لماذا تسعى الشركات الغربية للتعرض للإسلام؟

من قسم منوعات
الأربعاء 29 أبريل 1998|

لم يكن ما نُشر مؤخرا عن إساءة إعلانات شركة قهوة «اكسبريسو» الإيطالية للرسول، عليه الصلاة والسلام، بتقديم معلومات غير صحيحة عنه أمرا جديدا، فلا يكاد يمر شهر في أمريكا وكندا وأستراليا وغيرها من الدول الغربية التي تشهد نشاطا للجالية الإسلامية فيها إلا وتواجه الجالية حدثا مشابها تتعرض فيه إحدى الشركات التجارية بالتشويه لثقافة المسلمين ودينهم ونبيهم محمد، صلى الله عليه وسلم.

في الأسبوع الماضي مثلا، أعلنت لجنة «يانصيب» ولاية كولورادو الأمريكية، عن سحب إعلان يدعو للمشاركة في مسابقات اليانصيب يبدأ بعبارة «لقد سمعت التعبير القديم عن الجبال التي أتت لمحمد؟»، وجاء سحب الإعلان والاعتذار عنه بعد احتجاج قدمه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية CAIR، للجنة، بأن الإسلام يحرم كل أشكال القمار وأن المسلمين في الولاية أزعجهم التعرض لنبيهم صلى الله عليه وسلم، في إعلان من هذا النوع.

وأكدت اللجنة في اعتذارها أنها لم تكن بأي شكل تقصد الإساءة للإسلام كدين أو للمسلمين كجالية.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه دائما في مثل هذه الحوادث: لماذا تسعى بعض المؤسسات التجارية الغربية للتعرض للإسلام والمسلمين رغم أنه من المفترض أن هذه الشركات ذات أهداف تجارية بحتة تسعى بكل جهد ممكن لجذب الزبون الواحد وليس فقد زبائن من ديانات مختلفة بالإساءة لدينهم؟

أول الأجوبة يأتي بأن هناك بالتأكيد أشخاص تعمل في بعض هذه الشركات أو في الشركات الإعلانية التي تعمل لصالحها ممن امتلأت قلوبهم بالحقد أو باحتقار المسلمين لدرجة محاولة تشويههم من خلال التعرض لهم بهدف الإساءة البحتة.

أحيانا يكون هذا التصرف فردي من موظف صغير مرت عليه عملية الصياغة، وأحيانا قد يتبنى هذا التصرف شخصيات أكبر في الإدارة العليا للشركة.

لكن هذا الجواب لا يخبر في الحقيقة عن كل الأسباب، فهناك أسباب أخرى تبرر تلك الظواهر بشكل أوسع.

  • السبب الأول: أن الثقافة الغربية تتوسع جدا في التعامل مع مقدساتها الدينية في الديانة المسيحية بشكل قد يذهل المسلمين الذي تربوا على احترام خالقهم الله، عز وجل، ودينهم ونبيهم.

في كل مكان تتوجه إليه في الغرب، تجد إعلانات وتعبيرات وأعمال فنية ودرامية وتماثيل تسئ لله، عز وجل، وللنبي عيسى، عليه السلام، وأمه مريم العذراء، عليها السلام، بالرغم من أن عقيدة التثليث المسيحية ترى في عيسى، وأمه مريم، عليهما السلام، صور تمثل فيها الله، سبحانه وتعالى عن ذلك.

في الشهر الماضي مثلا أثناء احتفالات عيد الفصح المسيحي، يمكنك أن تمر في الشارع وقد كتبت على أرضيته تعبيرات وضعتها المؤسسات المسيحية تتضمن اسم الله، عز وجل، وعيسى، عليه السلام، وكل الناس يعبرون من فوقها دون أن يرى أحدا منهم في ذلك الإساءة لهم.

ىمكنك أيضا أن تجد كتبا للأطفال أو رسوما كاريكاتورية في صحف واسعة الانتشار تمثل الله، عز وجل، أو عيسى، عليه السلام، بشكل كوميدي شديد السخرية دون أن يلقى ذلك أي احتجاج من المؤسسات المسيحية.

إنه أمر عادي أن تسمع تعبيرات في الطرق تسئ بشكل يجرح شعور المسلم لله، سبحانه وتعالى، منها التعبير الأمريكي الشائع: سأفعل هذا الشئ غصبا عن كل الناس بمن فيهم الرجل الكبير في السماء، تعالى الله سبحانه عما يقول الظالمون، وذلك دون أن تسمع يوما من يستنكر مثل ذلك.

ربما هذا ما يبرر مثلا قضية تمثال الرسول، صلى الله عليه وسلم، في المحكمة العليا الأمريكية التي أثيرت العام الماضي، حيث لا ترى الثقافة الغربية في مثل هذه التماثيل إلا تكريما للأشخاص التي تمثلهم.

مثل هذا التوسع ساهم فيه أيضا انتشار الإلحاد في الغرب والذي يرى في الأديان وسيلة لسيطرة الأنظمة السياسية والمؤسسات الدينية على الناس، وربما سمعت بالقضية الأخيرة التي احتج فيها بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي على تمويل الحكومة الأمريكية لمعرض فني يتضمن رجلا يتبول على الصليب ورد الحكومة الأمريكية بأن حرية التعبير تكفل للجميع قول ورسم ما يريدون.

  • السبب الثاني: أن عددا كبيرا من هذه الشركات الغربية ترى في ذكر الرسول، صلى الله عليه وسلم، أو الإسلام في إعلاناتها، تقربا للزبائن المسلمين الذين يشكلون دائما قوة شرائية لا يستهان بها.

هذه الشركات تفاجأ عادة باحتجاج الجاليات الإسلامية على مثل هذا التعرض وتسرع بسحب هذه الإعلانات والاعتذار عنها بشكل واسع وربما إقامة برامج علاقات عامة لإرضاء المسلمين.

هذه الشركات نفسها لا تلقى مثل هذا الصدى حين تقوم بالشئ نفسه في مجال الديانات المسيحية أو اليهودية أو البوذية، وربما ساعد في ذلك أيضا توسع أتباع الجالية اليهودية والبوذية في أمريكا في التشجيع على مثل هذه الإعلانات أو الأعمال الفنية حتى لو كان فيها أحيانا سخرية من اليهود أو البوذيين على أساس أن ذلك وحده دعاية غير مباشرة لهم وإثبات وجود يدخلهم ضمن نسيج الثقافة الأمريكية التي تعشق السخرية الحادة من كل شئ ابتداء من الذات ومن مكونات الثقافة الأمريكية نفسها.

  • السبب الثالث: قد يعود للجاذبية الخاصة للثقافة الشرقية عند الكثير من الغربيين.

يفسر ذلك النجاح المميز لأعمال درامية مثل مسلسل «علاء الدين»، الذي قدم عدة مرات، ومسلسل «سندباد»، ومسلسل «علي بابا»، وقصص «ألف ليلة وليلة».

في كل هذه الأعمال الدرامية قدم الشرق كما تنظر إليه الثقافة الغربية في أوائل هذا القرن، مزيج من السحر الخاص ذو النكهة المميزة حيث الحياة الطبيعة والجميلة والعاطفية التي لم تغيرها التكنولوجيا والتي تحب المتعة رغم التحفظ.

بالرغم من أن هذه الصورة، بما فيها من سلبيات، تغيرت بشكل حاد منذ أوائل السبعينات الميلادية، حيث بدأت السيطرة اليهودية تشتد على المؤسسات الإعلامية الغربية وصارت تسعى لجعل الرجل الغربي ممتلئا بالكره لهذه الثقافة، بالرغم من ذلك، فقد بقي الشرق عند الكثيرين مصدر جاذبية تجعل الكثير من المؤسسات التجارية والإعلامية راغبة في استخدام رموزه، بما فيها الرموز الدينية، في التعبير عنها.

لكن لأن هذه الثقافة تشوهت بما يكفي _ ادخل شبكة الإنترنت وتألم بما يكفي للإساءات التي يتضمنها للإسلام وللرسول محمد، صلى الله عليه وسلم _ ولأن المسلمين لم يقوموا أبدا بجهد يستحق التقدير في التعبير الصحيح عن ثقافتهم وديانتهم، ولما ذكرناه من توسع الغرب غير المحدود في التعامل مع الرموز الدينية جاء التعبير عن هذه الثقافة الشرقية الجذابة مشوها مسيئا وشديد الاستفزاز في بعض الأحيان.

هل الإيمان بأنه ليس وراء كل «إساءة» للمسلمين ولدينهم مؤامرة سوداء ضدهم يعني الاسترخاء وترك الحابل يختلط بالنابل؟

بالطبع لا، فمثل هذه الإساءة حتى لو كان وراءها أحيانا حسن نية تشوه المسلمين على كل حال وتسئ لدينهم الذي يحلم المسلمين بإيصاله بشكل إيجابي وجذاب لكل إنسان على وجه الأرض.

الحل كما هو دائما جهد مكثف ومخطط وواعي لطبيعة الثقافة الغربية يستهدف تقديم الإسلام والثقافات الإسلامية بما فيها العربية والتركية والأفريقية والآسيوية بشكل حقيقي إيجابي معلوماتي ذكي.

ربما كانت التكنولوجيا الحديثة بما فيها الإنترنت فرصة لا تعوض في تحقيق هذا الهدف، ولكن هل يعي المسلمون يوما أن التعامل مع الجزئيات الصغيرة لن يكون إلا بالتعامل مع جذور المشكلة العميقة وعلاجها؟

* نُشر في جريدة المسلمون الدولية