كان المسلمون التتار هم أكثر من عانى من اضطهاد الدكتاتور الروسي ستالين، إبان الثورة الشيوعية قبل أكثر من خمسين عاما.
في يوم 18 مايو 1944، اتهم ستالين، التتار، بالتعاون مع الحكم النازي الألماني، وهي تهمة لا توجد أي أرضية تدعمها حتى اليوم، وطلب منهم الرحيل مباشرة من بلادهم والتي تدعى «كريميا» في دولة أكرانيا اليوم.
في تلك الليلة، هاجر 200,000 تتاري مسلم من أراضيهم وبيوتهم مستعملين عربات يجرها البقر نجاة بأرواحهم من أمر القتل الذى جرى عليهم، وبالفعل لم يبق تتاري واحد في بلاد الكريميان، ولكن نصف هؤلاء المهاجرين تقريبا ماتوا على الطريق، ونجا النصف الآخر مع وصولهم لأزبكستان أو سيبيريا، في مأساة نادرة من نوعها تنضم لحلقة المآسي التي مر بها المسلمون في قرننا العشرين ومازالت تحتاج لمن يؤرخ لها ويوثقها.
بعد تسع سنوات من سقوط الشيوعية، مازال المسلمون التتار يعانون، فدولة أكرانيا التي استقلت عن روسيا والتي قامت أصلا على سكان روس أحضرهم النظام الشيوعي القديم ليعيشوا بدلا من التتار في بيوتهم وأراضيهم، لم ترض حتى الآن بالاعتراف بالتتار المسلمين وبعودتهم لمقاطعة «كريميا».
يوجد حاليا في «كريميا» حوالي 81 ألف تتاري مسلم يعيشون كأجانب في أراضيهم، 65 ألفا من هؤلاء يحملون الجنسية الأوزبكستانية، و15 ألفا منهم يعيش بلا جنسية، بينما تمكن فقط 7 آلاف منهم في أواخر العام الماضي من الحصول على الجنسية الأوكرانية.
هناك 18 ألف تتاري مازالوا خارج المنطقة ويحاولون العودة إليها، التتار الحاليون يشكلون فقط 5.12% من سكان منطقة «كريميا» التي يزيد عدد سكانها عن 3.2 مليون نسمة، ولأن النظام في المنطقة يقوم على الانتخابات التي يصوت عليها المواطنين فقط، فهذه النسب الضئيلة لم تمكنهم من الحصول على أي حقوق لهم تجعل الحياة في الإقليم الذي تم ترحيلهم منه قبل 50 عاما مناسبة لأشخاص مسلمين يريدون العودة لبلادهم.
هذا حرم التتار من الفوز حتى لو بمرشح واحد يمثلهم في مجلس المقاطعة، فضلا عن برلمان دولة أوكرانيا.
التتار حاولوا بذل جهود على المستوى السياسي بحيث يسمح لهم بالمشاركة في انتخابات عام 1998 بالرغم من أنهم غير مواطنين، وهذه الجهود استعطفت الرئيس الأوكراني ليوجه خطابا رسميا يطالب بالسماح لهم بذلك، إلا أن هذا لم يسفر عن شئ.
لك أن تلاحظ أن المأساة ليست ببعيدة وأن هناك أناس كثيرون من التتار ولدوا قبل عام 1944، وهؤلاء يتجولون في بلداتهم يرون بيوتهم وأراضيهم يسكنها أشخاص آخرون يعتبرون مواطنون في المنطقة، بينما هم يعتبرون أجانب عن البلد تساوى حقوقهم بحقوق أولئك الذين جاءوا لأجل العمل أو الدراسة.
قبل سبعة أشهر، رجب 1419هـ، اجتمع حوالي 200 شخصية من قادة التتار المسلمين في مؤتمر لـ«الحركة الوطنية لتتار كريميا».
الحركة، كما يقول قائدها محمد مشخدوف، تحاول استعمال الوسائل السياسية المشروعة للمطالبة رسميا بمنح الاستقلال الذاتي لمقاطعة «كريميا»، وبأن تعترف دولة أوكرانيا بالوضع غير القانوني لـ”كريميا”، وأن هؤلاء سكانها الأصليين الذين يحق لهم العودة لبلادهم كمواطنين، كما يطالب روسيا بأن تساعدهم على تحقيق مطلبهم هذا بحكم مسؤوليتها التاريخية عما حدث لهم وبحكم تأثيرها السياسي القوي على أوكرانيا.
في مطلع شهر رمضان، تجمع أكثر من 3000 تتاري أمام «مجلس كريميا الأعلى»، مطالبين بالمزيد من الاهتمام بقضاياهم المنسية بحيث يعطون حق المواطنة في بلادهم، ويعطون نسبة معينة ومحددة في برلمان المقاطعة، وبأن يسمح لهم باستعمال اللغة التتارية كلغة رسمية ثانية للبلاد بالإضافة للغة الأوكرانية.
وضع التتار مختلف تماما عن وضع الشيشان الذين استطاعوا الحصول على الاستقلال بدمائهم، التتار في أوكرانيا استطاعوا أن يضمنوا مكانا للعيش في بلادهم، ولكن لهؤلاء حقوق ضائعة يستحقونها، لهؤلاء الحق في دعم الدول الإسلامية لهم في قضيتهم ودعم المنظمات الإسلامية الدعوية والإغاثية لتعليمهم الإسلام بعد سنوات طويلة من الجهل المفروض عليهم بواسطة النظام الشيوعي، ولمساعدتهم على الحصول على منازل ومعيشة كريمة لهم حتى يمكن إيجاد حل لهم.
أخيرا هؤلاء لهم الحق في أن تكتب قصتهم وأن تتابع قضيتهم إذا كان هذا أقل الممكن في عصرنا هذا.
* نُشر في مجلة اليمامة السعودية