صدق أو لا تصدق: أعداد متزايدة من الأمريكيين مهتمون الآن بإيجاد وسيلة للحديث مع سكان الأرض في آلاف السنين القادمة حتى لو كلفهم ذلك الكثير من المال.
القصة ليست نكتة بل هي حقيقة متمثلة فيما يسمى بـ«كبسولات الوقت».
حسب تعريف الجمعية الدولية لكبسولات الوقت، كبسولة الوقت هي ببساطة عبوة قد يتراوح حجمها بين وعاء زجاجي وبين حجم خزينة بنك تحتوي على رسائل وكل أنواع الأشياء التذكارية التي تعبر عن زمننا هذا والتي يهدف أصحابها إلى وضعها في أماكن آمنة، بحيث يمكن لسكان المستقبل أن يطلعوا على محتوياتها ويأخذوا فكرة عما كان يدور في زمننا هذا وعن مشاعر الأمريكيين وغيرهم من جيل القرن العشرين نحوهم.
وما الفائدة من بذل الجهد والمال _ الكثير أحيانا حسب ما سترى لاحقا _ لتكوين كبسولات الوقت وإخفائها؟
لا شئ، هي واحدة من آخر صرعات المجتمع الأمريكي المغرم بكل فكرة جديدة مهما كانت غريبة، وأحيانا تافهة.
يقدر باول هدسون، مؤسس جمعية كبسولات الوقت، بأن حوالي عشرة آلاف كبسولة وقت قد تم دفنها في أمريكا وفي دول أخرى حول العالم ممن تجاوبوا مع الفكرة بعد أن قرؤوا عنها على شبكة الإنترنت.
ولكن هدسون، متأسف لأن حوالي 90% من هذه الكبسولات دفنت بدون وجود خريطة واضحة لأماكنها، مما يعني أنها شبه ضائعة، وإن كان هذا سيجعل الموضوع أكثر إثارة للأجيال القادمة التي ستكتشف هذه الكبسولات بالتدريج، ومما سيحمي هذه الكبسولات لمئات السنين إذا لم يعثر عليها أحد.
لما سئل أحد الصحفيين هدسون، وهو أستاذ جامعي بولاية جورجيا الأمريكية، عن سبب إقبال الناس الواسع على فكرة كبسولات الوقت، كان جوابه بأن فكرة أن تترك رسالة لأناس قد يأتون بعد مئات السنين تخلق في الناس الكثير من الحماس للفكرة، وخاصة إذا أحسوا أن رسائلهم وأسمائهم قد تدخل التاريخ حين يأتي المؤرخون في عام 3000 مثلا ليقولوا بأن الناس في عام 2000 كانت تعيش بالطريقة الفلانية بناء على رسالة عثرنا عليها مكتوبة بقلم فلان والذي أرسلها لنا في كبسولة وقت.
كبسولات بألف دولار!
لكن كما هي الأمور في أمريكا عادة، بمجرد أن تبدأ فكرة في الانتشار يأتي من يستفيد منها تجاريا بأكبر شكل ممكن.
بعد أن بدأ المتحمسون لكبسولات الوقت يزدادون يوما بعد يوم، ظهرت كتالوجات ومواقع على الإنترنت تبيع هذه الكبسولات والتي تحتوي على الكثير من الأشياء التي ترمز لثقافة القرن العشرين، ويمكن بالطبع إضافة رسالة لهذه الأشياء ومحتويات أخرى ثم دفنها دون أن يبذل الشخص الكثير من الوقت في جمع المحتويات التي يفترض أن تحتويها الكبسولة.
وتتراوح أسعار هذه الكبسولات بين عشرة إلى ألف دولار أمريكي حسب نوع ومحتويات الكبسولة.
أيضا؛ بدأت بعض المنظمات الدينية والاجتماعية والجامعات والمدارس والشركات والمؤسسات الحكومية في أمريكا بالمشاركة في هذه الظاهرة أملا في تمثيل مؤسساتهم بكبسولات وقت تعبر عنهم بالطريقة التي يريدونها هم دون أن يتدخل مؤرخو القرن الثلاثين فيشوهوا صورتهم أو يغيروا حقيقتها كما حدث للناس في العصور السابقة.
أحد هذه المؤسسات هي مختبرات بروكهيفين الوطنية بنيويورك، التابعة لوزارة الطاقة الأمريكية، والمتخصصة في الدراسات النووية والتكنولوجية، والتي قررت دفن كبسولتي وقت تحت موقعها في مدينة أبتون بنيويورك.
وتتضمن هاتين الكبسولتين الزجاجيتين المختومتين بطريقة تكنولوجية عالية التقدم على وثائق وصور وأشياء علمية وتذكارية، كما سيوضع فوق مكان الدفن لوحة صغيرة تشير لكبسولتي الوقت.
مثال على الجمعيات الخاصة التي دخلت ضمن هذه المظلة جمعية عشاق الدراجات النارية بولاية أوهايو الأمريكية، والتي تجمع حاليا رسائل بتكلفة 50 إلى 100 دولار للرسالة الواحدة _ يدفعها مرسل الرسالة بالطبع _ والتي تستهدف عشاق الدراجات النارية من سكان المستقبل.
جريدة «تورنتو ستار»، إحدى أكبر الصحف الكندية، طلبت من قراءها إرسال رسائل لا تزيد عدد كلماتها عن 300 كلمة وتتناول الحياة في مدينة تورنتو، بحيث يتم اختيار عدد منها لتوضع في كبسولة وقت تحتوي على بعض أعداد الصحيفة والأشياء التذكارية التي تعبر عنها وعن صحفييها وتدفن في أول يوم من عام 2000.
لكن أعجب كبسولات الوقت هي ما تعمل منظمة في نيويورك اسمها «كيو»، والتي تنوي إرسال قمر صناعي في الفضاء يفترض أن يكون مصمما بحيث يسقط على الأرض بعد خمسين ألف سنة.
يحتوي القمر الصناعي على رسائل لا تزيد الواحدة منها عن ستة آلاف حرف حسب الشروط التي وضعتها المنظمة، وبحيث تخزن جميعها على أقراص ليزر زجاجية خاصة ومحمية ضد آثار سقوط القمر علي الأرض، وتوضع في القمر الصناعي مع أشياء أخرى بحيث يتمكن سكان الأرض في عام 5200 من قراءة الرسائل والتعلم عن حضارة القرن العشرين.
لا تحسب أن فكرة «كبسولات الوقت» جديدة، فقد ظهرت الفكرة والمصطلح في عام 1939 في نيويورك على رئيس التسويق في شركة ويستنجهاوس الأمريكية، ثم جاء مجموعة من الأشخاص في العام التالي 1940، ليوجدوا ما يسمى بـ«تابوت الحضارة»، وهي خزينة يبلغ حجمها حجم حوض سباحة فيها آلاف الآشياء ابتداء من خيوط تنظيف الأسنان وانتهاء بمنشورات هتلر وأعمال شكسبير المسرحية، بالإضافة لمجموعة ضخمة من الكتب يبلغ مجموع صفحاتها حوالي 640 ألف صفحة موضوعة علي ميكروفيلم.
الخزينة الموجودة في ولاية جورجيا حيث موقع جمعية كبسولات الوقت الدولية، لم تفتح حتى الآن، لأنه من المخطط لها أن تفتح لأول مرة في عام 8113، أي بعد 6113 عاما فقط!!
ترى لو أراد أحد الأشخاص العرب أن يصمم كبسولة وقت تعبر عن الحضارة العربية خلال هذا العقد من الزمن بحيث تحتوي على أشياء خاصة بالعالم العربي وغير مصنعة أو مخترعة في أمريكا أو تايوان وتعكس معالم إيجابية عن العرب، ماذا يمكن لهذا الشخص أن يضع في الكبسولة؟
الجواب.. لا تعليق!
* نُشر في مجلة اليمامة السعودية