«الفياجرا» مازالت تثير قلق العالم

من قسم منوعات
الثلاثاء 24 أغسطس 1999|

لم يكتب لدواء في التسعينات الميلادية من الشهرة والضجة الإعلامية ما حصل للفياجرا.

بالطبع الضجة الإعلامية لم تكن بسبب نجاح الدواء في تأدية مهمته في علاج المرضى بالعجز الجنسي، فهناك مئات الأدوية التي تنجح كل عام في معالجة المشكلة المستهدفة بالدواء، بل كانت بسبب الآثار الاجتماعية والنفسية الواسعة _ إيجابيا وسلبيا _ التي تركها الدواء في مختلف أنحاء العالم.

العديد من الجهات حول العالم مازالت تنظر لجوانب حبات «الفياجرا» الزرقاء السلبية بشيئ من الخوف والحذر و… الحسد أحيانا، وعبرت عن ذلك بشكل أو بآخر خلال الشهر الماضي!

أكبر الغاضبين بالطبع كانوا النساء من كبيرات السن والذين فوجئن بأزواجهن يتركوهن بحثا عن الفتيات الشابات، الأمر الذي زاد من نسب الطلاق بشكل غير متوقع في أوساط كبار السن في أمريكا.

الدراسة التي تمت بهذا الشأن قدمت أمثلة لعدد من الحالات منها حالة رجل في الـ67 من عمره طلق زوجته فور تناوله للدواء، ويعيش حاليا في علاقة غير شرعية مع واحدة في نصف عمره تقريبا.

أيضا أحد الأطباء المتخصصين في الأمراض التناسلية وصف هذا الدواء لوالده العجوز، لكن التصرف الأول لوالده كان طلاق والدة الطبيب والزواج بأخرى، ولما احتج الطبيب على مثل هذا السلوك من والده، أجابه والده بأنه كان يريد طلاق زوجته من سنين طويلة لسوء أخلاقها لكنه لم يفعل ذلك لأنه كان من المستحيل عليه إيجاد زوجة جديدة مع عجزه الجنسي.

عدد كبير من النساء كبيرات السن عبرن عن انزعاجهن الشديد من الدواء واللاتي فقدن الرغبة في العلاقة الحميمة بعد إصابتهن بأمراض كبار السن، وكانت الأمور تسير على ما يرام مع أزواجهم كبار السن الذين فقدوا القدرة أيضا، حتى فوجئوا بأن هؤلاء الأزواج يطالبوهم بروح شباب في أواخر العشرينات من أعمارهم.

لهذا السبب سجلت جمعية متخصصة في نيويورك ارتفاعا حادا لنسب الخيانة الزوجية بين متناولي الدواء الجديد من الرجال، حسب نتائج استبانة معلوماتية خاصة وزعت على عدد من متناولي الدواء.

على عادة الأمريكيين قامت الجمعيات النسائية الكبرى بتأسيس منظمات مهتمة بهذه القضية خصوصا والتي بدأت تطرح حلولا لهذه القضية كإقامة دورات إرشادية للرجال تشرح لهم التغيرات الاجتماعية والنفسية التي سيمرون بها وضرورة معالجتها بتدرج!!، ودورات إرشادية للزوجات تشرح لهم كيف يمكنهم استعادة حيويتهم بعض الشئ أو على الأقل التظاهر بذلك.

ولكن أكثر الاقتراحات شعبية بالطبع كان انتاج دواء للنساء لزيادة رغبتهن الجنسية، وبذلت هذه المنظمات بعض الضغط على شركات الأدوية، وبالفعل فقد أعلنت شركة «فيزر» المنتجة لدواء الفياجرا عن جهودها الحثيثة لإنتاج مثل هذا الدواء التي تقول أنه في مراحل تطويره الأخيرة، وإن كانت التجارب مازالت قائمة حتى الآن لتحديد فئات النساء التي يمكنها الاستفادة من هذا الدواء.

أحد الجهات التي ساهمت في التجارب وهي جامعة بوسطن، تقول بأن الدواء الجديد قد ينهي تماما المشاكل الناتجة عن بلوغ سن اليأس، ما عدا التوقف عن الإنجاب طبعا.

التقديرات تقول أن طرح الدواء في الأسواق قد يأخذ ثلاث سنوات من الآن، والتي تمثل فترة انتظار حرجة للنساء اللاتي يتطاير رفاق أعمارهن من بين أيديهن بسبب الدواء.

إحدى الجمعيات الطبية النسائية عبرت قبل حوالي أسبوعين عن قلق نسائي من نوع آخر، حيث نقلت الجمعية شكوى الكثير من النساء من كون أزواجهن يأخذون الدواء بدون علمهن، مما أوجد جوا من السرية وعدم الثقة في أوساط الأسر بالإضافة لعدد من المشاكل الاجتماعية الأخرى.

في الحقيقة حصلت حالة في مدينة كانساس سيتي الأمريكية خلال شهر أكتوبر الماضي قد تؤكد مخاوف الجمعيات النسائية، حين قامت امرأة عمرها 33 عاما بطعن رجل يبلغ 77 عاما من العمر كانت تعيش معه في بيت واحد.

بعد أن أخذ الرجل الحبة جاء للمرأة وحاول اغتصابها لترد عليه بطعنه بسكين مطبخ حتى الموت.

حالة أخرى في ماليزيا تمثل قلق المجتمعات الإسلامية المحافظة من الانحلال الأخلاقي الذي قد ينتج عن الاستعمال الزائد عن حده لدواء الفياجرا والذي قد يشجع البعض على الخيانة الزوجية أو تجربة الدواء بطريقة غير أخلاقية بالنسبة للعزاب الذين امتنعوا عن الزواج بسبب مشكلاتهم الصحية.

في شهر أكتوبر الماضي حكمت المحكمة الإسلامية في ولاية مالقا الماليزية، بسجن رجل وامرأة وتغريمها بعد أن قامت «إدارة الشؤون الإسلامية» بالقبض عليهم في غرفة فندق في حالة غير أخلاقية “أقل من الحالة التي تتطلب الحد الشرعي المطبق في الولاية” وكان معهم علبة من دواء الفياجرا.

كلا من الرجل، عمره 60 عاما، والمرأة، عمرها 42 عاما، متزوجون ولديهم أطفال.

هناك أيضا الجمعيات والمجالس الطبية التي يزعجها حاليا بيع الفياجرا على الإنترنت من قبل مواقع لاتهتم بقضية الوصفة الطبية والتي يفترض الحصول عليها قبل استعمال الدواء.

القلق يأتي بالأساس من كون الفياجرا قد يسبب هبوطا مفاجئا في ضغط الدم ينتهي بالوفاة في بعض الأحيان إذا اختلط داخل المعدة مع دواء «نيتروجليسرين» أو أي دواء يحتوي على مادة النترات.

أيضا سبب الدواء _ في أكثر من 100 حالة مسجلة رسميا في أمريكا وحدها _ الوفاة لمرضى القلب الذين يتناولون الدواء.

أضف إلى ذلك أن حوالي 15% من حالات العجز الجنسي في العالم ذات أسباب نفسية بحتة ويفترض علاجها نفسيا، ولكن إذا لجأ شخص إلى دواء الفياجرا لعلاج نفسه لكونه لا يعرف أن السبب نفسي، فإنه الدواء لن يعالجه لأنه ليس مصمما لهؤلاء إلا إذا كانت ثقته بالدواء عالية جدا إلى درجة أن هذه الثقة ترفع ثقته في نفسه وبالتالي تعالجه نسبيا.

يوجد حاليا _ حسب آخر الإحصائيات _ 77 موقعا على الإنترنت تبيع الفياجرا بأسعار تتراوح بين 5 إلى 13 دولارا للحبة الواحدة، وهذه المواقع تواجه حاليا هجمة ضخمة من المجالس الطبية في أمريكا والتي تحاول دفع الكونجرس الأمريكي لإقرار قانون يمنع عمليات البيع هذه.

الحكومات المحلية في ثلاث ولايات أمريكية اتخذت اجراءات قانونية لمنع بيع الفياجرا على الإنترنت بدون وصفة طبية، وقررت إحدى الولايات عقوبة 50 ألف دولار على كل عملية بيع غير قانونية.

بالمقابل هناك الكثير من كبار السن المنزعجون من تسلط الأطباء الذين يمنعونهم أحيانا من أخذ كميات من دواء الفياجرا تتناسب مع رغباتهم.

أحد هؤلاء رجل إنجليزي عمره 83 عاما قبضت عليه الشرطة البريطانية مطلع هذا العام لتزويره وصفة طبية للفياجرا بعد أن رفض طبيبه أن يصف له أكثر من أربع حبات شهريا خوفا عليه من الوفاة الناتجة عن زيادة النشاط الجنسي الذي قد لا يتحمله هذا العجوز.

العجوز واسمه إرنست بينك، قال بأنه لا يبالي بالوفاة، لأن هذه آخر متع الحياة التي بقيت له وهو يحققها في علاقته مع امرأة عمرها 39 عاما.

وأضاف بأنه شرح ذلك للطبيب «المتعنت» لكن الطبيب على ما يبدو _ حسب تصريح بينك _ حريص على سمعته الطبية أكثر من حرصه على تحقيق «احتياجات» مرضاه!!.

أنصار العلاج بالأعشاب والمنتجات الطبيعية _ والذي يتكاثر عددهم يوما بعد يوم في الدول الغربية نتيجة الآثار السلبية للأدوية المركبة كيميائيا _ كانوا ينظرون للفياجرا بانزعاج شديد وذلك لكونه المركب الكيميائي الوحيد الذي لم يجدوا له بديلا طبيعيا.

في الفترة التي تلت خروج الفياجرا ظهرت عدة مركبات طبيعية ادعى منتجوها أن لها أثرا يقارب أثر الفياجرا الأمر الذي ظهر خطأه بالتجارب العلمية.

في أول شهر نوفمبر الحالي قامت شركة «المختبرات الصيدلية» الأمريكية، بإنتاج دواء طبيعي اسمه «بوتينسي سلوشين»، والتي تعني بالعربية علاج العجز الجنسي، والذي يبدو أنه استطاع فعلا أن يقدم بديلا طبيعيا غير مسبوق لدواء الفياجرا.

ليس ذلك فحسب، بل إن الشركة المنتجة تقول أن الدواء الجديد أفضل من فياجرا، لأنه مركب من مكونات طبيعية بحتة ولأنه يعطي مفعولا أسرع في الجسم لكونه سائل وليس حبوبا ولأنه أرخص سعرا، حيث يبلغ سعر الزجاجة التي يمكن استهلاك محتواها على مدى 32 مرة حوالي 30 دولارا أمريكيا.

وتقول الشركة أن دراساتهم أثبتت أن كل واحدة من المكونات الطبيعية ذات أثر قوي في التنشيط الجنسي، مما يعني أن المركب من كل هذه المكونات له قوة استثنائية في علاج العجز.

شركات الأدوية المركبة من المنتجات الطبيعية كانت هذه المرة أسبق من شركات الأدوية الكيميائية حين أعلنت أحد الشركات مطلع هذا الشهر عن إنتاجها لدواء طبيعي اسمه «أرجين ماكس»، والذي يعتقد أنه سيعالج المشكلات الجنسية التي يعاني منها النساء، حوالي 40% من النساء البالغات في أمريكا.

حوالي 76% من النساء الذين جربوا الدواء استطاعوا تجاوز مشكلاتهم الجنسية، منهم حوالي 38% تمكنوا من ذلك بسبب الشعور النفسي بأن الدواء سيعالجهن وليس بسبب الدواء نفسه.

وتقول الشركة المنتجة أن المكونات الطبيعية للدواء تتضمن 14 فيتامين ومعادن طبيعية بما فيها فيتامينات “أ” و”سي” و”إي” و”بي”، ومعادن الزنك والحديد والكالسيوم، بالإضافة لمكونات طبيعية وجدت في كوريا.

في الحقيقة هناك العديد من الأدوية الأخرى التي تنتظر تصريحها والتي تستهدف دغدغة أحلام مرضى العجز الجنسي والذي يشكلون حوالي نصف سكان أمريكا الذين تتجاوز أعمارهم الأربعين عاما.

أحد أهم هذه الأدوية الذي قد يكون منافسا قويا لدواء الفياجرا يعتمد على نفس الآلية الفسيولوجية التي يستخدمها الفياجرا.

ما يفعله الفياجرا عادة هو أنه يزيد من تفاعل الإنسان مع المثيرات الجنسية من خلال زيادة مادة «أكسيد النيتريك» عند الإثارة الجنسية والتي تؤثر على العضلات الداخلية في الجهاز التناسلي مما يؤدي لدخول كمية أكبر من الدم لتسبب انتصابا طبيعيا.

عدد من الباحثين في جامعتي بنسلفانيا، وبوسطن الأمريكيتين، توصلوا لمعرفة الأنزيم “واسمه أرجينازا” والذي يقوم بالتحكم في كمية مادة «أكسيد النيتريك» في الجسم، كما توصلوا لطريقة تقلل من تحكم هذا الإنزيم في إنتاج مادة «أكسيد النيتريك» وبالتالي معالجة العجز الجنسي.

والدواء الجديد واسمه «إي بي إتش» لم يصرح له رسميا بعد.

في نفس الوقت مازالت شركة «فيزر» تتمدد في الحجم بسبب أرباحها الهائلة من بيع الفياجرا، ويمثل هذا التمدد قلقا كبيرا في أوساط قطاع الأدوية في أمريكا، والذي يعتبر الأفضل في الأداء الاقتصادي بعد قطاع الصناعات التكنولوجية، والذي لأن شركة «فيزر»، بدأت استخدام هذه الأرباح في شراء الشركة بعد الأخرى والذي قد ينتهي باحتكار جزء كبير من سوق الأدوية في أمريكا.

هذا القلق ظهر واضحا خلال هذا الشهر حين قامت شركة «فيزر»، بعرض مبلغ 5،82 مليار دولار لشراء شركة أدوية أمريكية اسمها «وارنر-لامبرت»، وذلك بعد ساعات من إعلان اندماجها مع شركة أدوية ضخمة، الأمر الذي أغرى شركة «وارنر-لامبرت» بإلغاء الإندماج وبيع الشركة التي تبلغ أرباحها السنوية حوالي 12 مليار دولار، لشركة «فيزر».

شركات التأمين الطبي أيضا منزعجة من دواء الفياجرا وذلك لأن عملائها ممن لديهم تأمين طبي يقومون باستخدام زائد للحبة الزرقاء وصل عند بعض المرضى إلى أكثر من 34 حبة شهريا مما يعني حوالي 200 ألف دولار من الخسائر الإضافية سنويا لكل شركة التأمين.

بعض الشركات أعلنت أنها توقفت عند تغطية تكاليف شراء حبة الفياجرا بينما قامت شركات أمريكية أخرى بتحديد عدد 12 حبة شهريا لكل مريض.

أحد الجهات القلقة لحد ما من الفياجرا هي وزارات التجارة في بعض دول العالم، ومنها بالتحديد اليابان، وذلك لممارسة وكيل شركة «فيزر» في اليابان الاحتكار الكامل ورفع الأسعار استغلالا لحاجة المرضى اليابانيين للدواء الذي لا يوجد له بديل حتى الآن وتحديد الأسعار حتى للباعة والموزعين.

مثل هذه الممارسات يمنعها القانون الياباني، ومازالت الحكومة اليابانية تحقق في هذه القضية حتى الآن.

لكن ليس كل الوكلاء في الحقيقة سعيدون بمبيعاتهم، ففي مطلع هذا الشهر أصدر وكلاء شركة «فياجرا» في فرنسا تقريرا يؤكدون فيه أن مبيعات الدواء في فرنسا في تراجع وهم لا يعرفون السبب، وإن كان أملهم أن يتحقق للدواء _ في المستقبل _ في فرنسا نفس الانطلاقة التي تحققت له في أمريكا.

أحد الصحفيين علق أثناء المؤتمر الصحفي الذي تم فيه هذا الإعلان بأن الفرنسيين لا يحتاجون للفياجرا، لأن المشي في طرقات باريس هو فياجرا بحد ذاته!!

من الطريف أيضا أن بعض الأحزاب السياسية الغربية تعاني حاليا من الفياجرا، وذلك ببساطة لأن الصحافة المعارضة صارت تردد دائما أن هذه الأحزاب مصابة بـ«العجز» وتحتاج لفياجرا لمعالجة مشكلاتها السياسية والداخلية!!

* نُشر في مجلة اليمامة السعودية