«تقرير ستار» أصبحت كلمة السر الشائعة على كل لسان.
لا يحتاج أحد أبدا أن يعطي أي معلومات عن التقرير لأنه أصبح المعلومة الأكثر انتشارا في العالم خلال ساعات قليلة فقط.
ربما كان هذا التقرير هو أول تقرير في التاريخ بهذا الحجم والأهمية السياسية والقانونية تتداوله كل الألسنة بعد ساعات فقط من إتاحته للناس، لكن هذا الحدث أيضا وصل أيضا بتاريخ المعلومات والإعلام إلى ذروة لم يصلها من قبل.
في الأصل يمثل «تقرير ستار»، ثمرة المعلومات والشهادات والتحقيقات التي قام بها المحقق المستقل الأمريكي، كينيث ستار، حول علاقة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، بمونيكا لوينسكي.
بدأت التحقيقات حين تقدمت موظفة سابقة بمكتب حاكم ولاية أركنساس _ والذي كان الرئيس كلينتون نفسه _ بدعوى قانونية ضد الرئيس كلينتون، تقول فيها إنه تحرش بها جنسيا في فندق بآركنساس لمّا كان حاكما للولاية، وأنها عوقبت بعد ذلك على رفضها للانصياع لرغبات الحاكم بنقلها من عملها إلى وظيفة أقل أهمية.
الدعوى صدر فيها قرار قضائي بتأجيل البت فيها حتى تنتهي الفترة الرئاسية للرئيس كلينتون، لكن لأن هناك عدد كبير من أعداء الرئيس كلينتون، في الحزب الجمهوري المنافس لحزب كلينتون، الديمقراطي، فقد تبرع هؤلاء الأعداء بمبالغ ضخمة ساعدت الموظفة واسمها بولا جونز، على التقدم باستئناف للمحكمة العليا، والتي قررت فتح التحقيقات من جديد، وأن القرار القضائي السابق بتأجيلها لم يكن قانونيا.
واحدة من أعداء الرئيس كلينتون، واسمها ليندا تريب، وهي موظفة بوزارة الدفاع الأمريكية، كانت صديقة لمونيكا لوينسكي، الموظفة الجديدة بوزارة الدفاع الأمريكية بعد قضاءها لفترة ما متدربة في البيت الأبيض.
مونيكا، حكت لتريب، تفاصيل علاقاتها الجنسية مع الرئيس كلينتون، وقامت تريب، بتسجيل كل هذه التفاصيل بالتنسيق مع جهاز التحقيق الفدرالي FBI، بدون علم مونيكا طبعا. محاموا بولا جونز، اطلعوا على القصة، كما اطلع عليها المحقق المستقل كينيث ستار، والذي كان قد بدأ التحقيق بأمر من المدعي الأمريكي العام في قضية أخرى مرتبطة بفضائح مالية للرئيس كلينتون، وزوجته هيلاري، اسمها «وايت واتر».
فريق بولا جونز، قرر استخدام القضية ضد الرئيس كلينتون، لإثبات أن الرئيس كلينتون، لديه نمط سلوكي يتضمن إقامة علاقات جنسية مع موظفيه وخيانة زوجته.
عندما طُلب الرئيس كلينتون، للاستجواب في قضية جونز، فوجئ كلينتون، بسؤاله عن قضية لوينسكي، فنفى وقتها تماما أي علاقة جنسية مع مونيكا، بل إنه نفى أيضا أنه يتذكر أنه خلا بها في أي مرة من المرات.
هذا النفي جاء من الرئيس كلينتون، بعد أن أقسم عند التحقيق معه على قول الحق، والكذب تحت القسم جريمة في القانون الأمريكي، مما جعل كينيث ستار، يطير بالقضية إلى المحكمة العليا ليحصل على الإذن بالتحقيق في القضية.
حين ذلك بدأ الحدث الذي شغل الإعلام والوسط السياسي الأمريكي خلال فترة ثمان أشهر، وخاصة أن البيت الأبيض الأمريكي لجأ لاستخدام أساليب قانونية وسياسية عديدة وجديدة من نوعها لتأجيل التحقيقات وعرقلتها وفي نفس الوقت لمهاجمة ستار، والقول بأنه ينطلق بعدوانية ضد البيت الأبيض، لأنه يكره الرئيس شخصيا بحكمه جمهوري.
ستار، بالمقابل كان قويا واستطاع رغم كل شئ أن ينتصر في معركته مع البيت الأبيض، وأن يقنع مونيكا لوينسكي، بتقديم اعترافات كاملة مقابل الحصول على قرار قضائي بإعفاءها من كل العقوبات القانونية السابقة المترتبة عليها، لأنها هي أيضا كذبت تحت القسم حول علاقتها مع الرئيس كلينتون.
في اللحظة الأخيرة استطاع ستار، وضع الرئيس الأمريكي في زاوية ضيقة ليجبره على المثول أمام المحكمة وهيئة المحلفين والإجابة على أسئلتهم، الأمر الذي حدث لأول مرة في التاريخ الأمريكي لرجل في منصب الرئيس.
كلينتون، من خلال دائرة تلفزيونية مغلقة متصلة بين البيت الأبيض والمحكمة، اعترف بعلاقته الجنسية مع لوينسكي، ولما بدأت الأحداث تتفجر مع تسرب معلومات للإعلام حول هذا الاعتراف، والذي يفترض أن يبقى سريا شأن كل سير أعمال التحقيق، خرج الرئيس كلينتون، على الملأ، ليعترف بعلاقته الجنسية بلوينسكي، وليضع الآلاف من أنصاره الديمقراطيين في وضع صعب حرج لا يحسدون عليه، وهم الذين كانوا يسافرون من مكان لآخر مدافعين عن الرئيس وبراءته مصرين على أن هناك مؤامرة كبيرة ضده لتدميره شخصيا.
هل يجب أن يعزل الرئيس أو يستقيل؟
كان الجميع يجيب بأن الجواب لا يصبح ممكنا، إلا بعد الاطلاع على التقرير النهائي للمحقق المستقل كينيث ستار، وجاء هذا التقرير أخيرا في 62 كرتونا انتقلت من مكتب ستار، إلى الكونجرس الأمريكي.
لأن انتخابات مجلس النواب الأمريكي على الأبواب، ولأن استطلاعات الرأي كانت تثبت مرة بعد أخرى وجود دعم هائل للرئيس كلينتون، بين طبقات الشعب الأمريكي، وبالمقابل وجود طبقة ضخمة (أقل نسبة من المؤيدين) يعتقدون أن كلينتون، لابد من فصله أو اعتزاله، الأمر الذي كان يحير أعضاء الكونجرس حول القرار الذي يجب عليهم اتخاذه، قرروا بالأغلبية الساحقة السماح للناس بالاطلاع على التقرير كاملاً دون الوثائق الملحقة به، ليصلوا بذلك إلى نتيجة أكثر قربا من الرأي الشعبي الجديد.
الجديد الذي جاء هذه المرة وغيّر طبيعة الحدث جذريا ليصل إلى قمة تاريخية غير مسبوقة، مخترع اسمه «الإنترنت».
بسبب الإنترنت أصبح لكل إنسان على وجه الأرض القدرة بعد ساعات من قرار الكونجرس على الاطلاع على محتويات التقرير بالكامل من خلال أزرار الكمبيوتر. بعد دقائق من وضع التقرير على موقع الكونجرس الأمريكي، نقلته عشرات المواقع ذات الشعبية الواسعة إخباريا مثل موقع شبكة «سي إن إن» وجريدة «واشنطن بوست» وشبكة «إن بي سي»، ليصبح متاحا للناس على مواقعها أيضا.
في تلك الساعات الأولى، حصل تدفق رهيب للناس على شبكة الإنترنت، إلى حد أن موقع «سي إن إن» وحده كان يزوره حوالي أربعمائة ألف شخص في الساعة الواحدة.
نسبة إمكانية دخول موقع ما تدهورت من 98% إلى 13%، وبينما كان فتح صفحة بمودم سريع يأخذ 10 ثواني صار يأخذ في ذلك اليوم 55 ثانية، كان ذلك «رسميا» هو اليوم «الأزحم» في تاريخ شبكة الإنترنت.
النتيجة أن الفرد الأمريكي الغارق تماما في العيش في تفاصيل حياته اليومية وتخصصه الوظيفي وهواياته الشخصية، صار عارفا بتقرير ستار، وتفاصيل فضيحة الرئيس كلينتون، الاحصائيات تقول أن حوالي خمس الشعب الأمريكي تقريبا مازال جاهلا تماما بتقرير ستار، وبقضية الرئيس كلينتون كلها!!.
أيضا؛ أتيح لكل إنسان على وجه الأرض أن يشارك الشعب الأمريكي «حظ» الاطلاع على محتويات التقرير، والحكم على الرئيس الأمريكي، والمشاركة في النقاشات الحية في شبكة الإنترنت حول القضية.
أيضا؛ كانت النتيجة الأكثر مرارة بالنسبة للبيت الأبيض أن العالم صار قادرا على الاطلاع على تفاصيل ودقائق علاقة رئيس أقوى دولة في العالم الجنسية بموظفة لديه.
التقرير يصف بدقة، وكأنك تقرأ رواية غرامية إباحية، ما فعله الرئيس كلينتون، مع لوينسكي، حسب رواية لوينسكي، لليندا تريب، في المكالمات الهاتفية، وحسب شهادتها أمام المحكمة لاحقا تحت القسم والتي لم يستطع _ وربما لم يحاول _ البيت الأبيض أن يثبت وجود أي أخطاء فيها.
حسب التقرير الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون، مارس العلاقة الجنسية المحرمة مع المتدربة مونيكا لوينسكي، أكثر من عشر مرات، وذلك داخل مكتبه الرئاسي البيضاوي، أو أحد غرف البيت الأبيض، وفي وقت الدوام الرسمي، وبأساليب قد ينظر لها معظم الناس في العالم على أنها أساليب شاذة وغير مقبولة حتى جنسيا، مما لا يمكن الخوض فيه على صفحات هذه الجريدة.
كلينتون، حسب التقرير، وعد مونيكا، بعلاقة أكثر قربا منها كزواج مثلا بعد انتهاء فترة رئاسته الثانية، إلا أنه قرر فجأة إنهاء هذه العلاقة، وإبعاد مونيكا لوينسكي، من البيت الأبيض، والبحث عن عمل مجزي لها.
مونيكا، تقول بأنها عشقت كلينتون، وأصيبت بإحباط شديد لمّا فوجئت بطردها من البيت الأبيض، وتهرب الرئيس من مكالماتها، وبكت كثيرا أمام مسؤولي البيت الأبيض طالبة عدم نقلها لوزارة الدفاع، ولجأت بعد ذلك إلى صديقتها لندا تريب، لتشكو لها ولكن الصديقة كان لها رأي آخر لتفجر من وراءه الفضيحة.
هذه الصراحة في عرض القضية خلقت تساؤلا عاما بين أفراد الشعب الأمريكي، كيف نشرح لأبنائنا ما يحدث وما يقرؤونه على شبكة الإنترنت الموجودة في عدد كبير من المدارس الأمريكية؟.
المحطات التلفزيونية الأمريكية كانت في السابق تتحدث عن الموضوع مستعملة مصطلحات شائعة قد لا يفهمها الأطفال في معظم الأحيان، لكن تفاصيل العلاقة مكتوبة بلغة صريحة على الإنترنت.
هذا التساؤل «المحافظ» هو جزء من تساؤلات أكثر دارت بين أفراد الشعب الأمريكي على شبكة الإنترنت، وفي الشارع الأمريكي مثلت مناظرة لا تتوقف بين فريقين: المحافظين؛ الذين آلمهم الحدث، وقالوا إن الرئيس كلينتون، لم يعد يصلح قدوة للشعب الأمريكي كما كان الشخص في منصب الرئيس الأمريكي دائما، ويجب عليه أن يعتزل أو يستقيل، والذين أيضا أزعجهم جدا أن الرئيس كذب عليهم لمدة سبعة أشهر متتالية ضاعت فيها عشرات الملايين من الدولارات في التحقيقات التي وصلت لهذه النتيجة، وبين المتحررين (الليبراليين)، الذين يقولون إن هذا يمثل الجانب الشخصي من حياة الرئيس كلينتون، وأن الخيانة أمر يفعله كثير من الرجال المتزوجين في أمريكا، وأن الرئيس كلينتون، سجل الأداء الأفضل لأمريكا اقتصاديا في التاريخ، وأنه لولا وضعه في موقف حرج كهذا لم يكن ليكذب، وأن أي رجل يخجل من الاعتراف بخياناته.
الجانب المحافظ والمعارض (وربما يفاجأك كما يفاجأ كل الأوروبيين أن الشعب الأمريكي محافظ وأخلاقي في هذه القضايا أكثر بمراحل من الشعوب الأوروبية، وهذا السر حول نظافة الشارع الأمريكي، وخلوه من المناظر المخجلة التي تراها في الشوارع الأوروبية والآسيوية)، كان معدل نسبته في الثلاثينات المئوية، وخاصة مع شعبية الرئيس كلينتون، الواسعة في أوساط النساء والشباب الأمريكيين، والذين شكلوا مع غيرهم من المؤيدين للرئيس كلينتون، نسبة عالية في الخمسينات المئوية (البقية لم يعرفوا عن الحدث بعد)، وخاصة أن الكثيرين من الشعب الأمريكي المتشكك دائما بطبعه، كانوا يرون أن هناك مؤامرة ضد الرئيس كلينتون، لكن هذه النسب بدأت تتغير بسرعة لصالح الفريق المعارض، مع إتاحة التقرير بتفاصيله المخجلة، ووثائقه القوية لعموم الشعب الأمريكي ليزيد المعارضون ويقل المؤيدون والجهلة بالحدث.
في إحصائية أخذت بعد ساعات من نشر التقرير نظمه معهد جالوب ومحطة «سي إن إن»، قال 62% من الناس إن الرئيس متقن لعمله، و60% منهم قالوا بأنه يجب ألا يفصل من عمله. 58% من هؤلاء قالوا إن الكونجرس لابد أن يصدر بيانًا يستنكر فيه علاقة الرئيس، بلوينسكي، وعدم صدقه مع الناس.
60% قالوا إن الرئيس يصلح لأن يكون رئيسا، لكن المشكلة في الإحصائية والتي شارك فيها 631 شخصًا اختيروا عشوائيا أن 60% منهم لم يقرأ التقرير، أو حتى لم يسمع بالحادثة.
خبراء الرأي العام يقولون إن الشواهد كلها تؤكد أن نسبة هؤلاء البعيدين عن الحدث تقل بسرعة، وأن كل هؤلاء سيأخذون قرارًا إزاء ما قرؤوه، وحين ذلك سيظهر توجه الرأي العام.
ولعله من المهم أن نشير قبل المضي في المزيد من التفاصيل إلى أن الرئيس كلينتون، هو الرئيس الأكثر حظا في أمريكا في القرن العشرين، ذلك لأنه الوحيد الذي لم رأس أمريكا التي لا تواجهها أي حروب باردة كتلك التي شغلت أمريكا والاتحاد السوفييتي السابق حتى عام 1990، ولا حروب «ساخنة» مثل الحرب العالمية الثانية وحرب الخليج.
هذا الحظ ساهم في منح الولايات المتحدة التي تربعت قبل وصول كلينتون، للحكم على قمة العالم انتعاشا اقتصاديا غير مسبوقا.
ولأن أمريكا تملك نظاما اقتصاديا مذهلا، فقد انعكس هذا التحسن الاقتصادي بشكل ملموس على حياة الشعب الأمريكي، والذي لم ير وراء هذا الثراء الذي حصل لهم إلا صورة الرئيس الوسيم والمتحدث الساحر بيل كلينتون.
هذه العوامل كلها خلقت للرئيس كلينتون، شعبية جبارة، ولو كان أي رئيس سابق قد خاض هذا الحدث من قبل لاضطر للاستقالة أو لحصل عزله من طرف الكونجرس في ليلة أو ضحاها.
أيضا؛ لابد أن نتذكر أن «الخيانة الزوجية» والعلاقات المحرمة أصبحت بفضل الإنتاج الفني الهوليوودي الضخم؛ أمرا أكثر قبولا في أمريكا مما كان عليه في الثمانينات والسبعينات الميلادية، مما ساعد على اتساع الطبقة المتحررة مقارنة بالطبقة المحافظة في أمريكا.
اليهود وراء الفضيحة!!
كل هذه القضايا ظهرت من خلال نقاشات حية على مدار الـ24 ساعة على شبكة الإنترنت، وبينما كانت غرف النقاش والدردشة تنشغل عادة بالأحاديث الشخصية و«العاطفية» تحولت هذا الأسبوع لتناقش كلينتون، وستار، ومونيكا.
واحدة من النقاشات اللطيفة تروج لنظرية لها نسبة لا بأس بها من المؤيدين في أمريكا، النظرية تقول إن اليهود «المتطرفين» بقيادة نتنياهو، كانوا وراء هذه الفضيحة مع تحدي أعلنه نتنياهو، بأنه «سيحرق البيت الأبيض» إذا استمر في سياساته الحالية المضادة لحكومته!!
مونيكا لوينسكي، اليهودية، تعاونت مع عدد من الشخصيات اليهودية في البيت الأبيض، والذي قدموها لكلينتون، وأغروه بتأسيس علاقة معها، وقامت هي بدورها بفضح نفسها في لحظة قاتلة، لتنجو بعد ذلك بنفسها ويسقط كلينتون.
شواهد مؤيدي هذه النظرية كثيرة، منها أن نتنياهو، في زيارته الأخيرة لأمريكا، لم يزر واشنطن ولا الرئيس الأمريكي، بل ذهب لنيويورك مباشرة ليقابل زعماء الجالية اليهودية، وأن مونيكا، احتفظت بشواهد ضد كلينتون، لفترة طويلة، منها قطعة داخلية من ملابسها تحتوي على حيواناته المنوية، واحتفاظها بهدايا كلينتون، لها في أغلفتها، ومنها التركيز الإعلامي المسيطر عليه من اليهود على القضية، ومنها انكشاف أن وزير الدفاع الأمريكي، وهو ابن أب يهودي وأم مسيحية، وسفير أمريكا للأمم المتحدة، يهودي أيضا، كانوا وراء توظيف مونيكا، بعد فصلها من البيت الأبيض في وظيفة كبيرة، ومع ذلك فإن أحدا لم يحقق معهم أو يضعهم تحت دائرة الضوء سوى بالإشارة إليهم في تقرير ستار، ومنها أن السياسيين الذين دعموا أعداء كلينتون، ماليا، كانوا كلهم معروفين بمعارضتهم للسيطرة اليهودية في الحكومة الأمريكية.
أخيرا؛ تقرير ستار، يقول بالنص ضمن اعترافات مونيكا، إن كلينتون، طلب من مونيكا، ألا تكثر من الحديث معه هاتفيا لأنه يشتبه أن هناك سفارة أجنبية لم يحددها تراقب هاتفه الشخصي.
أصحاب هذه النظرية يقولون ومن يمكن أن تكون هذه السفارة التي يشتبه أن تراقب هاتف الرئيس الشخصي وتذهب بلا حساب سوى السفارة الإسرائيلية!!
نقاش آخر حصل حول موقف المسلمين من الحدث، النقاش أخذ محورين أساسيين:
- المحور الأول: الرد على مقالة مثيرة في جريدة «نيويورك تايمز» والتي تشير إلى القصص التي تتحدث عن الخيانة الزوجية لنبي الله داود، عليه السلام، وغيره من الأنبياء في التوراة والإنجيل، وكيف قبل الله توبتهم، والحديث عما في هذه القصص من افتراء على الأنبياء الكرام.
- المحور الثاني: هو نقاش حاد حول موقف المجلس الإسلامي الأمريكي، والذي شارك مديره التنفيذي عاطف هردن، والذي كان يوما أحد الشخصيات الهامة في الحزب الديمقراطي والحملة الانتخابية لكلينتون، في صباح «ديني» هذا الأسبوع، وهو تقليد يجتمع فيه الشخصيات الدينية في هذا الوقت من كل عام مع الرئيس الأمريكي.
عاطف هردن، قال في تصريح وزعه المجلس على كل أعضاءه، قائلا إن هذا الحدث خطيئة لا يمكن تبريرها، ولكن الرئيس في ذلك الصباح قال إنه يعترف أنه ارتكب الفاحشة، ويطلب المغفرة من الجميع.
عاطف هردن، قال إنه شخصيا جاهز لمثل هذا العفو، بينما يمكن فهم موقف المجلس الإسلامي الأمريكي كمنظمة سياسية وجدت في الرئيس كلينتون، الرجل الوحيد الذي ساعد الجالية الإسلامية في أمريكا وأعطاها الكثير من الاعتراف والاهتمام.
لكن الإنترنت شهد هجوما حادا على المجلس من مسلمين يرون أن عاطف هردن، نفسه ارتكب خطيئة بعفوه عن كبيرة الزنا، وأن هذا قد يكون تحليل لها، وهو أمر لا يمكن السكوت عنه.
نقاش ثالث حصل في أحد الحلقات الأكاديمية حول تحليل لخبير نفسي أمريكي كبير بثته كل المحطات التلفزيونية الأمريكية، والذي حلل فيه شخصية الرئيس كلينتون، قائلاً إنه رجل طموح دفعته ظروفه الصعبة التي عاشها في طفولته لينطلق في طريقه لا يقف في وجهه شيء، وكله رغبة في المزيد من الشهادات، القوة والجاه والمال والشهرة والنساء.
حوار رابع كان حول موقف الصحافة العالمية التي طالبت الرئيس كلينتون، في أحيان بالاستقالة، فيما ضحكت أخرى من تصرف الشعب الأمريكي على علاقة رئيسهم الشخصية بفتاة جميلة كانت تعمل معه، فيما تخوفت ثالثة من أثر هذه الفضيحة على الولايات المتحدة، ووقفتها الاقتصادية مع آسيا كأمل وحيد لإنقاذ الاقتصاد الآسيوي. وكان للمسلمين نصيب من هذا النقاش حين تحدث عدد منهم غالبا بشكل سلبي حاد ضد الصحافة الكويتية، والتي نشرت في مواقعها على الإنترنت مقالات تدافع فيها عن الرئيس كلينتون، وأن الأمر مجرد ثورة لا قيمة لها من قبل أعضاء الكونجرس المسيحيين المتشددين الذين مازالوا يؤمنون بـ«مبادئ ما قبل الثورة الجنسية».
في حوارات أمريكية أخرى، كان الشباب الأمريكيون يعبرون عن استمتاعهم بقضية فصل الرئيس كلينتون، من الرئاسة، لأنهم لم يروا مثل ذلك من قبل، ولأن ذلك سيثبت أن هناك ديمقراطية فعلية وليست إسمية في أمريكا!
هل دخل العالم فضاءًا جديدا؟
ما حصل في الأسبوع الماضي من رؤية العالم لتقرير ستار، يقدم سؤالاً تترتب عليه الكثير من النتائج الخطيرة: هل دخل العالم «الفضاء المعلوماتي المفتوح»، حيث كل المعلومات حتى أكثرها «إخجالا»، وأكثرها تدميرا لشخصية أو نظام سياسي متاح للجميع بمجرد أن تتلاعب أصابعهم على لوحة مفاتيح جهاز كمبيوتر شخصي بسيط؟
إذا كانت الإجابة بنعم، وهو ما تشير إليه هذه الأحداث ولو نسبيا، فالأسئلة الأخرى تتوالى: ما هو أثر ذلك على ثقافتنا العربية والإسلامية التي عانت من الغزو الثقافي والفكري، ما عانت ويعاني أبناؤها بلا حدود من التأثر السلبي بالآخر مهما كان هذا الآخر؟ كيف يمكن دعم الثقافة الإسلامية إلى الحد الذي يحميها من هذا الغزو، ويجعلها قادرة على المقاومة، وربما التأثير في الآخر بدلا من التأثر؟.. وأسئلة أخرى: ما نوع هذه الثقافة الجديدة التي سيقدمها الإنترنت؟ وهل سيحل الإنترنت كوسيلة محل الكتاب، والصحيفة اليومية والمجلة وهل هذا أمر سلبي أو إيجابي؟
والسؤال الأشمل والأكثر إيلاما: هل سيكون الإنترنت هو النفق السريع الذي سيصل بالأمة الإسلامية إلى ما أخبر به الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن تقليدنا واتباعنا للأمم الكافرة «حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»؟
الجواب ليس سهلا وربما احتاج الكثير من المناقشات العلمية والمحاولات «العملية» لوضع النقاط على الحروف، وإن كان أي واحد منا قد يشعر بالإحباط، وهو يتذكر مثلا ما حصل من نقاشات واسعة في الثمانينات، وحتى يومنا هذا عن البث المباشر وآثاره ومقاومته دون أي أثر إيجابي يذكر في وجه البث الفضائي الذي جاء بأكثر مما كان ينتظر من آثار البث المباشر، رغم أنه جاءنا على أيدي عربية ومسلمة.
الإجابة على السؤال قد تكون حقائقها أليمة إذا تذكرنا أن أمريكا قد حققت بالفعل سيطرة مرعبة على شبكة الإنترنت، مرعبة ليست لنا فقط بل وحتى لجميع الباقين بمن فيهم الفرنسيين والكنديين والأوروبيين والآسيويين.
السبب ببساطة أن الشبكة تأسست أولا في أمريكا وأتيحت، للناس بأسعار زهيدة جعلت أعدادا هائلة من المنظمات والأفراد الأمريكيين يؤسسون مواقع على الإنترنت تعبر عن الثقافة الأمريكية قبل أن يبدأ الباقون بالاستفادة منها مما جعل الجميع في موقع المتفرج.
أيضا؛ طريقة تخطيط الأعمال التجارية في أمريكا تختلف عن بقية العالم، فهي تتحرك على المدى الطويل جدا وخاصة في صناعة الإعلام والمعلومات، ولعله من المفاجئ أن معظم الصحف والشبكات التلفزيونية الأمريكية قد أسست مواقع مبكرة لها على الإنترنت يتضمن كل ما في الوسيلة الإعلامية وبشكل مجاني.
هذا يعني بالفعل أن كل من يبحث عن الأخبار حول العالم سيذهب لموقع شبكة «سي إن إن» أو أي محطة تلفزيونية أمريكية أو جريدة أمريكية مثل «نيويورك تايمز» ليقرأ كل ما يريد مجانا، وقد أثبتت إحصائية أن أكثر مائة وسيلة إعلامية يحصل الناس في العالم منها على معلوماتهم على شبكة الإنترنت كلها أمريكية ما عدا «تورنتو ستار» الكندية والـ«بي بي سي» البريطانية.
هذا يعني بلا شك تأثيرا واسعا للرؤية الإعلامية الأمريكية، وهي رؤية بكل أسف تتخلى عاما بعد عام عن موضوعيتها مع التحكم اليهودي المفتوح والمتزايد عليها.
أيضا؛ إذا جئت للمجالات غير السياسية، وخاصة منها ما يرتبط بهوايات الأجيال الجديدة، فالمواقع الأمريكية على الإنترنت استطاعت أن تغزو شباب فرنسا والصين مثلا (باعترافات رسمية من حكومتي هاتين الدولتين)، وصار الشباب الفرنسي والصيني، ومثلهم في العالم الإسلامي كثير يتابع التقليعات والهوايات الشبابية الأمريكية ويقلدها بشغف ويحلم باليوم الذي يطأ فيه أرض أمريكا الحلم.
تجنب هذا الفضاء المفتوح تماما قد يكون مثل إخفاء النعامة لرأسها في التراب خوفا من الخطر. فالتعامل مع الإنترنت أصبح أمرا لا مفر منه، ولعل الحل الوحيد الذي يخطر بالبال هو مواجهة الإنتاج الردئ بإنتاج مكثف ذو نوعية عالية يجذب أبناء العالم الإسلامي كما يجذب غيرهم، وهو أمر لا يبدو سهلا في ظل ظروفنا الحالية.
ماذا عن الوسائل الإعلامية؟
لما جاء التلفزيون في منتصف هذا القرن تغير دور الراديو من مصدر أساسي للمعلومة والأخبار إلى جهاز ترفيهي لراكبي السيارات، وتغير دور الصحيفة للتحليل الأعمق والمقالة الأطول.
مع دخول الإنترنت لأمريكا بدأت كل الوسائل الإعلامية تتغير وظائفها ليصبح جزء أساسيًا منها التعامل مع شبكة الإنترنت نفسها من حيث إرشاد الناس إلى طريق الاستفادة الأمثل من الشبكة، وهو موضوع لا ينتهي مع تذكر أن الشبكة فيها ملايين المواقع، ومن حيث التركيز على التحليل الأعمق، وعلى فتح أبواب النقاش بدلا من التركيز على الخبر اليومي.
مع ذلك فإن الإنترنت يزحف بقوة على الكتاب والصحيفة بالذات، ويوجد الآن العديد من المكتبات على الإنترنت التي تبيع نصوص كتبها على الإنترنت مباشرة، كما يوجد صحف كثيرة جدا على الإنترنت، وواحدة من هذه الصحف هي التي كانت قد كشفت سر علاقة الرئيس الأمريكي كلينتون بمونيكا لوينسكي.
من يدري قد يكون على جيوش الصحفيين أن تتجه لشبكات الكمبيوتر لتقدم إنتاجها من خلاله، ويصبح على المعلنين أن يقدموا إعلاناتهم على شبكة الإنترنت، ولكن ليطمئن الجميع فالدراسات ما زالت تقول إن الناس تفضل القراءة من الورق على التحديق في شاشات الكمبيوتر.
* نُشر في جريدة المسلمون الدولية