في الأسبوع الماضي تسمرت عيون مئات ملايين البشر على شاشات التلفزيون تشاهد مجريات تنصيب الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
كان للحدث إيحاءات كثيرة تناولها الإعلام على اختلافها، كما كان للحدث إلهامه للجماهير التي تشاهد أوباما، الرجل العادي من الأسرة الفقيرة والأصول السوداء، والذي أصبح رئيسا لأقوى دولة في العالم، بعد أن استطاع توحيد أصوات الأمريكيين من حوله ليخلق لهم أفقا من التغيير والأمل في وقت تعاني فيه أمريكا ومعها العالم من أزمات اقتصادية وسياسية خانقة.
أوباما وبلا شك تمثلت فيه “صفات القيادة”، والتي مكنته وحدها من تحقيقه لهذا الإنجاز، وإذا كانت الفرصة قد أتيحت له ليفعل ذلك، فإن الكثير من شباب اليوم قد يتمنى أن تتاح له فرصة “ممارسة” تلك الصفات وتحقيق الإنجاز الذي تشرأب إليه أرواح الذين اشتد بهم الطموح، أو سمت بهم الأماني.
وفي الواقع، فإن القيادة لا تساهم فقط في تحقيق الأحلام بل إن القيادة بحد ذاتها يجب أن تتحول إلى حلم يسعى إليه الناس، لأن القدرة على صناعة النجاح وإحداث التغيير الإيجابي وتنمية الحياة اليومية للناس، والقدرة على ضخ الأفكار الجديدة وبناء قصور الأمل، كل هذه صفات تمثل بحد ذاتها إنجازا ضخما لمن يستطيع تحقيقها في حياته.
سمعت بدورات تدريبية كثيرة عن القيادة، وأعرف أن هناك من يبذل الجهد في هذا التدريب، وهناك آلاف الشباب الذين دفعوا الغالي والنفيس في حضور هذه الدورات، ولكن هؤلاء يبقون قلة، وبعضهم فقط يتمكن من تطبيق هذه الأفكار، وبالمقابل هناك مئات آلاف المدراء في كل مؤسسة حكومية أو خاصة تنقصهم صفات القيادة والقدرة على تطبيقها ويرتكبون عشرات الأخطاء كل يوم.
من النادر جدا أن تجد المدير الناجح الذي وضع رؤية مميزة وأهدافا ناجحة وسعى بمن يعملون معه كفريق واحد لتحقيق تلك الأهداف، وهو يصنع ذلك وقد اختطف قلوبهم حبا لمديرهم وإيمانا بما يفعلون، وفي نفس الوقت يستوعب تنوع شخصياتهم وضعف تدريبهم وغياب ثقافة الإنجاز عن بعضهم، فيطورهم وينطلق بمن يستحق منهم إلى بر النجاح.
قد تبدو هذه رؤية مثالية، ولكن الحقيقة أن لدينا عددا هائلا من المدراء الذي يكرهه كل من حوله، والذي لم يستطع يوما أن يتسامي عن رغباته الشخصية ومزاجاته اليومية في تعامله مع فريقه، ولم يستطع أبدا أن يرسم لهم حلما مشتركا يسعون إليه حتى لو كان حلما تافها.
بمعنى آخر، لدينا عدد هائل من المدراء الذين لا يملكون صفات القيادة، وليس لديهم حتى الوعي بأنهم لا يملكونها، وأن عليهم بذل الجهد للتدرب عليها وتطوير أنفسهم لممارستها في حياتهم اليومية.
هناك بلا شك – مقارنة بالمجتمعات الغربية _ فجوة اجتماعية ضخمة في فهم معظم الناس لمفاهيم القيادة وللرغبة في القيادة وما يعنيه ذلك في حياة الإنسان.
بالمقابل، فهناك تركيز أكبر لدى المدراء على استخدام القوة في تحقيق ما يريدون، وتركيز على المكاسب الفردية أكثر من الاهتمام بمكاسب الفريق ومن يعملون معه أو الاهتمام بتحقيق الأهداف.
في الحقيقة لا أذكر أن أحدا تحدث في مناهجنا الدراسية عن قيمة معنى القيادة في حياة الإنسان، ولو كانت موجودة في المناهج، فإن سلوك نسبة كبيرة من المدرسين والتي لا تختلف عن سلوكيات المدراء التي وصفتها أعلاه ستساهم بالتأكيد في خلق النموذج الاستبدادي وليس القيادي في حياة الإنسان.
أن تكون قائدا معناها أن تكون قادرا على الامتداد خارج نفسك، ومعناها قبل ذلك أن تمتلك الثقة والأمل والإيمان بالتغيير والشجاعة والأهداف والتصميم والتربية الذاتية التي تؤهلك لتكون شخصا مميزا.
هذا هو جمال الحياة، وهذه هي الإنسانية في أعلى صورها، وهذا ما يفتقده الكثيرون في حياتهم.
ولاؤلئك الذين ليسوا بمدراء فالمقال لهم قبل غيرهم، فيوما سترتقي بك السلالم، لتتحمل المسؤولية، وحتى ذلك الحين فأمامك الفرصة لتمتلك كل المعاني في أعماقك لتجعلك جاهزا للقيادة.
ولكل الآباء والأمهات، أول خطوة في القيادة هي صناعة القيادة الناجحة داخل المنزل.
أول خطوات التغيير هي أن تغير نفسك!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية