كتب الزميل عبدالعزيز قاسم، قبل أيام، مقالا أكد فيه المقولة الشهيرة “ارفع رأسك أنت سعودي” وكان بمثابة الرد على مقال الكاتب نجيب الزامل، في هذه الجريدة والذي طارت به ركبان الإنترنت وكان بعنوان “اخرس يا سعودي”.
وفي مقال الزامل، تجربته مع بعض الملاحظات السلبية حول صورة السعوديين في الخارج، وجاء قاسم ليرد بتجربته الشخصية هو أيضا والتي كانت إيجابية.
وللحق فإن التجارب الشخصية لا تمثل معيارا لسمعة دولة فلا يوجد شعب في الدنيا يحبه كل الناس أو يكرهه كل الناس، كما أن في كل شعب من شعوب الأرض الأخيار والأشرار، والناس يحكون عادة من تجاربهم الشخصية، ومن كانت تجربته إيجابية مع شخص من دولة ما قد يظن أن كل أهل هذه الدولة من الأخيار ومن كانت تجربته سلبية تركته أحيانا في حالة من الانزعاج والرفض والحكم الجائر على الشعب كله.
إن صورة السعوديين في الخارج أمر حيوي جدا بلا شك، ولكن لا يمكننا قياسها من خلال تجاربنا الشخصية بل لا بد من اتخاذ وسائل علمية واستراتيجيات مخطط لها بعناية للوصول إلى إجابة واضحة ومفصلة، لأن هذه الإجابة هي التي ستسمح فقط بوضع خطة فعالة لتطوير هذه الصورة بالشكل الذي يخدم الأهداف العامة التي يراد تحقيقها.
وقبل الحديث عن الوسائل العلمية لدراسة واقع الصورة الذهنية وكيفية “هندستها” أود أن أشير إلى أن هذا الموضوع ينبغي أن يلقى اهتماما خاصا في السعودية لأن كل الأحداث خلال السنوات الماضية أكدت أن أضواء الإعلام والسياسيين وخبراء الاقتصاد تتوجه كل يوم نحو السعودية.
بالنسبة للعالم، السعودية هي الدولة ذات المخزون الأكبر من النفط في العالم وبالتالي صاحبة تأثير مباشر في حياة الناس اليومية، كما أن السعودية هي الدولة التي ارتضت لنفسها مسؤولية قيادة العالم الإسلامي سياسيا وإعلاميا، وهي كذلك مركز الثقل الأساسي للتفكير الإسلامي وإليها تتطلع كل أفئدة المسلمين حول العالم، ومع ارتباط الإسلام بالتغيرات العالمية التي حصلت خلال العقد الأخير من الزمن فإن هذا زاد من تعرض المملكة للأضواء.
هذه العوامل وغيرها كثير مثل الطبيعة الفريدة للمجتمع السعودي جعلت السعودية تحت الأضواء وستبقى تحت الأضواء، وستتباين الآراء بشأنها دائما وسيكون هناك دائما الغاضب والرافض والحاقد كما سيكون هناك دائما العاشق والمحب والراضي، هذا هو شأن كل الدول المؤثرة في العالم ابتداء من أمريكا ومرورا بالدول الأوروبية الأساسية وانتهاء باليابان والصين.
لكن هذه الحقيقة لا تعني الاستسلام بل تعني أن هناك الكثير من الجهد الذي تحتاجه السعودية بشكل متواصل لا يعرف الملل ولا الكلل لتحويل هذا التحدي إلى فرصة حقيقية لرسم صورة ذهنية عالمية لها تأثيرها الإيجابي والعملي في نفوس ملايين الناس حول العالم.
طبعا هذا الاقتراح ليس جديدا من نوعه، بل إنه بعد 11 سبتمبر حصل حديث كثير ومؤتمرات حول الموضوع ثم تجمدت كثير من التوصيات ولم تأخذ حيز التنفيذ، ولكن الغريب في هذه المؤتمرات، وقد حضرت بعضها، أنها تعاملت مع الصورة الذهنية للدولة بعيدا عن المبادئ المتبعة عالميا في صناعة الصورة الذهنية للدول والمدن والتي نجحت في حالات كثيرة بما فيها دبي والتي أطلقت واحدة من أقوى حملات تسويق المدن في العشر سنوات الأخيرة.
صناعة الصورة الذهنية للدولة لا يختلف كثيرا عن صناعة العلامة التجارية Branding التي تمر بمراحل عديدة تساهم في النهاية في شهرة العلامة التجارية وإقبال الجمهور المستهدف عليها، وهناك اهتمام عالمي بهذا الشأن حتى أنه لا تكاد توجد مدينة في الغرب بالإضافة لعدد كبير من الدول بما فيها الدول الآسيوية إلا ولديها خطة طموحة متعددة المستويات لتطوير صورتها الذهنية حسب ما يراها الجمهور سواء كانوا رجال أعمال أو سياسيين أو غيرهم.
سأتحدث الأسبوع القادم بتفصيل حول الموضوع مع ذكر بعض الأمثلة العالمية المميزة في هذا المجال.
للأضواء مسؤوليتها ومتاعبها وتحدياتها وثمراتها أيضا..
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية