شخص حتى الآن كما هجروا آلاف آخرين من بيوتهم أو أسروهم، وتري إحصائيات تجار أنتورب، أنه تم حتى الآن شراء حوالي خمسة ملايين قيراط من الألماس من الثوار هناك.

لكن كل القوانين التي ظهرت أو ستظهر قد لاتفلح تماما في إنهاء ظاهرة التجارة بل قد تنتج سوق سوداء للألماس في مدينة أنتورب، وخاصة أن الكثير من الأفارقة وخاصة من الطلاب يصلون لبلجيكا ومعهم كميات من الألماس ويأتون بعد ذلك لبيعها على قارعة الطريق أو في أحد الغرف الخلفية لمحلات الألماس دون أن يعرف أحد مصدر ذلك الألماس.

* نُشر في جريدة المستقبل المصرية