قصة معاناة 500 مسلم في المكسيك: فرص ضائعة في أرض متعطشة للإسلام

من قسم منوعات
الأربعاء 07 أغسطس 2002|

لو قدر لك يوما أن ترحل للمكسيك وتزور عاصمتها «مكسيكو سيتي»، واحدة من أكبر المدن في العالم، فمن المؤكد أنك لن تجد بسهولة تلك الغرفة الصغيرة التي لاتزيد مساحتها عن 15 مترا مربعا والموجودة في أحد أدوار عمارة ما، وإن كانت هذه الغرفة في الحقيقة تمثل الوجود الإسلامي المحدود جدا في المكسيك.

هذه الغرفة الصغيرة هي مقر «المركز الإسلامي الثقافي بالمكسيك» وفيها مجموعة لاتزيد عن 25 شخصا من الشباب المكسيكي المسلم الذين يكتبون هناك معالم قصة مميزة من جهاد النفس في وسط مجتمع كاثوليكي ضخم، ومن العمل الدعوي المكثف مقارنة بعددهم الصغير وإمكانياتهم المادية المحدودة في مجتمع عرف بتحقيقه للرقم القياسي في البطالة والتضخم والفساد الإداري والأخلاقي والجريمة والديون الأجنبية.

نتيجة هذه الجهود كانت إسلام عدد من الأشخاص المكسيكيين الذين وجدوا في الإسلام علاجا لفراغهم الروحي، وزيادة العلم الشرعي لدى المسلمين المهاجرين من العالم الإسلامي والذين انغمسوا في ضلالات المجتمع المكسيكي من خلال دروس القرآن واللغة العربية والمعارف الإسلامية.

أحد أشهر الدعاة العاملين في المكسيك هو مارك عمر ويستون، وهو مسلم من أصل بريطاني وخريج الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والذي عاش في المكسيك أغلب حياته وينسب له من بعد الله عز وجل الكثير من الفضل في تأسسيس الكثير من الأعمال الدعوية الإسلامية بما فيها المركز الثقافي والتي لو كتب لها الدعم المادي لكتب لها الكثير من النجاح.

سبب النجاح حسب ما يشرحه عمر ويستون، هو أن المكسيك أرض بكر فرض عليها الأوروبيون المستعمرون ديانة الكاثوليكية، إلا أن الناس مازالوا متعطشين بشدة لبديل روحي وعقلاني في حياتهم المليئة بالمعاناة بكل وجوهها.

الدليل على ذلك هو ما يلقاه عمر وأصحابه من الشباب الدعاة من إقبال الناس الشديد عليهم حين يؤدون صلاة الجماعة في الميادين العامة أو حين يصعدون على القطار لتوزيع المنشورات الإسلامية باللغة الأسبانية وإجابة أسئلة الناس المنهمرة عليهم في كل القضايا ودعوة الناس لزيارة المركز الثقافي للالتقاء بالمسلمين هناك.

ليست هذه وحدها الأنشطة التي يقوم بها المركز الثقافي في المكسيك.

من الأنشطة الأخرى إلقاء محاضرات في المدارس والجامعات عن الإسلام وإعطاء محاضرات أسبوعية في المسجد والتركيز على تشجيع الأفراد المسلمين على حضور الصلوات اليومية بالمسجد.

منذ أن بدأ المركز الثقافي العمل الدعوي في 1415هـ، وأفراده بقيادة عمر ويستون، يعملون بدون توقف.

خلال الست سنوات الماضية بدأ المركز الثقافي بالبحث عن الأفراد المسلمين في المكسيك ليجد أكثر من 500 مسلم في 25 مدينة، وكانت الخطوة الثانية هي تأسسيس مصليات صغيرة في هذه المدينة لتشجيع المسلمين على حضور الصلاة والارتباط ببعضهم.

في مدينة مكسيكية اسمها «جوادالاجارا»، استطاعوا أن يجدوا أكثر من 70 مسلم وتم تأسيس مصلى وفرع للمركز الإسلامي وكان التركيز في البداية على إيجاد نشاطات تعيد جمع الجالية المسلمة وتوحيدها من خلال الصلوات وإفطار رمضان الجماعي والمحاضرات.

على صعيد دعوة غير المسلمين، تركز العمل على محاولة إعلام الناس بكل شكل ممكن بدين الإسلام ووجود المسلمين في المكسيك بما في ذلك توزيع المنشورات في الأماكن العامة ومحاولة المشاركة في برامج الراديو العامة والمشاركة في معارض الكتاب وكتابة مقالات في الجرائد واسعة الانتشار وإقامة الصلوات في الميادين العامة والأسواق.

أيضا استطاع المركز تأسيس أفضل موقع على الإنترنت عن الإسلام باللغة الأسبانية ترجمت فيه الكثير من الكتب والمقالات الإسلامية، كما تم تشجيع بعض المسلمين المكسيكيين على التقديم للدراسة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة أو في جامعة الأزهر أو غيرها من الجامعات الإسلامية حول العالم.

النتيجة التي توصل إليها عمر ويستون وأصحابه أن رد فعل غير المسلمين والمسلمين لهذه الجهود إيجابي جدا وأكبر من حجم الجهود نفسها، لكن النتائج تحتاج للمتابعة المستمرة مع الأشخاص المدعوين وهو تحدي كبير يواجه المركز الثقافي.

عمر يقول بأن إقبال المكسيكيين على كل الأديان كبير جدا لأي ديانة تتأسس بينهم وتبذل بعض الجهود في هذا الاتجاه، كما أن إقبال الجالية ذات الأصل المكسيكي في أمريكا على الإسلام كبير جدا مقارنة بأي جاليات أخرى، وهذه حقيقة معروفة بين المسلمين في أمريكا.

لكن المشكلة التي لا يفتأ عمر ويستون، عن طرحها في كل لحظة، هي المصاعب المادية التي تعاني منها الجالية المسلمة والذي يقف انشغالها الكامل في تحصيل لقمة العيش في طريق تخصيص المزيد من الوقت للعمل الدعوي وسط المجتمع المكسيكي.

بعض المصاعب التي يتحدث عنها ويستون هي جزء من مصاعب المجتمع المكسيكي بشكل عام والذي يعاني من الفقر وغلاء السكن وصعوبة الحياة، ولعل مايشق على عمر، خاصة ضمن هذه المصاعب أن يرى إخوانه المسلمين غير قادرين على الزواج وتكوين أسر مسلمة في مجتمع يتغلغل الإنحلال الأخلاقي في كل شبر منه بشكل لايوجد في أمريكا أو أوروبا.

علي، هو واحد من المكسيكيين الذي كتب الله له الإسلام والذي يحكي بمرارة معاناته اليومية في تحصيل مايطعم به نفسه وأسرته الصغيرة.

لكن عمر ويستون، مهتم أكثر بمشاريعه الدعوية التي تحتاج للدعم المادي أيضا، ولولا حماسه للعمل الدعوي الذي بدأه المركز الثقافي لكانت هذه المشاريع قد توقفت تماما لقلة الدعم المادي الذي تلقاه.

من المشاريع الدعوية التي يطرحها ويستون، لو توفر له الدعم المالي توظيف داعية متفرغ للعمل، وهو يعني بالذات أمين أكوستا، المبشر المسيحي الذي دخل الإسلام في عام 1415هـ، وبدأ من حينها في تعلم الإسلام وبذل جهود دعوية لاتعرف التوقف، علما أن هذا التوظيف قد لايكلف أكثر من 250 دولارا شهريا مقارنة بالرواتب في المكسيك.

من المشاريع الأخرى ترجمة بعض الأعمال التي تشرح العقيدة الإسلامية الصحيحة وطباعتها وتوزيعها، إقامة معارض دعوية متنقلة في مختلف مدن المكسيك، إقامة مراكز إسلامية في مدن المكسيك المختلفة، تقديم الخدمات الأساسية مثل الهاتف للمراكز الموجودة، إقامة دورات للمسلمين الجدد، وغيرها.

الحل الذي يطرحه عمر ويستون، هو تأسيس عمل تجاري للتصدير والاستيراد بالاشتراك مع أحد المسلمين التجار في أمريكا أو في العالم الإسلامي، بحيث يؤمن هذا العمل التجاري وظائف للمسلمين ودخلا جيدا للمركز الثقافي في نفس الوقت.

 

أعداد ضائعة

يزيد المسلمون في المكسيك عن مائة ألف مسلم ينتشرون في مساحة المكسيك الضخمة، كما أن هذا العدد الذي يبدو كبيرا يمثل أقلية صغيرة جدا وسط عدد سكان المكسيك الذي يصل لمائة مليون نسمة.

في العاصمة المكسيكية «مكسيكو سيتي»، يحضر صلاة الجمعة في شقة استأجرتها سفارة خادم الحرمين الشريفين في المكسيك لهذا الغرض حوالي 200 شخص فقط.

دخل الإسلام المكسيك بعد سقوط غرناطة مباشرة وهو العام الذي بدأت فيه محاكم التفتيش التي مارست أبشع أنواع التعذيب ضد المسلمين، والعام الذي تم فيه اكتشاف أمريكا على يد الأسبان.

هرب المسلمون ضمن الجيش الأسباني الغازي للعالم الجديد أملا في الهرب من التعذيب لكن قرارات صدرت بممارسة التعذيب ضد المهاجرين أيضا، مما اضطرهم لإعلان اعتناقهم المسيحية واخفاءهم للإسلام مما جعل انتقاله للأجيال التي جاءت بعد ذلك ضعيفا جدا.

جاءت بعد ذلك بسنوات مجموعة ضخمة من العبيد المسلمين الذين استقدمهم الأوروبيون من أفريقيا وحاد هؤلاء عن دينهم أيضا.

في أوائل هذا القرن الميلادي جاء للمكسيك أكثر من 700 مسلم صيني، ثم جاءت هجرات ضخمة من تركيا وسوريا ولبنان.

قبل أكثر من عقد من الزمان تقريبا تأسس أول مسجد في المكسيك قرب الحدود الأمريكية، ولكن المسجد أسسته فرق ضالة عن الإسلام الصحيح، وتأسس بعدها مسجد آخر للفرقة نفسها والتي عملت على ترجمة العديد من المطبوعات للأسبانية وتوزيعها في أوساط بين المسلمين وغيرهم.

لما تأسس المركز الثقافي، تم تأسيس عدد من المصليات الصغيرة في عدة مدن مكسيكية، إلا أن هذه المصليات تعاني من عدم وجود الإمام أو الداعية العارف بأساسيات الإسلام والقادر على قيادة الجالية الإسلامية.

أضف إلى ذلك، هناك جهود لعدد من الفرق التي بدأت تقوى في المكسيك مثل جهود القاديانيين والبهائيين وغيرهم، واستطاعت إحدى الفرق الصوفية شديدة المغالاة أن تكسب الكثيرين من المكسيكيين لاعتناق الإسلام والالتحاق بالفرقة، لكن جهود أهل السنة مازالت ضعيفة جدا ولاتزيد عن جهود المركز الثقافي المذكورة سلفا، ولولا مساعدة السفارة السعودية والباكستانية لأغلق المصلى الوحيد للمسلمين في مدينة «مكسيكو سيتي».

هذه القصة المفرحة والأليمة في نفس الوقت ليست خاصة بالمكسيك فقط فهي تتكرر بتفاصيلها في كل معظم دول أمريكا اللاتينية وجزر البحر الكاريبي، وللمركز الثقافي الإسلامي في المكسيك جهود محدودة بالتعاون مع المؤسسات الإسلامية في السلفادور وبوليفيا وبيرو والبرازيل، وفي كل مرة هناك أرض متعشطة للإسلام، ومسلمون فاقدون لهويتهم، وجهود محدودة جدا، وبالتأكيد فرص تضيع كل يوم.

* نُشر في جريدة المستقبل المصرية