ضمن آلاف البحوث العلمية المنشورة على شبكة الإنترنت في مختلف التخصصات، يمكن للباحث أن يجد عشرات الأبحاث الغربية التي تناقش قضايا الإسلام من وجهة نظر غربية بحتة.
في الحقيقة ربما سيكون للإنترنت الفضل في وضع عشرات مراكز الأبحاث الغربية المتخصصة في الدراسات الإسلامية عند أطراف الأصابع وخاصة أن معظم هذه المراكز لديها مواقع تعرف بها على الإنترنت، وإن كانت هذه المواقع في كثير من الأحيان قد صيغت بعناية فائقة لإيصال الرسالة التسويقية التي تقدم هذه المراكز كمراكز دراسات موضوعية رغم مخالفة هذا للواقع في كثير من الأحيان.
على الإنترنت أيضا مواقع كثيرة لمستشرقين نشروا فيها رؤاهم الاستشراقية، كما أن هناك عدة حلقات نقاش مفتوحة خاصة بالمتخصصين من الغربيين في الدراسات الإسلامية والشرقية عموما.
فيما يلي تقديم لمحتويات أحد المقالات التي تتميز بتمثيلها للكثير من الأفكار الاستشراقية الغربية المطروحة على شبكة الإنترنت.
هذه المقالة المطولة والتي تكون كتابا مطبوعا صغيرا كتبها خبير استراتيجي بأكاديمية الدراسات الاستراتيجية الوطنية، وهي أكاديمية خاصة لكنها استطاعت أن تسوق لنفسها بطريقة جعلتها في مركز استشاري للعديد من الأجهزة العسكرية الأمريكية وخاصة فيما يتعلق باستراتيجيات السياسة الخارجية.
المقالة عنوانها “الإسلاميين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، وكتبها راندال جيمس، المستشار بأحد أهم الأجهزة العسكرية الأمريكية، لتحصل المقالة عام 1996 على جائزة مخصصة لأفضل مقالة استراتيجية، واستعراض المقالة والتي قد لا نتفق مع معظم ما فيها هدفه الأساسي فهم الطريقة التي ينظر بها مثل هؤلاء الخبراء للعالم الإسلامي.
المقال يؤكد على أن الأمريكيين يعانون من صعوبة فهم دوافع وأفكار مختلف المجموعات والتيارات الإسلامية، إلا أن هذا الفهم لابد منه بعد أن أصبح الإسلام هو العدو البديل للاتحاد السوفيتي بعد سقوطه في مواجهة الغرب، وخاصة أن الإسلام هو الخطر الأول المهدد لأمن إسرائيل ولعمليات السلام حول العالم، ولأن أي صحوة إسلامية واسعة قد يكون لها أخطار على المصالح الغربية أكثر مما يتخيله أي شخص.
الكاتب يرفض استعمال مصطلح الأصولية لأنه لا يصف حقيقة مختلف المجموعات الإسلامية والأفراد الملتزمين في العالم الإسلامي، ولأن المصطلح أطلق في البداية على مجموعات مسيحية خرجت في أوائل هذا القرن تطالب بإعادة دين المسيحية إلى أصوله، وهذا الحال لا ينطبق على الوضع الإسلامي الحالي، ولأن التعريف الشائع للكلمة وهي الاندفاع أساسا من منطلق المعتقدات الدينية ليغلب على الاهتمام الأوسع بطبيعة المجتمعات في العالم ليس له أي معنى سياسي يمكن الاستفادة من استعماله.
أيضا؛ يرفض الكاتب مصطلح الصحوة الإسلامية لعدة أسباب، ليفضل في النهاية مصطلح الإسلاميين، ويقصد به كل شخص يسعى لزيادة دور الإسلام في المجتمع، غالبا بقصد تأسيس دولة ومجتمع إسلامي مثالي، وهؤلاء أربعة أقسام:
- التقليديين.
- التنويرين.
- الأصوليين.
- والبراجماتية “العمليين”.
ويستشهد بقول د. فرانكويس برجات، المستشرق الفرنسي والذي يرى أن الإسلاميين هم كل من يدخل الإسلام في الحياة العامة بعكس العلمانيين، وذلك يشمل كل الفئات من أقصى اليمين “يسميهم الفاشيون الجدد”، إلى أقصى اليسار “وهم شديد التحرر”.
وينبه الكاتب إلى أن الإسلام والذي يعتبر أسرع الأديان نموا في العالم كان له دور أساسي في صياغة الحياة السياسية والاجتماعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لأكثر من 1400 عاما، وهذا يجب التنبه له خلال قراءة الحالة الإسلامية الحالية.
بعد ذلك تقدم المقالة موجزا للتاريخ الإسلامي يكشف عمقا معلوماتيا واسعا لدى الكاتب في فهم الإسلام وتاريخ الرسول، عليه الصلاة والسلام، والهجرة النبوية والفتوحات الإسلامية بعد ذلك، وفي بيان مصادر التشريع الإسلامي الأربعة: القرآن والسنة والإجماع والقياس، والمذاهب الفقهية والفرق الضالة.
الكاتب أيضا تحدث عن الاستعمار وخلفيات الصراع بين الهوية العربية أو الفكر القومي والهوية الإسلامية، وخلفيات الصراع العربي-الإسرائيلي.
يصل الكاتب من كل هذا، أن مرور الأمة الإسلامية بمجد عظيم دام ما يزيد عن 12 قرنا، ثم تدهورها بعد ذلك ليظهر هذا التدهور في أقصى مداه في هزيمة عام 1967، جعل المسلمين يشعرون بأن الإسلام هو الحل الوحيد أمامهم وهذا، حسب ادعائه، هو الذي يعطي الإسلاميين قوة خاصة في العالم الإسلامي بشكل عام والذي يحلم بالماضي المجيد.
أيضا؛ يستعرض الكاتب آثار التيارات السياسية التي مرت على العالم الإسلامي، والتي حاولت ربطه بالاتحاد السوفييتي أو حاولت ربطه بالفكر الغربي، والتي أدى فشلها الذريع لجعل الناس تزداد تعلقا بالإسلام.
الكاتب يرى في الحالة الاقتصادية والصناعية المتخلفة لمعظم دول العالم الإسلامي سببا آخر جعل الناس يدعمون الفكر الإسلامي لحل لخروجهم من التخلف وخاصة أن هذا الفكر، حسب ادعاء الكاتب، قدم للناس وعودا كبيرة باقتصاد أفضل في حال تطبيق الإسلام في كل شئون الحياة.
أيضا؛ يدعي الكاتب أن الإسلاميين قدموا أنفسهم كمعارضة لكل أنواع الفشل الذي مر به العالم الإسلامي، مما جعلهم يبدون كالمنقذ الوحيد، مما زاد شعبيتهم بين الناس، ومن ثم زاد الإقبال على المساجد وعلى كافة الأنشطة الإسلامية، ليبدو كما لو كان هناك بالفعل صحوة إسلامية.
الخطوة التالية، كما يشرح الكاتب من وجهة نظره، هو فصل العلماء عن هذا الإقبال الشعبي عن الإسلام، ليتولى القيادة الحقيقية في عدد من دول العالم الإسلامي الشباب صغار السن الذين لديهم القليل من الفقه بالإسلام، ولكن لديهم درجة علمية رفيعة “غالبا الدكتوراه” في مجال ما، غالبا الهندسة أو المحاماة، حسب إحصاءاته الشخصية.
هؤلاء الذين تأثروا بطريقة أو بأخرى، حسب قول الكاتب، بالأسلوب السياسي الغربي، أو تأثروا بالاندفاع الشعبي من ورائهم هم القادة الحقيقيون في عدة أماكن من العالم الإسلامي.
ويدعي الكاتب أن هذه القيادة الحقيقية عملت في كثير من الأحيان على تهميش العلماء على أساس أنهم عملاء للسلطة، وأحيانا قتلهم كما حصل في بعض بلاد العالم الإسلامي.
ويضيف الكاتب أن حركة انتقال الناس الواسعة من القرى إلى المدن جعل الكثير من الحكومات عاجزة عن ملاحقة معدل النمو السريع هذا في توفير الخدمات المناسبة في المدن، بالإضافة إلى أن هؤلاء الناس الذين تركوا أراضيهم الزراعية بحثا عن حياة أفضل في المدينة لا يجدوها يجعلهم غاضبين تدفعهم طيبتهم للانضمام لصفوف الصحوة الإسلامية، حسب ما يحاول الكاتب إثباته.
واحد من هذه الإثباتات أنه بقراءة مكثفة للأهداف التي تعلن عنها المجموعات الإسلامية حول العالم يظهر له أن أهداف الكثير منها ليست أهداف دينية زيادة ارتباط الناس بتعاليم دينهم وليست أهداف جهادية تهدف لقتال أعداء المسلمين وتأسيس الدولة الإسلامية العظمى، ولذا فهو يرفض مصطلح الأصولية التي يعطي هذا الانطباع، بل هي غالبا، حسب مفهومه، أهداف سياسية محلية تعطي وعودا بإصلاح الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة، وهي الأهداف نفسها التي قدمتها كل الحركات الإصلاحية في العالم العربي خلال القرن العشرين بما فيها الاشتراكية والقومية والعلمانية، ولكن هؤلاء جميعا أخذوا فرصتهم بينما لم يحدث هذا للاتجاه الإسلامي الأمر الذي زاد من شعبيتهم في العديد من دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
أيضا يدعي الكاتب أن المجموعات الإسلامية غير متفقة على الأسلوب الذي يمكن به الوصول لهذه الأهداف من أقصى اليمين الذي يرفض الثقافة الغربية تماما ويطالب بالعودة لجذور الثقافة الإسلامية الأصيلة إلى أقصى اليسار الذي يطالب بنظام ديمقراطي يشبه النظام السياسي والاقتصادي الأمريكي، وهو في النهاية يغلب رأي اسبوسيتو، أن الإسلاميين لا يعرفون ماذا يريدون، وإنما يعرفون ما لا يريدون، ويستشهد على ذلك بقراءته الشخصية لأفكار عباسي مدني، رئيس حركة الإنقاذ الجزائرية، والتي استنتج من خلالها لم يكن لديها أي خطوات عملية لتطبيق الأهداف التي أعلنت عنها حين لو استلمت هذه الحركة الحكم.
بعد ذلك ينتقل الكاتب لتحليل الحجج التي تنطلق منها المجموعات الراديكالية التي تتخذ من العنف طريقا واضحا في فرض نفسها وفي محاربة الغرب، وهي حسب قوله باختصار تتمثل دفي الإيمان بأن الغرب وبعض الأنظمة السياسية العربية هي المقابل الحقيقي للجاهلية التي كان الرسول محمد، يحاربها بالسيف.
ما السياسية التي يدعو هذا الخبير الولايات المتحدة لأخذها في مواجهة الإسلاميين بمختلف اتجاهاتهم؟
يعترض هذا الخبير على الأخرين الذي يقترحون عدم التدخل في القضايا الدينية، محاولة استكشاف الأسباب وإضعافها، استخدام أساليب أكثر مواجهة بالنسبة للإرهابيين الذين يستعملون العنف، ويقول إن على الولايات المتحدة أن تفهم بالضبط ما هي مصالحها في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وهو يعتقد أن أي مجموعة إسلامية لن تقف في وجه المصالح الاقتصادية لو كان لها السيطرة لأن مصلحة أي دولة في العالم هي تكوين علاقات اقتصادية قوية مع الغرب كحل وحيد لتحقيق الرفاه الاقتصادي، وهذا هو الاتجاه الذي يجب أن تؤيده المؤسسات الأمريكية المهتمة وهي تكوين الإقليم بشكل يجعله معتمدا على الغرب مهما كان رفضه له.
يبقى الخطر على إسرائيل، وهو ما على الحكومة الأمريكية حسب رأي هذا الكاتب أن تحميه من المجموعات الإسلامية بتعريفها الواسع جدا الذي ذكرناه في البداية، وإن كانت هذه المجموعات لا تشكل الآن في رأيه أي خطر على إسرائيل ما دام أي منها ليس لديها أسلحة دمار شامل، وهي حسب رأي الكاتب، الخطر الوحيد الذي يمكن أن تخاف منه إسرائيل.
الولايات المتحدة أيضا حسب هذا الكاتب عليها أن تفهم التنوع الشديد لكافة قطاعات الإسلاميين واختلاف أهدافهم، وفتح قنوات حوار معهم، والتفريق بين الخطاب الإسلامي العلني وبين الحقيقة في إعلان الحرب على إسرائيل مثلا.
الكاتب أيضا يقدم اقتراحات أخرى والتي في النهاية يستنتج بأنها قد تساعد في الانتصار في الحرب الباردة الجديدة التي يخوضها الغرب ضد الإسلام.
مرة أخرى هذه آراء كاتب واحد، ولا تعبر بالضرورة عن سياسة الحكومة الأمريكية ولا طريقة فهمها للعالم الإسلامي، كما لا تعني أن ما يقدمه أفكار تمثل الحقيقة بأي شكل من الأشكال.
* نُشر في جريدة المسلمون الدولية