علم التجسس على سكان الكواكب الأخرى وانتظار قدومهم!!

من قسم منوعات
الخميس 25 نوفمبر 1999|

إذا كنت قد شاهدت فيلم الخيال العلمي الأمريكي القديم Contact، والذي تفاجأ فيه العالمة الفلكية التي تمثل دورها جودي فوستر، بسماع إشارات مرسلة من الفضاء على جهاز الراديو الخاصة بها، إذا كنت قد شاهدت هذا الفيلم فلك أن تعرف الآن أن الأمر لم يعد خيالا علميا وأن هناك عدد كبير من العلماء والمؤسسات الفلكية في أمريكا التي قررت أن تضع أجهزة للتصنت بانتظار أن يرسل سكان الكواكب الأخرى الباحثون عنا إشارات تدل على وجودهم بحيث يمكن استقبالها والرد عليها في نفس الوقت!!.

لكن الأمر لا يقتصر طبعا على الراديو، كما يقول الفيزيائي الأمريكي الشهير، فريمان دايسون، بأكاديمية العلوم المتقدمة بجامعة برينستون، بل إنه يجب الاستعداد بكافة وسائل الاتصال الممكنة، لأننا لا يمكننا طبعا التنبأ بالوسيلة التي سيعمل سكان الكواكب على استعمالها، وخاصة مع التوقع أن سكان هؤلاء الكواكب على الغالب متقدمون علميا بمئات السنين على سكان الأرض.

هؤلاء حسب علماء الفلك وفيزياء الفضاء قد يرسلون خيوطا من الضوء اللامع أو أشعة من الليزر أو غيرها.

والأمر ليس هزلا أو مجرد تمضية وقت يمارسه البعض في أوقات الفراغ بينما العالم مازال يعيش في الجوع والأمراض والحروب، هذه الجهود منظمة بدأت قبل حوالي أربعة عقود من الزمن ويطلق على هذه الجهود اسم SETI، وهي الحروف الأولى من جملة إنجليزية تعني «البحث عن الذكاء خارج الأرض».

في الماضي كان الاعتماد بالكامل على إشارات الراديو، حيث نصبت أجهزة راديو متقدمة جدا بحيث يمكنها أن تلتقط أي إشارات كهرومغناطيسية في الفضاء، كما تقوم أيضا بإرسال إشارات كهرومغناطيسية منتظمة إلى الفضاء أملا في أن يلتقطها سكان الفضاء ويردوا عليها، لكن نصب أجهزة الراديو هذه أوقع المجتمع العلمي في عدد من المقالب حين التقطوا أصواتا طبيعية من جو الأرض وظنوا أنها قادمة من الفضاء، ولذا بدأ الفيزيائي، باول هورويتز، الأستاذ بجامعة هارفارد الشهيرة، بالتفكير في أسلوب آخر وهو أشعة الليزر.

خلال ثلاثة أشهر وبتكلفة عشرين ألف دولار فقط، قام هورويتز، مع فريق علمي، ببناء جهاز بحجم استيريو تقريبا تم ربطه مع تلسكوب خاص بجامعة هارفارد، بحيث يقوم الجهاز برصد وإرسال أشعة الليزر أثناء عمل التلكسوب الاعتيادي في الدراسات الفلكية.

الجهاز قادر على رصد أي أشعة ضوء أو ليزر اصطناعية تنطلق ولو لجزء واحد من مليون جزء من الثانية، لمراعاة فوارق التوقيت بين كوكب الأرض والكواكب الأخرى!.

منذ أن بدأ تلسكوب هارفارد، بنشر أعماله اليومية على الإنترنت في شهر أكتوبر الماضي، قام التلسكوب بدراسة أكثر من ألفي شمس في المجموعات الشمسية والمجرات الأخرى، إلا أنه خلال تلك الفترة تم رصد القليل جدا من الأضواء التي مايزال التحقيق العلمي فيها جاريا، وإن كان الفلكيون يقولون بأنها على الغالب إحدى الإشعاعات الصادرة عن هذه الكواكب.

مثل هذه الجهود كثير في أمريكا، في جامعة برينستون، سيقوم الفيزيائي دافيد وليكنسون، برصد النجوم القريبة بجهاز مماثل للذي صنعته هارفاد.

وفي جامعة كاليفورنيا ببيركلي، سيقوم الباحث جيوف مارسي، والذي يسمى بصياد الكواكب الأخرى، بفحص عدد من أشعة الضوء المتصلة التي أمكن التقاطها من الفضاء على أجهزة لالتقاط الأشعة الضعيفة.

وفي جامعة كاليفورنيا أيضا، يقوم فريق علمي آخر متخصص في متابعة سكان الفضاء، ويرأسه أحد أقدم المتخصصين في هذا المجال دان ويرتهيمر، والذي يقوم حاليا بتحليل داتا علمية تتضمن سلسلة من الملاحظات المرصودة إلكترونيا من 2500 كوكب محيط بالأرض، وبدأ فريق ويرتهيمر، بالبحث عن الأضواء غير المرئية بالعين المجردة الصادرة عن الكواكب الأخرى.

ويرتهمير، قال في تصريح صحفي بأن العمل على متابعة العوالم الأخرى مهم، لأن هؤلاء الناس قد يكون لديهم ما لا نحلم بامتلاكه أبدا من التقدم العلمي الخارق للعادة.

على المستوى التجاري، توجد عدة شركات التي تنفق حوالي ثلاثين ألف دولار سنويا من فوائض ميزانياتها لرصد أنشطة من هذا النوع، ويقدر عدد هذه الشركات بحوالي عشرين شركة في أمريكا، ولعل أطرف الأنشطة في هذا المجال ما ستقوم به شركة فضائية اسمها «بورتوريكو ساتلايت دش»، والتي وقعت عقدا مع «شبكة تلفزيون الألفية»، والتي ستبث احتفالات العالم بدخول العام 2000 على عدد كبير من المحطات التلفزيونية حول العالم بما فيها محطات عربية.

الشركة الفضائية ستقوم ببث البرنامج عبر الفضاء في اتجاهات عدد من المجموعات الشمسية على ذبذبات تطلق لمرة واحدة وتمضي لمدة تقدر من 1000 إلى 100,000 سنة ضوئية في مختلف الاتجاهات، على أمل أن يلتقط سكان الكواكب الأخرى هذه الذبذبات ويروا بثا حيا على الهواء لاحتفالات سكان كوكب آخر بدخول العام 2000، والتي قد لا تمثل شيئا من عمر سكان كوكب آخر يزيد عمر حضارتهم عن مئات ملايين السنين، حسب ما يقول المتخصصون في هذا المجال.

الأمر الطريف جدا سيكون التعرف على آثار ضوئية لحضارة فضائية قد زالت قبل ملايين السنين، ولكن لأن هذه الكواكب تبعد مئات ملايين السنين عن كوكب الأرض، فإن الضوء سيأخذ وقتا طويلا حتى يصل إلينا وسيأخذ الرد على هذا الضوء مئات ملايين السنين الضوئية الأخرى لنجد أن الكوكب قد زال تماما أو غير مساره الفلكي!!

لماذا كل هذه الجهود التي تبدو غريبة بالنسبة لنا وبلا أي فائدة؟

إنه باختصار الإمعان في التخصص الدقيق والعمل المكثف على النجاح في تحقيق جديد على مستوى هذا التخصص الدقيق والترف العلمي والفوائض المالية في ميزانيات الشركات والمؤسسات الأكاديمية الأمريكية التي تمكنها من تمويل مثل هذه البرامج.

ولأن هناك آلاف الناس في أمريكا مهووسون إلى العظم بملاحقة الفضاء ومتابعته عبر تليسكوباتهم ولهؤلاء منظماتهم وجمعياتهم واحتفالاتهم العديدة وحتى محطات الإذاعة الخاصة بهم أيضا!!

* نُشر في مجلة اليمامة السعودية