«كذبة أبريل».. الطعنة الأخيرة في خاصرة الأندلس

من قسم منوعات
الخميس 09 أبريل 1998|

تبادل الكذبات وأساليب الخداع أصبحت وظيفة جديدة للإنترنت، لكن أحدا لم ير في ذلك عيبا مادام الأمر مرتبط بـ«كذبة أبريل» أو «كذبة نيسان».

كل العالم الغربي يرى في اليوم الأول من شهر أبريل الميلادي وفي بعض الدول الأيام الثلاثة الأولى منه أياما حرة لممارسة الكذب والخداع مع الأصحاب، وربما أعد البعض لذلك قبل فترة من الزمن يفكر في وسيلة جديدة لخداع أهله أو أصدقائه أو حتى عابري الطريق، لأن أحدًا لن يغضب عليه مادام الأمر يحصل في أبريل.

هذا التقليد أيضا _ كما هو معروف _ منتشر في معظم دول العالم العربي وفي دول آسيا وأمريكا الجنوبية.

قبل بدء شهر أبريل بحوالي 15 يومًا، بدأت حلقات نقاش تتكون على الإنترنت لتبادل أفضل الوسائل المبتكرة للخداع في اليوم الأول من أبريل.

في أحد المواقع، اقترح صاحب الموقع حوالي 80 طريقة للخداع، وكان أحدها أن يقوم شخص داخل البيت بوضع كل الساعات في البيت بما فيها ساعات اليد أثناء نوم أصحابها مبكرة ساعة من الزمن، بحيث يقوم أصحاب البيت مبكرين لأعمالهم ومدارسهم ومواعيدهم، أو وضعها متأخرة ساعة إذا أراد الشخص عمل «مزحة ثقيلة»، بحيث يتأخر جميع البيت عن أعمالهم ومدارسهم.

صاحب الموقع كتب في موقعه، أن 1562 شخصا نفذوا هذه الحيلة بالذات، وكتبوا له عن المصادفات اللطيفة التي حصلت بسبب هذه الحيلة، ونشر صاحب الموقع هذه المصادفات التي حصلت حول العالم خلال يوم واحد على موقعه.

هذه القصص جلبت جمهورا ضخما فاجأ صاحب الموقع الذي كان يبيع على موقعه بعض برامج الكمبيوتر التي صممها بنفسه، واشترى عدد كبير من الناس برامجه أثناء مرورهم بالموقع لقراءة حيل شهر أبريل، وما حصل للأشخاص الذي نفذوها، الأمر الذي جعل صاحب الموقع يعلن أن أبريل سيكون موسمه دائما، وأنه سيفكر من الآن في ابتكار حيل جديدة لنشرها العام المقبل، كما سيفكر في بعض المواقع الشهيرة على الإنترنت أو بعض وسائل الإعلام للإعلان فيها عن موقعه.

لم أكتب هذا كله لنتحدث عن تسويق الكذبات على الإنترنت، فكثير من الأشياء الغريبة والسيئة والمحرمة تباع على الإنترنت وتسوق بطريقة أو بأخرى، ولكن لأن البحث المتمهل عما يتعلق بهذا الموضوع سيقف بك على موقع مؤلم يقف كاختناقة في الحلق، وذلك عندما تقرأ تاريخ «كذبة أبريل»، أنه أحد الأيام الفاصلة في تدهور الأمة الإسلامية وضعفها.

في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي، كانت جيوش الملك الإسباني فريدناند، والملكة أيزابيلا، تقف أمام أسوار مدينة «غرناطة»، أخر الجواهر في عقد الأندلس بعد أن لبسته الأمة الإسلامية لقرون شهدت على عظمتها، ثم بدأ العقد ينفرط يوما بعد يوم مع ضعف الأمة الإسلامية عن الدفاع عن مدن الأندلس التي تساقطت الواحدة بعد الأخرى في يد «الفرنجة»، الذين هجموا بلا رحمة على مسلمي الأندلس تساندهم الكنيسة التي كانت تحلم بالتوسع، لكن «غرناطة» أبت أن تسقط، وبقيت الجيوش لفترة طويلة متسمرة عند أبوابها، حيث تجمّع الجيش المسلم داخل غرناطة، معلنا عدم اليأس من الحصار مهما كلف الثمن.

بعد حصار طويل، أعلن الملك فريدناند، والملكة إيزابيلا، التي أرسلت كولمبس، لاكتشاف أمريكا في نفس العام، أنهم سيعطون السلام الكامل والأمان لسكان غرناطة، بمن فيهم المحاربين إذا فتحوا الأبواب لهم، وأن أحدا لن يصيبه أي أذى.

الاتفاقية حصلت مع المسلمين الذين استسلم خليفتهم قليل الخبرة والصبر، أبو عبدالله الصغير، بحيث يتجمع كل المسلمين غير مسلحين في المسجد المركزي لمدينة غرناطة، وأن تدخل قوات الإسبان غير مسلحة أيضا لغرناطة.

أربعون ألف مسلم هم مجموع الباقين من أهل غرناطة صدّقوا إعلان الملك الإسباني وتجمعوا في المسجد مع فتح أبواب المدينة للجيش الإسباني.

ما الذي حصل بعدها؟

دخل الجيش الإسباني مسلحا ليحيط بالمسلمين في المسجد ويرتكبوا هناك مذبحة تاريخية نادرة من نوعها لم تستثن أحدا حتى الأطفال الرضع، وكانت هذه المذبحة بداية السوء لـ«محاكم التفتيش» أفظع ما تفتق عنه العقل البشري من وسائل التعذيب و«الإرهاب»!.

كان ذلك اليوم هو اليوم الأول من شهر أبريل عام 1492، وأعلن حينها أن كذبة الملك والملكة هي كذبة «بيضاء»، لأن هدفه «نبيل» بالتمهيد للكنيسة لبدء حملة تبشيرية هي الأقوى من نوعها في تاريخ الكنيسة المسيحية بعد تلك التي حصلت في أيام الدولة الرومانية.

ليس هذا فحسب، بل أعلن حينها أن الأول من أبريل سيبقى يوما للكذب «الأبيض» احتفالا بنصر الجيش الإسباني وسقوط الأندلس في يد الكنيسة المسيحية.

نسي معظم المسيحيين تاريخ «كذبة أبريل»، وربما لم يعرفها أحد من المسلمين الذين يمارسونها كل عام، وربما لم يبال بقصتها أحد من غير المسلمين والمسيحيين، نسي كثير من المسلمين أيضا الأندلس، وربما تذكرها البعض كحلقة أولى من المذابح التي يتعرض لها المسلمون كل يوم حول العالم، لكن «كذبة أبريل» ستبقى تدور حول العالم وتنتشر، وسيقوم الإنترنت بخير دور في هذا الانتشار، لتبقى كدليل أليم على السكين التي طعنت به خاصرة الأندلس.

* نُشر في جريدة المسلمون الدولية