معاناتنا اليومية تستدعي الكثير من الرحمة

من قسم منوعات
الإثنين 06 أكتوبر 2008|

لكل إنسان عربي قصص لا تعد من المعاناة اليومية، ومعاناة أكثر من حوله لدى الأقرباء والأصدقاء والأشخاص الذين يلتقيهم كل يوم.

نحن نعاني لأننا متخلفون ولدينا مشكلات كثيرة، ونتاج هذه المشكلات هي قسوة الحياة على البعض منا، وعندما تنتهي المعاناة، نكون قد خرجنا من إطار التخلف وعالجنا مشكلاتنا.

هذا هو ببساطة الفرق بيننا وبين المجتمعات الغربية والآسيوية المتقدمة: لديهم حجم أقل من المعاناة اليومية.

لا أريد أن أعدد أشكال المعاناة التي نلاقيها، فلكل منا قصصه وظروفه، نعاني من الضغط النفسي بسبب سوء التعامل والروتين وعدم العدالة، ونعاني لأن الآخرون قاسون ولا يجدون من يردعهم، ونعاني لأننا نعيش في حيرة أمام مستقبل أبناءنا وهم لا يجدون المدارس المناسبة أو الجامعات المتميزة، ونعاني لأن أطرنا الأخلاقية غير واضحة تماما، ولا نعرف متى نتصرف ومتى نتوقف، ونعاني لأننا لا نعرف كيف نشارك في تغيير مجتمعاتنا، ونعاني لأن حولنا الكثير من الحمقى الذين يفرضون آرائهم علينا، ونعاني لأننا نحلم ثم نصطدم بواقع مضاد تماما للحلم..

لدينا مشكلات اجتماعية كثيرة، المرأة تعاني عندما يكون نصيبها مع رجل غير مناسب، وتعاني حين لا تتزوج، وتعاني عندما تتخلص من زوجها، والأطفال يعانون في حالات كثيرة، ولأن معظم الدول العربية لا توجد لديها أنظمة ضمان اجتماعي ذات جدوى، فالفقير يعاني كل يوم، يعاني بلا حدود، في كل لحظة.

لأنه لا توجد لدينا جهود بناء اجتماعي ذات قيمة، يكون حظ الإنسان مرتبط بمستوى والديه، فإذا كان الوالدين جهلة، تكون قرارات الأسرة كلها خاطئة، دون أي جهد اجتماعي لتعويض ذلك، ويدفع الأبناء ثمن ذلك غاليا في معظم الأحيان. نعاني لأن لدينا طبقات اجتماعية ومادية ورؤى دينية متشددة ومجموعات عديدة جدا تحاول فرض آرائها وإقصاء الآخرين.

أساس الإصلاح والتطوير الاجتماعي هو علاج المعاناة اليومية. لقد جهل السوفييت هذا الدرس فطوروا دولهم ولكنهم أهملوا المعاناة، فثار الشعب يوما وكأنهم كانوا أبناء دول متخلفة، وكثير من الدول العربية تناقش القضايا الكبرى وتنسى المعاناة اليومية، وكثير من السياسيين والإداريين العرب يبذل الغالي والنفيس في إرضاء الناس عبر طروحات سياسية فضفاضة وينسى اتخاذ قرار أو اثنين يقلل بهما معاناة الناس.

ما أجمل مقولة الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عندما جعل مسؤوليته الإدارية مربوطة بتعثر عنز في العراق، أو بمعنى آخر جعل هدفه الاستراتيجي هو إنهاء المعاناة في أي مكان في الدولة التي يحكمها بما في ذلك العنز التي قد تتعثر في الطريق. لم يتحدث عمر حينها عن أنه يلوم ضميره إذا لم تصل حدود دولته للصين وروما، بل عن المعاناة اليومية.

ينسى الناس أن معاناتنا لها أسباب، الرجل الجاهل لم يتلق تعليمه بسبب أسرته، وبسبب فقره، والمرأة المخطئة لها أسبابها، والشاب والمراهق المخطئ له أسبابه، ونحن في كثير من الأحيان لا نتفهم هذه الأسباب، وأن الضعف الإنساني يجعلنا لا نعرف كيف نتجنبها حتى لو كان كل الحكماء يحكون لنا عن الطريقة.

أكتب هذا المقال لأطالب بحجم غير محدود من الرحمة في القلوب ولأطالب بالتقليل من الضغط الاجتماعي الذي نضعه على المخطئين، ولأطالب بأن نقلل من كون غضبنا ونقدنا وحكمنا على الآخرين يمثل جزءا من معاناتهم.

بدلا من أن نلعن الظلام نحتاج لأن نشعل الشموع، وبدلا من صب ألسنة نار الغضب على كل من لا يعجبنا سلوكه وفكره وحالته الاجتماعية والمادية والنفسية والعقلية، ينبغي أن نسعى لمساعدة الناس في معالجة معاناتهم وأن نقدم لهم المزيد من التعاطف والقليل جدا من الحكم السلبي عليهم.

إصلاح مجتمعاتنا والوصول لحياة بقدر معقول من المعاناة سيأخذ عقودا طويلة من الزمن، ولكن يمكننا حتى ذلك الوقت أن نقدم الكثير الكثير من الرحمة للآخرين.

ما أقسى البشر على البشر !

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية