التعليم عبر «يوتيوب»: قد يكون هو المستقبل..

من قسم الثورة الرقمية
الثلاثاء 24 أبريل 2012|

بالرغم من أن المؤسسة التعليمية ذات أهمية خاصة في حياة كل إنسان، وبالرغم من كونها تتعامل مع قدرتنا على التعامل مع المعلومات والتفكير والبحث والتحليل وبناء المهارات، إلا أنها بقيت الأبعد حتى الآن عن الاستفادة من التطور الهائل والسريع للتكنولوجيا في حياة الناس، مقارنة بالشركات والأفراد وحتى الحكومات.

لا أريد هنا مناقشة أسباب “تصلب” المؤسسة التعليمية، ولكن هناك شعور عالمي ودراسات مستقبلية بالمئات تؤكد أن التعليم سيتطور بما يتوافق مع تطور الإنسانية الذي حدث في العقدين الأخيرين، وأن التعليم المدرسي والجامعي كما نعرفه اليوم سيموت تدريجيا.

التعليم يجب أن يراعي أن المعلومات صارت متاحة بكميات هائلة خلال ثواني من البحث، وأن قدرات الإنسان على تحليل المعلومات صارت أهم من قدرته على معرفتها وتذكرها، وأن احتياجات الإنسان العملية صارت من التنوع بحيث لا يمكن خلق عدد لا محدود من التخصصات، وأن هناك تطور أيضا في تخصصات الأساتذة الجامعيين بحيث صار من الصعب الاستمرار بفعالية في النظام الجامعي الحالي، في حين أن هناك أزمة عالمية في إيجاد المدرس الجيد للمراحل الأساسية في التعليم، المدرس الذي يفني عمره لأجل طلبته بمقابل مادي مشابه لذلك الذي يحصل عليه الموظف الحكومي الكسول.

لهذا كله، بدت المحاولات الخاصة بتطوير التعليم ليتوافق مع كل هذا أمرا منطقيا، وإذا كانت تلك المحاولات بدأت بتطوير أنظمة التعليم عبر الكمبيوتر أو عن بعد “والتي بدأت في جامعة ستانفورد الأمريكية في الستينات الميلادية” ثم انتقلت لبرامج التعليم عن بعد بالاستعانة بشبكة الإنترنت، فإن الاتجاه الآن ماض نحو بناء مناهج وبرامج دراسية مجانية وتفاعلية عبر الإنترنت.

الفارق هنا هو “تفكيك” النظام الدراسي القديم، بحيث يصبح الطالب قادرا على اختيار مواد دراسية معينة ومشاهدة الفيديوهات الخاصة بها، والتفاعل مع الطلبة الآخرين الذين قد يصلوا لمئات الآلاف حولها، ليصبح مستعدا بعدها لأخذ اختبار في تلك المواد.

أحد الشركات واسمها Coursera.com، أعلنت عن حصولها على تمويل يتجاوز الـ16 مليون دولار من جهات استثمارية عريقة في “وادي السيليكون” بسان فرانسيسكو، لتقديم مواد دراسية جامعية مجانية عبر الإنترنت، سواء في تخصصات العلوم، أو العلوم الاجتماعية أو الهندسة وغيرها.

مؤسسو الشركة هما أستاذان جامعيان من جامعة ستانفورد، والهدف هو إتاحة المواد عبر نظام تفاعلي جديد، تسمح بوضع المواد على شكل فيديوهات قصيرة لا تزيد عن 10 دقائق لكل منها، ثم السماح للطالب بأخذ اختبار ذاتي قصير في تلك الفيديوهات.

هناك أيضا نظام تفاعلي يسمح للطلاب بتقييم اختبارات الطلبة الآخرين وأجوبتهم، بالإضافة للتواصل الجماعي لمناقشة أي سؤال لدى مجموع المتعلمين، أي باختصار نظام اجتماعي للتعلم الذاتي.

النظام لقي قبولا أكاديميا واسعا لدرجة أن خمس من أكبر جامعات أمريكا “ستانفورد، برنستون، ميشيجين، بنسلفانيا، وكاليفورنيا بركلي” سمحت بتقديم مواد لطلبتها عبر تلك الشركة.

أما الدخل المالي فسيتم التخطيط له في المستقبل بعد أن تحقق الشركة قوتها من خلال خدمات إضافية اختيارية للطلبة، وهو الدخل الذي سيسمح بالتوسع في نظم الشركة التقنية وخدماتها وهيئة التدريس.

شركة أخرى واسمها udacity.com، أسسها أكاديمي ومدير سابق للأبحاث في “جوجل” تقدم نفس الفكرة، واستطاعت تقديم موادها لعشرات آلاف الطلبة، والجوهر الأساسي هنا أن إعداد المحاضرات بهذا الشكل يعني التركيز على رفع مستوى الجودة، لأنها محاضرة سيستهلكها الآلاف، وترك ما يتعلق بحل المشكلات والإجابة على الأسئلة واستيعات المعلومات للنظم التفاعلية التي يتم بناءها حول تلك المواد الدراسية.

هناك مبادرات عديدة تطرح الفكرة نفسها، وإن كانت الأعين معلقة على تجربة MIT أحد أعرق جامعات أمريكا وأكثرها أهمية في تطوير الأفكار الجديدة، والتي أعلنت عن مبادرة باسم MITx والتي تطرح موادا بالطريقة نفسها ابتداء من الشهر الماضي.

هذا ربما ما يجعل سلمان خان رائدا في هذا المجال، والذي بدأ تجربته قبل الجميع عبر “خان أكاديمي” على موقع “يوتيوب”، ولقى ثناء ودعما خاصا من بيل جيتس، فالدروس في خان أكاديمي موجودة مجانا، بينما يجتمع الطلبة في الفصول في ورش عمل اختيارية لمناقشة المحتوى والاختبار في المعلومات المطروحة.

أكتب كل هذا لأن مشاكلنا التعليمية الكثيرة قد تعالجها مبادرات مثل هذه، ترفع مستوى المادة التعليمية، تحفز على الاهتمام بالتعليم من خلال الميزات التفاعلية، وتقلل من السلبية.. قد يرى البعض أنني مبالغ، ولكن قد تكون هذه المبادرات هي مستقبل التعليم الجديد..