هل ستصبح الطائرات في العقدين القادمين من الزمن سريعة جدا بحيث تقطع المسافة من واشنطن إلى الرياض في ست ساعات بدلا من 14 ساعة؟ الجواب حسب ما تقوله توقعات خبراء الطيران المدني بناء على الواقع الحالي هو بكل أسف: لا.
وبالرغم أن الحلم ببناء طائرات نفاثة تزيد سرعتها إلى ضعف سرعة الطائرات الحالية هو حلم قديم ظهر في روايات الخيال العلمي والأفلام السينمائية مع دخول العالم لعصر الفضاء قبل أكثر من ربع قرن من الزمن، إلا أن الحقيقة أن سرعة الطائرات منذ ذلك الحين لم تزد كثيرا عما كانت عليه في مطلع الخمسينات الميلادية.
ما يتوقعه خبراء الطيران في أمريكا وأوروبا هو أن يستمر ما بدأ فعلا قبل أكثر من 15 عاما من الانخفاض المستمر لتكلفة الطيران مع الحفاظ على المستوى الحالي لكفاءة الطائرات العملية، وهذا أيضا ما يبدو أن شركات صناعة الطيران الكبرى تتنافس حوله هذه الأيام.
في عام 1949، قدمت بريطانيا للعالم أول طائرة نفاثة والتي سميت حينها «هافيلاند كوميت»، لكن ركوب تلك الطائرة كان غاليا جدا إلى درجة أن القليلين من الناس فقط كان يستطيعون دفع تذكرتها.
اليوم مع مطلع القرن الحادي والعشرين وبفضل الإنجازات التكنولوجية الضخمة، يقوم مئات ملايين الناس بالطيران باستخدام الطائرات النفاثة كل عام.
في القرن القادم يتوقع أن يصبح مليارات الناس قادرين على استخدام الطائرات النفاثة، ليس بسبب تحسن مستواهم الاقتصادي، ولكن لأن ركوب هذه الطائرات يفترض أن يصبح أرخص بكثير.
بالنسبة للتصميم، هناك تصميم شائع اليوم للطائرات بدأته شركة بوينج بطائرتها 367-80، والذي حسنتها الشركة إلى طراز 707.
والتصميم كما هو معروف عبارة عن جسم للطائرة بشكله الحالي _ والذي يختلف طوله وعرضه من طراز لآخر _ مع الأجنحة موصولة بالطائرة من الأسفل، وتحت الأجنحة توجد المحركات.
في الحقيقة لو تأملت طائرات شركة إيرباص الأوروبية رقم أ300 وأ310 وأ320 وأ330، وطائرات بوينج 737 و757 و767 و777، لوجدت أن لها تقريبا نفس الشكل وقد يصعب التفريق بينها لأول وهلة.
هذا يعني أن منذ ربع قرن لم توجد أي تغيرات جذرية في تصميم الطائرات، ولكن كلا من شركتي إيرباص، التي تملكها عدة دول أوروبية، وشركة بوينج الأمريكية، وهما الشركتان العالميتان الوحيدتان في العالم حاليا في مجال تصنيع الطائرات، كونتا فرقا من الباحثين والمصممين الذين يحاولون تقديم تصميمات جديدة للطائرات.
أحد هذه التصميمات على سبيل المثال يتكون من جناحين عملاقين تضم مقاعد الركاب بينما كابينة القيادة في الوسط والمحرك أعلى الطائرة، ولكن بدون أي جسم للطائرة على الإطلاق، أي تقريبا بشكل البعوضة.
لكن لا تتحمس كثيرا لركوب طائرات ذات تصميم جديد لأن هذا حسب تقديرات بعض الباحثين في شركة إيرباص قد يأخذ عقدين من الزمان من الآن.
لا للمزيد من السرعة
لماذا لا يمكن زيادة سرعة الطائرات بحيث تتجاوز سرعتها سرعة الصوت ويتحقق الحلم العلمي القديم ويتخلص الناس من ساعات الطيران الطويلة والمملة في الرحلات عابرة القارات؟
لما بدأ الأخوان رايت، مخترعا الطائرة، الطيران لأول مرة في مطلع القرن العشرين، صمما طائرتهما بحيث تكون بطيئة في طيرانها حول ولايتهما الأمريكية أوهايو، وبقيت هذه السرعة تزداد تدريجيا إلى أن جاءت بريطانيا بطائرتها “كوميت” في عام 1949، حين زادت السرعة لتصبح 800 كلم في الساعة.
منذ ذلك الحين وإلى الآن، أي خلال نصف قرن من الزمن، لم تزد السرعة كثيرا وبقيت تقريبا في هذه الحدود.
ذلك ببساطة يعود لقوانين الفيزياء، عندما تقترب سرعة الطائرة من سرعة الصوت تزداد مقاومة الهواء بشكل رهيب لتنتج ما يسمى بـ«جدار الصوت».
تجاوز هذا الجدار يحتاج لطائرات مختلفة بمحركاتها ذات الضجة العالية جدا، مع استهلاك عالي للطاقة، وبحيث يكون عرض جسم الطائرة رفيعا جدا، وهذا يعني استيعاب عدد قليل فقط من الركاب بالرغم من ثقله الكبير.
شركة «إيرباص»، حاولت مواجهة هذا التحدي وبالفعل أنتجت 13 طائرة «كونكورد»، تتقاسم ملكيتها الخطوط البريطانية والخطوط الفرنسية، ولكن التكلفة العالية جدا لهذه الطائرات جعلتها محدودة الاستخدام وبالتالي غير مربحة، مما أوقف أي مشاريع لإنتاج المزيد منها أو تطوير طرازها الحالي.
هذه التجربة جعلت شركات الطيران تتراجع تماما عن فكرة إنتاج طائرة تتجاوز سرعتها سرعة الصوت لأن التكاليف ستكون أكبر مما يمكن تحمله.
ليس ذلك فحسب، بل إن هذه الطائرات تتسبب في الكثير من التلوث في الهواء بسبب الأسلوب السئ لاستهلاكها للوقود، ولذا؛ فيتوقع مدير شركة رولزرايس، أحد أكبر شركات تصنيع محركات طائرات في العالم، أن قوانين حماية البيئة الموجودة حاليا لن تسمح بإنتاج أي محركات مماثلة.
إذن لابد من ملل وإزعاج الساعات الطويلة للسفر بين الرياض وواشنطن أو بين جدة وكوالالمبور، ولكن هل يمكننا أن نحلم بكراسي أكثر رفاهية وراحة مما هي عليه الأمور الآن؟
ملخص توقعات الخبراء الاقتصادية أن الجواب نعم سيمكن عبر العقدين القادمين من الزمن ركوب كراسي برفاهية الدرجة الأولى أو أكثر رفاهية بأسعار تذاكر الدرجة السياحية حاليا.
لكن إذا كنت مستعدا لتحمل عناء ركوب الدرجة السياحية، فإن الأسعار حسب توقعات الخبراء ربما تنزل لثلث ما هي عليه الآن.
حسب دراسات هؤلاء الخبراء، فإن السعر الرخيص بقي عاملا جذابا لا يقاوم لنسبة عالية من الناس حول العالم، وستبقى الأمور كذلك خلال الثلاثين السنة القادمة، وإن كان رخص الأسعار مقارنة بالقدرة الشرائية للناس خلال السنين القادمة سيشجع على المزيد من استخدام الطائرات والسفر وبالتالي المزيد من شركات الطيران والمنافسة.
المستفيد إذا صحت توقعات هؤلاء الخبراء هو المستهلك الذي سيتمكن من السياحة حول العالم بتكاليف قليلة قد تجعل الفرق بين السفر إلى أبها أو السفر إلى سنغافورة محدودا جدا.
* نُشر في مجلة اليمامة السعودية