يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من سبعة ملايين مسلم، تواجههم ظروف العيش وتحقيق احتياجاتهم ومصالحهم كأقلية إسلامية وسط مجتمع متميز من نوعه في عاداته وآلياته الثقافية وتنوعه الواسع وتناسق مختلف مؤسساته الاجتماعية والتعليمية والإعلامية والسياسية لتصب كلها في إطار النظرية الديمقراطية والرأسمالية والحرية الفردية.
السؤال الذي يطرح نفسه أمام هذه الأقلية أنه بعد ثلاثين سنة تقريبا من النمو السريع للمسلمين في أمريكا، ما هو المستقبل الذي ينتظرهم؟
نبدأ برأي د. روبرت كرين، مستشار العلاقات الخارجية السابق بالبيت الأبيض الأمريكي، ومدير تحرير «دورية شؤون الشرق الأوسط»، ورئيس مركز أبحاث السياسة العامة، والذي اعتنق الإسلام قبل عدة سنوات، وله مشاركته البناءة والمتواصلة في خدمة الجالية الإسلامية في أمريكا.
يقول د. كرين، معقبا على قضية توقع المستقبل، بأن التوقعات المستقبلية ينفق عليها حوالي مليار دولار في أمريكا سنويا، والتي يستفيد منها عادة الشركات الخاصة والكونجرس الأمريكي والوكالات الحكومية المختلفة بما فيها وزارة الدفاع والخارجية ووكالة المخابرات المركزية.
ويضيف د. كرين، بأن هذه التوقعات تتم عادة من خلال قراءة النتائج التي تأتي بها أجهزة الكمبيوتر، والتي تغذى بكافة المعلومات ذات العلاقة بالقضية التي يراد توقعها، ولكن المشكلة في هذه التوقعات أنها لا تأخذ في حسابها العوامل التي لا يمكن ترجمتها لأرقام، والتي تسمى بـ«العوامل الناعمة» مثل قضايا الهوية والقضايا الروحية والإنسانية المختلفة.
لقد أشرفت مرة على التعامل مع توقعات أهم عشر مؤسسات في هذا المجال ووجدناها كلها تعاني من نقاط ضعف رئيسية.
هذا بالإضافة أن الغيب أمر لا يعلمه إلا الله، عز وجل، وأن كل توقعاتنا هي قضايا قائمة على الاحتمالات البحتة المنطلقة من خلال المعلومات التي نملكها الآن.
ويقول د. كرين: لا أرى مانعا في توقعي لمستقبل الإسلام في أمريكا من رؤية الإسلام منتشرا في المجتمع الأمريكي، وذلك لعامل مهم وهو تطابق الكثير من رؤى «الآباء المؤسسين» للدستور الأمريكي والذي صيغت الكثير من قيم المجتمع الأمريكي على أساسه مع اجتهادات الفقهاء المسلمين في مختلف القضايا القانونية وغيرها.
ولكن انتشار الإسلام في أمريكا سيبقى بالدرجة الأولى مربوطا تطور مستوى قيادة الجالية المسلمة في أمريكا وقدرتها على دمج الجالية المسلمة في المجتمع الأمريكي.
وينبغي هنا ملاحظة أن الدمج لا يعني الذوبان، بل هو العكس تماما، لأن الذوبان يعني التخلي عن الإسلام والمسؤولية الإسلامية، بينما الدمج هو أخذ مكان بارز في الثقافة الأمريكية وسياستها من خلال نشر رأي الإسلام وعلاجه لمختلف المشكلات التي يعاني منها المجتمع الأمريكي.
لقد بدأت أمريكا في الأساس بقانون يحاول حماية مبادئ العدل والحرية وغيرها، والتي كانت مضطهدة في أوروبا التي هرب منها المهاجرون إلى أمريكا.
ولكن هذا تحول مع الزمن إلى أن تصبح أمريكا مسيطر عليها من خلال الديمقراطية العلمانية يسيرها حكم الأغلبية ويسيطر عليها القوى الأساسية في الدولة ذات المصالح الخاصة.
المسلمون تقع عليهم المسؤولية في إحضار المبادئ الإسلامية للضوء، والتي تعالج مثل هذه القضايا وهذا في رأيي خير وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله.
المشاركة في السياسة العامة
في رأي د. جون اسبوزيتو، رئيس مركز التفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورج تاون الأمريكية، الجيل الجديد من الشباب المسلمين الأمريكيين، والذين كانوا قد ولدوا في أمريكا بعد أن هاجر آباؤهم إليها، سيعيدوا صياغة واقع الجالية المسلمة في أمريكا بشكل جذري.
ما يميز هؤلاء، حصول كثير منهم على درجات علمية متقدمة في مختلف المجالات من جامعات أمريكية، وفهمهم الذي لم يتاح لآبائهم للمجتمع الأمريكي ومؤسساته وأحيانا مشاركتهم الفعالة في أنشطة هذه المؤسسات.
هذا النشاط في المجالات العامة في أمريكا هو حاليا محل دراسة لمركز التفاهم الإسلامي المسيحي، بدعم من وقف «بيو» الأمريكي المتخصص في تشجيع مشاركة مختلف فئات الشعب الأمريكي في السياسة العامة.
د. اسبوزيتو، يشير إلى مشكلة أيضا تتواجد في أوساط الجيل الجديد، وهو أن ضغط المجتمع الأمريكي ذي القيم المخالفة للتعاليم الإسلامية وحرص هؤلاء الشباب المسلمين على هويتهم من الضياع وسط ضغط الأكثرية غير المسلمة يجعلهم يتطرفون كمسلمين ويقل عندهم نسبة التسامح ليس ضد غير المسلمين فقط، بل ضد المسلمين المعتدلين أيضا الذين يخالفونهم الرأي.
ويشير اسبوزيتو، أن هؤلاء عادة يصدرون الفتاوى والآراء مستندين على مستوى بسيط من العلم الشرعي فقط.
هذا يجعل د. جون اسبوزيتو، يقول بأن واحد من أهم التحديات التي ستواجه المسلمين في المستقبل هو القدرة على الاندماج في الموزاييك الأمريكي بدون التضحية بالهوية والتعاليم الإسلامية، والاندماج وليس الانعزال هو الطريق الصحيح للتعامل مع هذا التحدي.
ويذكر د. اسبوزيتو، أن جزءا هاما من مستقبل الإسلام في أمريكا يأتي من قدرة الإسلام على تقديم ما هو مهم للمجتمع الأمريكي ومن ذلك الإيمان القوي الذي لا يقبل التنازلات بالله، عز وجل، ومقاييس الإسلام الاخلاقية العالية، والتركيز على المسؤولية الأخلاقية، والعدل الاجتماعي وقيم الأسرة.
ويشارك علماء الإسلام رجالات الأديان الأخرى في أمريكا القلق من الآثار السلبية للعلمانية والمادية والفردية بالإضافة لتركيزهم على أهمية تواجد الدين في المجتمع.
ويمكن الإشارة هنا إلى أن عاملا مهما من عوامل النظر إلى مستقبل الإسلام في أمريكا هو التغطية الإعلامية للمسلمين في أمريكا، والذي يقول د. جون اسبوزيتو، أنه في بعض المجالات يتحسن، حيث يوجد الآن تغطية أفضل للحياة اليومية للمسلمين في أمريكا وشعائرهم الدينية، مثل رمضان والحج وحياة الأسرة المسلمة والأعياد والقضايا التي تواجه الجالية المسلمة في أمريكا، وأضف إلى ذلك تغطية الإعلام الأمريكي للقضايا الإسلامية الدولية مثل البوسنة والشيشان والتي أصبحت أكثر عمقا ومعلوماتية.
لكن بالرغم من هذا التحسن عن السابق، فإن تغطية قضايا المسلمين على المستوى الدولي وأحيانا على المستوى المحلي “داخل أمريكا”، مازالت تعاني من رغبة الإعلام في الحصول على العناوين المثيرة، كما تعاني من جهل معظم الإعلاميين الأمريكيين بالإسلام وقلة معلوماتهم عن الدول والثقافات الإسلامية التي يكتبون أخبارا عنها.
النشاط السياسي
من جهته ركز د. أحمد يوسف، رئيس مركز الدراسات والبحوث المتحدة بالعاصمة الأمريكية واشنطن، على أثر النشاط السياسي للجالية المسلمة في أمريكا على مستقبلها كجالية.
وأشار د. أحمد يوسف، على الحيرة التي تصيب المسلمين عند مرور كل انتخابات أمريكية حول موقفهم من هذه الانتخابات: لمن يصوتون؟ وما هو الحزب الذي يفترض عليهم تأييده؟ وغير ذلك من الأسئلة، علما أنه حتى الآن لم يحصل أن دعمت المؤسسات الإسلامية حزبا أمريكيا معينا، إلا في حالة دعم المجلس الإسلامي الأمريكي للرئيس بيل كلينتون، في انتخابات عام 1996.
من الأسئلة الأخرى، ما هي القضايا التي علينا أن نصوت من أجلها؟ ما هي أهدافنا وما أولياتنا؟ وما هي المجموعات التي يمكنها قيادتنا؟
الجواب لدى الدكتور أحمد يوسف، هو حاجة الجالية الإسلامية لإيجاد آلية سياسية يمكن خلالها تنظيم جهود الجالية بشكل متناسق.
هذه الحاجة هي ما يتحدث عنها المسلمون باسم «الوحدة الإسلامية»، ولا تعني الوحدة الإسلامية اتفاق الجميع على رأي واحد، لأن هذا مستحيل وغير مطلوب في ديننا الإسلامي.
ويضيف د. أحمد يوسف، أن المسلمين لا يستطيعون تقليد النموذج الذي سارت عليه الجالية اليهودية أو الجالية الإيطالية في أمريكا، لأن فيه عناصر محرمة شرعا، ولذا فهم يحتاجون نموذجهم الخاص المتفق مع طبيعتهم الدينية الخاصة، وهنا تبدو الصعوبة والتحدي، وهو إيجاد العناصر من الدين الإسلامي التي يمكن نقلها إلى المجتمع الأمريكي، وخاصة أن بعض المسلمين مازال يعتقد أن المشاركة في النظام السياسي يعني الموافقة على كل تصرفات النظام السياسي في أمريكا وهذا بالطبع غير صحيح.
مبادئ العدل والمبادئ الأخلاقية التي يتمسك بها المسلمون في أمريكا ستثبت في النهاية فعاليتها في دفع الجالية الإسلامية إلى الصفوف الأمامية في العمل السياسي في أمريكا.
* نُشر في مجلة اليمامة السعودية