الإنسان بطبيعته له غرام خاص بالناس الذين يملكون قوى خارقة، لهذا السبب كانت للمعجزات النبوية أثرها الخاص في الشعوب الذين أرسل لهم الرسل والأنبياء، صلوات الله عليهم، ولهذا السبب بقيت “كرامات الأولياء والصالحين” جزءا من التراث الذي تداوله المسلمون بكثافة في القرون المتأخرة.
هذا الاهتمام الشعبي بالقوى الخارقة هو أمر تشترك فيه جميع الحضارات الإنسانية القديمة والحديثة وهو جزء من احتفال الإنسانية بمبادئ البطولة والتفوق والمنافسة، وهو أيضا جزء من رغبة الإنسان الجامحة في تحدي الضعف الذي يعيشه من الناحية الفيزيائية بينما عقله وخياله الطموح يذهب في اتجاهات لا يستطيع جسده المحدود تحقيقها.
هوليود عبر السنوات لعبت على هذا الوتر بنجاح غير عادي، فهي دائما تتحدث عن الإنسان “السوبر” أو المتفوق، سواء كان ذلك تفوقا خرافيا “خياليا” أو تفوقا تكنولوجيا أو تفوقا في القدرات العقلية أو تفوقا في القدرات الخفية والنادرة.
هوليود بذلك تضرب عصفورين بحجر، فهي من جهة تدغدغ هذا الشعور الإنساني العميق وتكسب تعاطفه ومشاهدته للمادة السينمائية أو التلفزيونية، وهي من جهة أخرى، تمزج هذه القصص بقصص التفوق الأمريكي والتي تمثل رسالة هامة ترسلها هوليود مع كل فيلم قصدا أو بغير قصد.
في هذا العام ركزت أربعة أفلام أمريكية رئيسية على قوة خفية خرافية واحدة للإنسان وهي القدرة على الانتقال من مكان إلى آخر بلا قيود، والقوة الخارقة في تحقيق ما يريده الإنسان.
أول هذه الأفلام كان القافز Jumper، لرجل يملك موهبة الانتقال من أي مكان إلى مكان في العالم بمجرد التفكير فيه، والثاني الرجل الحديدي Iron Man، لرجل امتلك القدرة نفسها من خلال تطوير لتكنولوجيا في معمله الشخصي، والثالث هالك Hulk، لرجل خارق بشكل خرافي كذلك _ معروف لدينا بالرجل الأخضر، والرابع فيلم هانكوك Hancock لويل سميث، الذي أيضا يملك قوة خرافية خارقة.
هذه الأفلام تعتبر بعض أهم 20 فيلما هذا العام، وهي وحدها تكشف غرام هوليود المبالغ فيه بقوى الإنسان الخارقة.
هذه القوة الخرافية بالذات هي جزء من تراث العصور المتأخرة لدى العرب متمثلا في “أهل الخطوة” وهم حسب كتب الصوفية المتأخرة من الأولياء الذين منحوا كرامة الانتقال من مكان إلى آخر أو التواجد في عدة أماكن في نفس الوقت، ومثل هذه القصص كانت تلعب على الوترين نفسهما الذين تلعب عليهما هوليود: دغدغة المشاعر الإنسانية العميقة، وإثبات التفوق لهؤلاء الأولياء الصوفيين.
لكن القوى الخرافية بقيت أيضا منذ زمن قديم وحتى يومنا هذا سؤالا إنسانيا لا يملك أحد عليه إجابة قاطعا: هل هناك وجود للقوى الخفية؟ هل هناك أشخاص مثلا يستطيعون قراءة الأفكار؟ هل هناك أشخاص يستطيعون التنقل عبر الأماكن أو عبر الأزمان داخل خيالهم أو عقولهم؟ هل السحر مجرد اعتماد على الجن أو هو أحيانا قوة خفية جبارة للساحر؟
قد تكون الإجابات البديهية هي أنه لا وجود للقوى الخفية، لكن لو كان يهمك الجواب فعلا، فعليك أن تقرأ كتاب “الإنسان وقواه الخفية” للكاتب البريطاني كولن ولسون، والمشهور بسلسلة كتبه “اللامنتمي”، حيث حاول في 600 صفحة الإجابة على هذا السؤال، وحاول استعراض مختلف قصص القوى الخفية التي تم توثيقها في التراث الإنساني بما في ذلك على سبيل المثال قصة الخليفة عمر بن الخطاب، الذي نادى من على المنبر: “يا سارية.. الجبل الجبل”، والتي رأى فيها ولسون، انتقالا لحظيا عبر الذهن من مكان إلى مكان آخر بعيد جدا.
القوى الخفية حسب كولن ولسون، كانت أقوى وأكثر عمقا لدى الإنسان القديم، إلا أنه استنتج ذلك بطريقة ضعيفة علميا، ولكنها شديدة الجاذبية فلسفيا، والكتاب مترجم للعربية، وقراءته متعة لا تعوض.
هناك كتب علمية كثيرة ركزت على كيفية “استنبات” القوة الخفية، أي كيف يمكن للإنسان أن يطور بعض قدراته العادية لتصبح قوى متفوقة، وهناك عدد من القضايا الهامة في موضوع القوى الخفية، وهي ما ستكون موضوع هذا المقال في الأسابيع القادمة.
ما هي قوتك الخفية؟
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية