تقام حاليا في نيويورك محاكمة لرجلي أعمال أمريكيين من أصل روسي، بسبب تهريبهم لآلاف الكيلوجرامات الممنوعة والتي سيحكم عليهم _ في الغالب _ بسبب جريمتهما بالسجن خمس سنوات ودفع غرامة قيمتها 2 مليون دولار.
المادة الممنوعة لم تكن مخدرات هذه المرة ولا حتى نقود مزورة بل.. كافيار.
بقي الكافيار _ والذي يمثل بيض سمك الحفش الموجود في بحر قزوين _ نجم حفلات العشاء الأرستقراطية، وذلك خلال القرنين الأخيرين، وبدأ هذا التقليد في الأجواء الأمبراطورية بروسيا لينتقل بعدها لكل أنحاء العالم.
وساهم في رفع أسهم الكافيار ما يشاع عنه من منحه للقوة الجنسية لآكله، أضف إلى ذلك ندرته الشديدة، واحتكار حكومة الاتحاد السوفيتي السابق لإنتاجه خلال أكثر من سبعة عقود من الزمن.
لكن كل هذا يهون أمام ما سيأتي خلال السنوات الماضية والذي سيجعل من الكافيار شيئا نادرا بالفعل، فقد وقعت الولايات المتحدة ومعها 142 دولة أخرى من دول العالم في عام 1998، على اتفاقية لحماية المخلوقات النادرة التي توشك على الانقراض، وكان على القائمة الكافيار بأنواعه الثلاثة: الغالي، واسمه بيلوجا ويصدر من روسيا في علب زرقاء عليها إطار أحمر مطاطي، ونوعين أقل غلاء “سيفروجا وأوسيترا”، ونصت الاتفاقية على وضع عقوبة مشددة لكل من يقوم بصيد أحد المخلوقات النادرة دون اتخاذ الإجراءات الرسمية المتبعة والتي تهدف للتقليل من الصيد إلى حده الأدنى.
هذه الاتفاقية خلقت نوعا جديدا من التهريب لم يسمع به رجال الجمارك في المطارات من قبل وهو تهريب الكافيار!!
أزمة تهريب الكافيار اشتدت خلال الشهرين الأخيرين ويتوقع استمرارها خلال الشهر القادم، بسبب أن كثير من الحفلات الفخمة التي سيحتفل من خلالها بدخول القرن الجديد وبيعت تذاكرها منذ أكثر من سنة تحوي الكافيار على قائمة الأكلات المقدمة في الحفلة.
وتقول الشركات المصدرة للكافيار أنه يوجد حاليا طلبات من كل أنحاء العالم تصل إلى 350 طن يوجد منها الآن 200 طن حول العالم، بما فيها روسيا التي تملك فقط 110 طن فقط، مما يعني أن العالم سيستهلك كل الكافيار الموجود حاليا وسيدخل القرن الجديد بدون كافيار _ ماعدا 3000 كيلوجرام سمح لروسيا بتصديرها سنويا _ إلا إذا تغير شئ في الاتفاقية الدولية.
هذا طبعا يعني المزيد من الغلاء والندرة والنجومية للكافيار، الأمر الذي سيجعله مثل الألماس تماما كما يقول أحد منتجي الكافيار.
قد تفاجأ بأن سعر كيلو الكافيار حاليا في السوق العالمي هو 9900 ريال سعودي _ كان سعره العام الماضي 7260 ريال _ وأن سعره في المطاعم التي تقدمه يصل إلى 840,15 ريال، لكن هذا السعر على غلائه سيصبح من أمنيات الماضي مع دخول القرن الحادي والعشرين، حيث يتوقع أن يصبح سعر الكيلو الواحد من الكافيار حوالي 115,500 ريال سعوديK أي أنك ستحتاج ربع مليون ريال لشراء كيلوين من الكافيار!!.
السؤال البديهي الذي يأتي هنا: لماذا ينقرض الكافيار؟ ولماذا لا يتم تنمية هذه الأسماك المنتجة لبيض الذهب في مزارع السمك وينعم العالم كله بالكافيار على الفطور كل صباح؟
الجواب ببساطة، أن سمك الحفش يحتاج إلى أن يعيش من سبعة إلى عشرين سنة قبل أن يبدأ بإنتاج البيض الذي يمثل الكافيار اللذيذ.
بالنسبة لسمك «بيلوجا»، والذي يعتبر إنتاجه من الكافيار الأغلى على الإطلاق، فإن أعمار بعض الأسماك المصطادة تصل إلى 300 عاما، ويبلغ وزنها بعد بلوغها حوالي 1000 كيلوغرام.
محاولات عديدة حصلت في الولايات المتحدة وأوروبا لتنمية سمك الحفش في بحيرات صناعية، ورغم الانتظار الطويل فإن المنتج لم يكن أبدا كطعم الكافيار الأصلي الذي يبقى الحلق عبر السنين.
الكافيار أيضا مكلف في عملية استخراجه وتخزينه ونقله، لأنه يتفاعل مع أي معدن من حوله بما يلغي طعم الكافيار الأصلى ويجعله مختلطا بطعم المعدن، كما أن تعرضه للهواء لفترات طويلة يفسد طعمه أيضا، فضلا على أن بيض الكافيار يتكسر بسهولة، وإذا تكسر ساء طعمه أيضا، ولذا فإن تصدير الكافيار عملية مكلفة تزيد من غلاء سعر الكافيار وتجعله دائما محصورا في الطبقات الغنية.
أضف إلى ذلك أن المقاطعة الاقتصادية المفروضة على إيران من قبل الولايات المتحدة والذي حرم الأسواق الأمريكية من الإنتاج الإيراني من الكافيار وزاد أسعار الكافيار بعد أن أصبح الجميع تحت رحمة المنتج السوفييتي إلى عام 1990.
متذوقو الكافيار في أمريكا دائما يتحسرون على الكافيار الإيراني لكونه أفضل أنواع الكافيار على الإطلاق، وذلك لأن المنطقة الإيرانية من بحر قزوين هي الأعمق والأبرد والأنظف، وهذا يجعل سمك الحفش فيها الأفضل وبيضه الألذ.
أحد الكتاب الأمريكيين يقول، بأن ملعقة من الكافيار الإيراني، ويسمى بسيفروجا وهو أصغر أنواع الكافيار، هي واحدة من أعظم متع الحياة على الإطلاق.
هذه المتعة موجودة في السوق الحرة بمطار باريس الدولي، وزائرو باريس ممن يملكون المال والذوق الرفيع يجب ألا يفوتهم التقاط شئ من الكافيار الإيراني قبل مغادرتهم لفرنسا.
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي تعدد منتجو الكافيار وزاد العرض، ولكن ميزان الطلب تضاعف أيضا منذ عام 1991 إلى الآن، وهكذا بقي الكافيار غاليا، أو بمعنى أصح في مسيرة غلاء يتزايد كل عام أثناء التسعينات الميلادية، ثم جاءت الاتفاقية الدولية هذه لتقصم الظهور وتزيد السعر أضعافا مضاعفة.
الأمل الوحيد للعالم يكمن في تطور بعض التقنيات التي تساعد على اصطياد سمك الحفش وتخديره ليتم استخراج البيض منه ومن ثم إعادة السمك إلى بحر قزوين، بحيث يقلل هذا من تسارع انقراض هذا النوع من السمك، مما سيعني في النهاية رفعه من قائمة الكائنات المعرضة للانقراض وعودة تجارة الكافيار للازدهار.
المشكلة الوحيدة حتى الآن في هذه التقنيات أن الكافيار المنتج بهذه الطرق التكنولوجية لا يتوفر له من المميزات المتوفرة للكافيار الأصلي.
حتى ذلك الحين سيبقى على العالم التحسر على أيام الكافيار الجميلة وانتظار الفرج ..!
* نُشر في مجلة اليمامة السعودية