أحد الظواهر الغريبة التي يلاحظها الطلبة السعوديون والعرب عندما يذهبون للدراسة في الجامعات الأمريكية أو الأوروبية هي الصراعات الحادة التي تعاني منها الجاليات العربية والإسلامية والتي تتضح أكثر في أماكن تجمع هذه الجاليات مثل المراكز الإسلامية والاجتماعية وغيرها، حتى يكاد الشخص يشعر أحيانا في لحظة يأس أنه لا عدو له في تلك البلاد إلا ابن جلدته الذي لا يهنىء له بال حتى يكدر عليك.
والغريب أن هذه الصراعات لا تدور حول مكاسب مادية أو اجتماعية ضخمة، بل تكون حول أمور في منتهى التفاهة، وعندما تسأل العقلاء لماذا كل هذه الخلافات الغريبة ولماذا يتحول العربي الذي يتحدث بطلف شديد مع زملائه الأمريكيين إلى رجل قاس القلب سيء اللغة عندما يجلس مع العرب ويشارك في أنشطتهم، تتجه الاتهامات لتلك الجالية أو تلك المجموعة أو لأن عملاء الـFBI يدسون الخلافات بين العرب.
في رأيي الشخصي تعود تلك الخلافات لأن المجتمع الغربي يمثل أرض اختبار تلتقي فيه الجاليات العربية على أرض محايدة لا تنتمي لأي فئة عربية مسيطرة على الوضع، ولأن العرب في الحقيقة يملكون في قلوبهم الكثير من الصور السلبية والقاسية ضد الدول العربية الأخرى فإنهم عندما يجتمعون مع بعضهم تكون النتيجة دائما عدم القدرة على بناء أرضية مشتركة والانسجام لتحقيق أهداف واحدة وعدم القدرة حتى على بناء علاقات ودية بين الأفراد.
هذه النتيجة تبدو صادمة جدا لأجيال عاشت تتغنى بالنداء العربي الموحد وتتحدث عن الوطن العربي الكبير والصراع المشترك ضد العدو الواحد وتترنم بقصة الشعوب العربية التي تمضي في تظاهرة ضخمة نحو تحقيق أحلام العرب، لكنها الحقيقة في رأيي التي لن يزيد تجاهلها وضعنا إلا سوءا.
اختبر أي شخص أمامك واسأله عن أول شيء يخطر بباله عندما تذكر له عربيا من جنسية أخرى، قل للمصري ما رأيك في السعوديين، السوريين، المغاربة، السودانيين، وقل لفلسطيني ما رأيك في الإماراتيين والكويتيين والمغاربة والسعوديين واسأل مغربي عن رأيه في الجزائريين والتونسيين وحتى البحرينيين، وأنا أراهن أنك في نسبة كبيرة جدا من الحالات ستسمع فقط صورا ذهنية سلبية فيها الكثير من التعميم والتجني على ذلك الشعب العربي الآخر.
في الأسبوع الماضي كتب أحد الزملاء يهاجم موقع العربية.نت لأنه يسمح بنشر التعليقات التي تتضمن نقد شعوب الدول العربية، وبالطبع هذا يأتي في الغالب من مواطني دول عربية أخرى، على أساس أن ما يفعله الموقع يساهم في تفتيت أواصر الوحدة والمحبة التي تسود العرب.
من ناحيتي أرى دائما أن إخفاء المشكلة والتعتيم عليها لا يساهم في علاجها، بل إن هذا لا يمثل إلا مزيدا من السلبية في التعامل مع المشكلات.
علاج المشكلات هو مواجهتها والبحث لها عن حلول مهما كانت صعبة أو معقدة، وحتى لو لم يكن معالجتها يجب الاعتراف بها وبضخامتها عندما يكون ذلك واقعا.
بدون نية طيبة ونظرة إيجابية بين الشعوب العربية لن تكون هناك جهود عربية مشتركة ناجحة ولن تكون هناك مواجهة جماعية ذكية وبناءة للأزمات وستفشل محاولات بناء التقارب الثقافي، ولن تساهم نظرة الغضب أوالاحتقار في عيون العرب ضد العرب الآخرين إلا في زيادة فرقة العرب وضعفهم وفشلهم في بناء عمل مشترك في زمن لا تقوم لأحد فيه قائمة سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا بدون بناء التحالفات وتوسيع رقعة التعاون جغرافيا.
هل من الممكن علاج المشكلة؟
الجواب بالتأكيد نعم، فقد كان البيض والسود في أمريكا قبل أربعين سنة على صراع يفوق بمئات المرات الخلافات بين الشعوب العربية، وخلال ثلاثة عقود من الجهد الجبار والمنظم والمميز استطاع الأمريكيون أن يقضوا على كثير من هذه الخلافات وأن ترى الكثير من الزيجات بين السود والبيض وأن ترى مرشحا رئاسيا أفريقي الأصل يقتحم الانتخابات بشكل لم يتوقعه أحد.
بإمكاننا أن نستمر في سلبيتنا نحو مشكلاتنا، أن نضع ابتسامة صفراء على وجوهنا، أن نحافظ على ماء وجه العرب، وأن نمنع كل عربي يهاجم أخاه العربي من الحديث والتعبير عن رأيه ونعلن دائما في بيان رسمي أننا نعشق بعضنا البعض.
وبإمكاننا أيضا أن نحضر المطر للقلوب الجافة!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية