يكاد يكون أمرا اعتاد عليه المسلمون في أمريكا أن يشاهدوا أفلاما تعيرهم بتعدد الزوجات، ومن المحتم أن كل فرد منهم قد شاهد يوما فيلما بطله عربي وحوله عشرات النساء الذين يلبون طلباته كالخدم وقد تغطوا كلهم بالحجاب، وهو بالضبط ما يقصد بمصطلح «الحريم» الذي دخل المعجم اللغوي للمواطن الأمريكي.
ولا يقتصر الأمر على استديوهات «هوليوود» و«ديزني»، بل إنك بمجرد حضور أول حلقة نقاش أكاديمية حول الإسلام يطرح موضوع «تعدد الزوجات» وكأنها الثغرة المسكتة التي لن يجد المسلمون لها سدا، فضلا عن نشرات وبيانات جمعيات تحرير المرأة والتي لن يهنأ لها بال حتى تذكر مصيبة المرأة في العالم الثالث بسبب قدرة الرجل على تعدد الزوجات بينما المرأة مسكينة ضعيفة لا تملك حولا ولا قوة أمام استعباد الرجل لها.
ويخدم مثل هذه الأفكار عشرات الدراسات في المكتبة الأكاديمية الغربية وعشرات «الخبراء» الذين صرفوا جهدهم ووقتهم لطرح هذه القضية، لكن أحدا من كل هؤلاء الجمع لم يشر لحقيقة أن تعدد الزوجات منتشر بين عدد لا يستهان به من النصارى في أمريكا فضلا عن بعض الطوائف اليهودية بالرغم من محاولة هؤلاء نشر أفكارهم بكل وسيلة ممكنة لا توقعهم تحت طائلة القانون الأمريكي الذي يمنع تعدد الزوجات منعا كاملا لا استثناء فيه.
كل ما في الأمر أن الضحية، وهو النظام الإسلامي، محدد سلفا أمام الجميع ويبقى البحث عن أقرب نقاط الإصابة.
تعدد الزوجات منتشر بين المسيحيين المورمون، والذين يزيد تعدادهم في الولايات المتحدة عن خمسة ملايين شخص، ويشاركهم في ذلك قلة من الطوائف المسيحية الأخرى الذين اقتنعوا بالأدلة الأنجيلية التي يطرحها المورمون في موضوع تعدد الزوجات، بالإضافة لانتشاره بين بعض الطوائف اليهودية.
ويحرص المورمون، والمتمركز أغلبهم في ولايتي «يوتاه» و «ميسوري» الأمريكيتيين، على الدفاع عن مبدأهم هذا بكل وسيلة وإن كان ذلك يتم بشكل محدود جدا حرصا على حفظ العلاقات مع الكنائس الأخرى، وحرصا على «كسب السمعة الطيبة» تمهيدا لدعوة الناس لمذهبهم حيث يعتبر المورمون أنشط الطوائف المسيحية على الإطلاق في أمريكا في التبشير، وهي الطائفة الوحيدة التي ترسل أتباعها باستمرار للطوفان على البيوت وطرق الأبواب وتقديم الإنجيل وبعض الكتب وأشرطة الفيديو و«النصائح» برغم ما يقابلهم من أذى في كثير من الأحيان، ويكاد يكون المبدأ الأول الذي يركز عليه هؤلاء الدعاة هو إعادة الأسرة لمكانتها في المجتمع الأمريكي ومنحها التماسك والقوة.
هناك عشرات المواقع على الإنترنت الخاصة بالمورمون واليهود التي تدافع عن تعدد الزوجات وتناقش المشكلات القانونية والاجتماعية التي تكتنفه، وتتناول تجارب شخصية لأشخاص معددين مع مواقع قليلة تروي الطرف التي يمر هؤلاء بها في حياتهم في المجتمع الأمريكي المتحفظ كثيرا على ذلك.
إلا أن موقعا ينفرد عن كل هذا المواقع ليس فقط بتقدمه التقني وحجم المادة المكثفة فيه وكونه الموقع الذي يحمل رسميا اسم «تعدد الزوجات» بل أيضا بكون القائمين عليه ممن خاضوا التجربة بالرغم من أنهم ليسوا يهودا أو مورمون أو مسلمين، بل علمانيين كما يسمون أنفسهم.
صامويل، هو صاحب الموقع، هو شخص يصف نفسه بأنه مسيحي يبحث عن الحقيقة في كل الأديان.
في الموقع يتحدث صامويل، عن تجربته التي يحلم بتعميمها على كل أمريكا، كما يحكي كل أفراد أسرة صامويل، عن تجربتهم مع التعدد.
وبدأ صامويل، 34 عاما، بنفسه، الذي ركز على أن حياته عادية ذات علاقات ممتازة مع زوجتيه جودي وكاثرين، ويحكي صامويل، عن برنامج يومه كمبرمج كمبيوتر في إحدى الشركات وكيف تساعده زوجتيه في رعاية أولاده الأربعة ورعاية البيت، بينما إحدى زوجتيه تعمل من المنزل من خلال شبكة الإنترنت، وهو سعيد أن أصدقائه في العمل يسألونه «كيف حال الزوجات» بدلا من «كيف حال الزوجة»، والمشكلة الأساسية تأتي عنده في الأعياد حين يحتارون إلى أي أسرة من الأسر الثلاثة “أسرته وأسر زوجتيه” يجب أن يسافروا، وإن كانت واحدة منهم فقط المتقبلة لنمط حياتهم حيث يعتقد الكثير من المسيحيين المحيطين بهم أنهم «آثمون» بهذا الزواج.
أما المشكلة الأخرى فهي أنه يشعر أنه ليس لديه من الوقت ما يكفي ليعطي لزوجتيه وأولاده ما يجب عليه، ولكنه يشعر أن الجميع الذين يسكنون بيتا واحدا سعيدون يحبون بعضهم رغم بعض الخلافات في وجهات النظر بسبب اختلاف الأعمار «شأن أي زواج»، وهو لا يرى أي فرق عن الزواج العادي إلا بوجود فرصة أكبر لتبادل العواطف وخدمة الآخرين حيث «لا أحد يبقي لوحده كثيرا»، بل إن تبادل الأحاديث مع شخصين أجمل بكثير من الحديث مع شخص واحد.
أما الزوجة الأولى، جودي، فتقول إن المساعدة التي تلقاها بوجود امرأة أخرى تساعدها في عمل البيت واضح جدا، بالإضافة للصداقة الحميمة التي تسعد بها مع كاثرين، الزوجة الثانية، مما يسمح بنمو أسرتهم قوية.
«كل واحد منا في هذه العلاقة فقط تحاول القيام بدورها في جعلها جيدة مليئة بالحب كل واحد للآخر»، هي أيضا سعيدة بالخبرة التي تتلقاها من كاثرين، وتقسيم الأعمال بينهما.
بعض صديقاتها يقولون لها أنهن لن يرضين أن تأخذ امرأة أخرى زوجها، وهي ترد بأن كلام غير صحيح لأن العمل وربما الهوايات الشخصية تأخذ زوجها إلى أذنيه دون أي اعتراض منها.
الزوجة الثانية، كاثرين، 22 عاما، فتحكي عن تجربتها بصراحة تقول، «كزوجة ثانية فقد حصلت وأعطيت حبا أكثر من أي وقت في حياتي، لقد وجدت أعمق حب في حياتي من زوجي، ووجدت صديقتي الحميمة، جودي».
كاثرين، لا تنسى أن تقول العلاقة ذات ثلاثة أطراف أكثر تعقيدا وتحمل مسئولية اجتماعية أكبر حين تحاول بناء علاقة حسنة مع طرفين بدلا من طرف واحد وتحتاج للكثير من الصبر.
تقول في البداية شعرت بفقد الحرية وسط الأسرة لكنها منذ أسابيع، وهي تشعر أنها صارت فعلا جزء من هذه الأسرة، «جودي وصامويل رائعين، هم يفهمون كل هذا وأعطوني ما أحتاج بكل هدوء، أحس أنني أملك العالم وأنني فزت في اللوتري عندما التقيت بصامويل، وتزوجت صامويل، وجودي!».
كاثرين، كانت سعيدة بولادتها منذ أشهر، لأن جودي، كانت تساعدها، وهي مازالت تساعدها في ولدها الأول، حيث هي لا تملك أي خبرة في العناية بالأطفال.
الزوجتان يعملان خلال اليوم على مشروع بدأته على شبكة الإنترنت، ويساعدهم في بعض تفاصيل العمل الزوج بعد عودته من عمله.
زوج معدد آخر صديق للأسرة كتب على نفس الموقع يقول بأن الكثير من الرجال يسألونه عن تجربته هذه «بسرية» وخفاء، وهو يقول لهم أنها تجربة عظيمة تحتاج الكثير من الحساسية والعدل الخاص جدا.
لكن العدل في نظره لا يعني المساواة التامة، لأن كل زوجة لها احتياجاتها وأحلامها الخاصة، وأي أنانية في هذا كله ستدمر المشروع «على رأسك».
ويحتج هذا الزوج على المجتمع الأمريكي بأن اتخاذ صديقة وخيانة الزوجة يعتبر «إثما» في المجتمع، ولكن الزواج بها ورعايتها ورعاية الأسرة ومنحهم الحب والحنان فهي «جريمة شيطانية مملوءة بالشر ولا تغتفر».
أما المشكلة الأساسية التي يواجهها هذا الزوج فهي عندما تحتاجه الزوجتان «عاطفيا» في نفس الوقت، فهو عندما يقضي وقته مع واحدة تبكي الأخرى وهو الملام دائما، ولذا فهو يحرص معظم الوقت أن يكون مع الاثنتين سويا ولكنهن دائما يطالبنه بوقت مخصص لكل منهن، وتبقى القاعدة في نظره للتغلب على كل المشاكل «أعظم القادة هم أعظم من يخدم».
هذه ميزات تعدد الزوجات حسب ما يراها صامويل، وأسرته، وأصدقائه، الذين قلدوا تجربته:
- ناس أكثر ينفذون أعمال البيت.
- زيادة الخيارات أمام كل فرد في الأشياء التي يريد عملها.
- إذا كان أحسن الرجال في نظر مرأة ما متزوجا فهذا لا يعني أنها فقدته لأنه يمكن أن يتزوجها أيضا.
- فرصة عظيمة لأداء أعمال تجارية في المنزل.
- هناك دعم عاطفي لكل شخص في الأسرة من أفراد أكثر بما في ذلك الأطفال.
- أقل وحدة للجميع.
- دخل أعلى للمنزل.
- إذا أرادت واحدة من النساء الخروج من المنزل يمكنها ترك أطفالها في رعاية الثانية.
- حب وقرب أعظم.
- فرصة لمن يحب الأسر الكبيرة حتى بدون أطفال كثيرين.
- أقارب أكثر للأسرة.
- أشخاص أكثر في البيت يمكنهم تعليم الأطفال وتربيتهم.
سيئات التعدد حسب الموقع:
- خصوصية أقل في الحياة وفي العلاقة الاجتماعية.
- تكاليف أكثر للحياة.
- أعمال منزلية أكثر.
- رفض الناس المحيطين والمجتمع والكنيسة، لأن المسيحية من غير المورمون يعتبرون التعدد إثما رغم أن الإنجيل يذكر أن إبراهيم وموسى عليهم السلام فعلوا ذلك!!
- الاندماج مع شخصين أكثر تعقيدا.
- شخص يشاركك الحب بدلا من أن يكون لك وحدك “بالنسبة للزوجات”
- الحكومة الأمريكية.
- الحاجة لمنزل أكبر.
أخيرا أسباب سيئة للتعدد “بسببها قد تفشل التجربة”:
- الشفقة “على ظروف الزوجة الثانية”
- تحسين العلاقة الحميمة.
- الحاجة لمن يساعد في أشغال البيت.
على الموقع أيضا حديث عن تجربة الأطفال “الإيجابية”، وقصائد شعر للزوجات “إيجابية أيضا”، وطرائف، وحلقة نقاش مفتوحة حول تعدد الزوجات والتجارب الشخصية في هذا المجال، وفي الحلقة عدد كبير من المشتركين وإن كان أكثرهم من المسيحيين المورمون.
* نُشر في جريدة المسلمون الدولية