الجالية اليمنية في أمريكا: نجاح في التجارة والزواج.. وقات وصراعات قبلية مع حنين للجنبية

من قسم منوعات
الخميس 26 أغسطس 1999|

دخل «القات» مؤخرا باب الثقافة الأمريكية من أوسع أبوابه حين تناولت الصحف قضية شخص يمني بمدينة سان خوزيه بكاليفورنيا، والذي قبض عليه ويواجه احتمال سجنه لمدة عشرين عاما بسبب زرعه لأكثر من 1000 شجرة قات في حقل زراعي ومتاجرته بنتاجها.

قضية موسى أحمد غيلان، 40 عاما، هي الأولى من نوعها في تاريخ القضاء الأمريكي، وبينما يحاول المدعي العام الممثل للحكومة بأن زراعة “القات” يجب أن تعاقب بنفس عقاب من ينتج الهيروين، لاحتوائه على مادة كيميائية يصنف بها الهيروين حسب تقرير للجنة تابعة للأمم المتحدة حول تجارة المخدرات أصدر عام 1971، فإن محامي موسى أحمد، يقول بأن “القات” له فوائد طبية ويمثل جزءا من التركيبة الثقافية للجاليات اليمنية والصومالية والحبشية والأرترية والتنزانية في أمريكا، وأن موسى أحمد، لم يعلم قط أن هذا أمر غير قانوني قياسا على الحال في اليمن.

لكن تقارير صحفية تؤكد أن “القات” يجد طريقه تدريجيا لأمريكا بين هذه الجاليات وبين الشباب الأمريكي الذي يحب تجربة كل شئ جديد، وخاصة مع الدعاية المرتبطة بـ”القات” بأن أضراره الصحية أقل من أضرار المخدرات المعتادة.

وعلى كل حال، فلم يسبق أن جاء “القات” للأضواء في أمريكا إلا في حالتين:

  • حالة قبل أربعة أعوام، حين حاول شخص قادم من لندن تهريب حوالي 30 كيلوجرام من “القات” وتم القبض عليه في المطار.
  • وحالة قبل عامين، قبضت الشرطة في نيويورك على شخص يحمل في سيارته شنطة فيها حوالي 50 كيلوجرام من “القات”، وذلك أثناء تفتيش مروري عادي، إلا أن ضخامة الشنطة أثارت انتباه رجال الشرطة الذين اكتشفوا الحالة حينها.

وكان “القات” قد ذكر عدة مرات في مذكرات وتقارير الجنود الأمريكيين الذين عادوا من الصومال، وكانوا يشكون من شباب الصومال الذين يمضغون “القات” وينطلقون دون مبالاة لقتال المارينز الأمريكيين.

ويقول الكاتب اليمني، شاكر الأشول، بأن حزمة “القات” في أمريكا تبلغ تكلفتها من 30 إلى 40 دولار، ويتم تهريبه لأمريكا التي تمنعه تماما بخلاف بريطانيا وعدد من الدول الأوروبية الأخرى، على أنه «شاي عربي» أو «سلطة أفريقية» أو ملوخية أو نوع من الورود، وذلك بعد لفه بأوراق الموز، ويباع “القات” في المطاعم اليمنية والأفريقية وبعض محلات الورود اليهودية!!

وتقول تقديرات الأشول، المبنية على بعض الإحصاءات، بأن الجالية اليمنية في أمريكا تنفق أكثر من ثلاث ملايين دولار على “القات” سنويا، حوالي 60 ألف دولار أسبوعيا.

الغريب أن بعض أفراد الجالية اليمنية هاجروا من اليمن، حسب قول الأشول، هربا من “القات”، ولكن “القات” لحقهم وانتشر الإدمان عليه بسبب رغبة اليمنيين في الجلسات الاجتماعية المرتبطة بـ”القات” أو حتى يهربوا من همومهم التي سببها بعدهم عن وطنهم.

 

أحياء كاملة لليمنيين

تتراوح تقديرات أعداد الجالية اليمنية في أمريكا ما بين 300 ألف إلى 700 ألف شخص، ما بين مواطنين أمريكيين من أصل يمني ويمنيين عاملين وطلاب، ويشكل هؤلاء أحد أنشط الجاليات العربية وأكثرها تماسكا في الولايات المتحدة، وإن كان هذا النشاط مقتصرا بالدرجة الأولى على المجال التجاري.

ويتمركز أفراد الجالية اليمنية بالدرجة الأولى بمدينة ديترويت بولاية مشيجان الأمريكية شمال الولايات المتحدة، أحد أكثر الولايات اجتذابا للعرب في أمريكا، وتعرف مدينة ديترويت، بكونها مركز صناعة السيارات الأمريكية بدءا من شركتي «جنرال موتوز» و«فورد»، والتي يعمل بهما الآلاف من اليمنيين في مختلف الوظائف والتخصصات.

وفضلا عن الأعمال المهنية كالصيانة والكهرباء والتي يجد فيها الكثير من اليمنيون بابا سهلا لإبراز خبراتهم فيه بالإضافة للدخل المرتفع الناتج عنها، يعمل الكثير من اليمنيون وخاصة منهم الحاصلون على الجنسية أو الإقامة الأمريكية في مجال التجارة الأولية والتي تقوم على فتح المحلات التجارية، بالإضافة لبعض الذين يملكون شركات تعني بالتصدير والاستيراد مع دول العالم العربي وأندونيسيا وماليزيا والهند وسنغافورة، حيث تتمركز هناك جاليات حضرمية ضخمة وذات تاريخ تجاري عريق تتعامل مع أبنائها المهاجرين للولايات المتحدة.

يقول علي صالح ناجي، كهربائي يمني في مدينة ديترويت يصل دخله الشهري إلى 3000 دولار، أن العامل والتاجر اليمني يكتسب نجاحه بالدرجة الأولى من أمانته في تعامله مع زبائنه ونشاطه في العمل والذي يفوق نشاط العامل الأمريكي في العادة، بالإضافة لتماسك أبناء الجالية حيث يساعد بعضهم بعضا في الحصول على عمل ودعم أعمالهم التجارية.

ويضيف علي ناجي، بأنه يعرف الكثيرين من اليمنيين الذين جاءوا وهم لا يملكون شيئا وحصلوا على ديون من أقاربهم وبنوا تجارة ناجحة، «وهكذا كل واحد يساعد الناس الجدد والحمد لله».

ويتمركز اليمنيون في ديترويت، في أحياء خاصة بهم استطاعوا أن يمنحوها الصفة العربية من خلال وجود محلات عربية كثيرة معظمها كتبت لوحاتها بالعربي، وتتنوع هذه المحلات من محلات بيع المواد الغذائية إلى القهاوي التي يتمتع بعضها بنفس الطراز الشعبي الموجود في اليمن.

ولعل النسيج الحقيقي لمثل هذا الحي يأتي من الترابط الاجتماعي بين الأسر اليمنية المتمثل في العادات الاجتماعية التي وإن تأثرت بعض الشئ بالمجتمع الأمريكي فإنها مازالت تحمل الكثير من المعاني للجالية اليمنية.

يقول الشيخ محمد المالكي، وهو مأذون شرعي بديترويت، أن الأعراس اليمنية على سبيل المثال تحفل في كثير من المرات بالاختلاط غير الشرعي والذي يحاول الكثيرون تجنبه، إلا أنها في نظره وسيلة هامة لإبقاء العلاقات مع الشباب والشابات من أبناء الجالية الذين تأثروا بعادات المجتمع الأمريكي.

والمالكي، يشير في كلامه هذا إلى «أكبر مشكلة» تواجه الجالية اليمنية في أمريكا وهي الجيل الثاني الذي ولد في أمريكا ودخل في صراع بين القيم والعادات التي تحملها أسرته وبين عادات وقيم المجتمع الأمريكي الذي تربى فيه، ويزيد هذا الصراع بالذات حين تكون الأم أمريكية غير مسلمة.

الزواج من أمريكيات منتشر كثيرا بين أفراد الجالية اليمنية، ويأتي ذلك على ثلاث فئات حسب تصنيف المالكي:

  • الأول: شباب يتزوجون من أمريكيات بغية الحصول على «الجرين كارد» أو الإقامة الأمريكية، ويكون هذا واضح في اتفاق بينهم وبين هؤلاء، ويتم الطلاق الرسمي بمجرد حصوله على الإقامة دون حصول الزواج الحقيقي بينهما.

هذا النوع قلت نسبته بدرجة كبيرة مع تنبه إدارات الهجرة الأمريكية لمثل هذه الحالات ووضع قوانين متشددة بشأنها، وإن كان هؤلاء الشباب لا يعدمون سبلا للتحايل على مثل هذه القوانين.

  • الفئة الثانية: هم شباب يبدئون مشروع الزواج بغية الحصول على الإقامة، إلا أنهم يتزوجون زواجا حقيقيا ويحصل بينهم حب أو توافق، ويستمر هذا الزواج أو ينتهي بالطلاق بعد فترة.
  • والنوع الثالث: هم شباب لديهم إقامات أو جنسيات أمريكية يتعرفون على أمريكيات خاصة في مجال العمل ويتزوجون منهن، وهذا النوع، حسب المأذون المالكي، غالبا من الشباب غير المتدين.

النوع الثاني بالذات، حسب تصنيفات المأذون المالكي، كثير من الأحيان يندم على زواجه بغير مسلمة ولا يطلقها، لأنني وكثير من المشائخ نكره مثل هذا الطلاق حتى لا يصبح الزواج لعبة ولا يظلمون هؤلاء الزوجات، فيلجأ للزواج بأخرى يمنية في نفس الوقت.

هناك حالات أخرى للتعدد، منها أن يكون الرجل متزوجا بعربية مسلمة في صغره ثم يغريه ما يجده في المرأة الأمريكية من جمال ولون عيون فيتزوج بأمريكية، وقد أجرى المالكي، عقدا من هذا النوع قبل أيام، أما الحالة الأخيرة فهي الزواج بيمنتين في نفس الوقت، ويعرف المأذون حالتين الرجل متزوج من أربع زوجات كلهن يمنيات، بينما لا يعرف أي حالة الرجل يجمع فيها بين أكثر من زوجة أمريكية.

وأغرب الحالات في ذاكرة المالكي، هي لرجل متزوج من يمنية مسلمة وأمريكية غير مسلمة، وبينما الأمريكية مطيعة له وذات خلق حسن وتحرص على تربية أولاده والعناية بهم وحتى إرسالهم للمسجد تلبية لرغبة أبيهم، فإن اليمنية، وهي الزوجة الثانية وعمرها 20 عاما، فإنها دائما على خلاف معه ولا تطمع بشراء أشياء لا يقدر عليها وتترك ولده الوحيد منها بدون عناية حتى تأتي المربية وتقوم بذلك.

أما ما يؤلم المالكي كمأذون، فهي لجوء الكثير من الشباب اليمنيين لتسجيل عقود زواجهم في الكنائس تلبية لرغبة الزوجة الأمريكية رغم وجود العديد من المأذونين الشرعيين، ويؤكد المالكي، أنه في كل حالات الزواج المتعدد لا يتم تسجيل عقد الزواج على ورق «حتى لا نتورط مع الحكومة الأمريكية»، حيث يمنع القانون الأمريكي التعدد منعا باتا.

وتعتبر «جمعية المسلمين الأمريكيين»، أحد الجمعيات التي يتمركز فيها نشاط اليمنيين، ونشاطها ديني واجتماعي وخيري مركز بالدرجة الأولى على الجالية وأقاربهم خارج أمريكا.

ويوجد في نيويورك جالية ضخمة أيضا، كما توجد جاليات يمنية صغيرة في المدن المحيطة بالعاصمة الأمريكية واشنطن، وفي شيكاغو، ودالاس، وولاية كاليفورنيا.

ولم يتذكر أحد من الذين تحدثت إليهم أنه تعرض أو يعرف حادثة عنصرية حصلت ضده من أمريكيين غير الشئ المعتاد في بعض قطاعات المجتمع الأمريكي، كمنع الطلاب من الحصول على إجازة في الأعياد الإسلامية، وسماع بعض الكلمات الجارحة، وإن كان علي ناجي، يذكر أنه أحيانا يحصل الخلاف بين أفراد من قبائل يمنية مختلفة أو أفراد من الشمال أو الجنوب اليمني، حيث «كل واحد يبحث فقط عن أفراد قبيلته ليشغلهم معه ويساعدهم بينما لا يتعرف على الباقين».

إلا أن هذا كله يهون أمام الفائدة الحقيقية التي تكتسبها الأسرة التي يعمل أحد أفرادها بأمريكا ويعيلها بماله، مما يساعدها على التغلب على مصاعب الحياة.

إلا أن الكثير من هذا يذوب في الحقيقة وسط الإحساس بالغربة، ويمكنك أن تشعر بهذا الإحساس في كلام المأذون محمد المالكي، الذي يبين حبه للبس الملابس اليمنية التقليدية حتى في الشارع، ولكنه يحن كثيرا لـ«الجنبية» التي لا يمكنه تعليقها حتى لا يساء تفسيرها من قبل الأمريكيين الذين «لايفهمون عاداتنا ويظنوننا مجرمين لأننا نلبس الجنبية»!.

* نُشر في مجلة اليمامة السعودية