علاج «حيرة السوبرماركت»

من قسم منوعات
الخميس 18 سبتمبر 2008|

قبل حوالي سبع سنوات عملت لعدة أشهر كرئيس تحرير غير متفرغ لمجلة غذائية سعودية متخصصة اسمها “عالم الغذاء”.

خلال تلك الأشهر تعلمت عددا من الحقائق الصادمة عن “الأكل” و”الطعام” الذي يمثل جزءا مهما من حياتنا اليومية وهي أن اختيار الغذاء السليم هو جزء أساسي من صحة الإنسان، وأن الغذاء المعاصر فيه عدد لا يحصى من المشكلات، وأن البحث العلمي يشتكي كل يوم من حالنا الغذائية، وأخيرا تعلمت أن هناك فريقا من الناس يعتنون بشكل خاص باختيار غذائهم، ويعطون من وقتهم ما يكفي لتعلم كيفية اختيار الغذاء السليم ثم بذل الجهد للحصول عليه من بين أكوام الغذاء الضار التي تحيط بنا في كل مكان، وذلك بحرص يصل إلى حد الهوس أحيانا.

وأنا لست متخصصا في شؤون الغذاء، ولكنني قبلت المهمة لأن الصحفي المحترف يمكنه أن يطبق قواعد المهنة في أي صحافة مهما كانت متخصصة، ولأنني قبلت تحدي أن أحول المجلة من مجلة أكاديمية يقرؤها قلة من الناس إلى مجلة عامة قريبة من قلوب كل الذين يهتمون بالغذاء والريجيم والتمارين الرياضية.

كانت النتيجة الإيجابية النجاح في تحقيق المهمة، والاقتراب والتعلم حول الغذاء، بينما كانت النتيجة السلبية ما أسميها ساخرا بـ”حيرة السوبرماركت” وهي تماما الشعور النفسي الذي يجتاحك عندما تدخل سوبرماركت ضخم وقد قرأت عن الأثر القاتل للهرمونات التي يغذى بها الدجاج، والمغذيات الصناعية والمبيدات التي ترش بها الخضروات والفواكه، وكيف تصنع الأغذية وتعلب مع تجاهل الكثير من الحقائق الصحية، وقرأت عن الغذاء المهجن والمهدرج، وعن آثار الزيوت والمواد الحافظة، وعن تسلل المواد المسرطنة للأغذية، ثم تتذكر السعرات الحرارية وآثار السمنة الضارة، لتقف في النهاية حزينا أو غاضبا، في حيرة شديدة لا تعرف ماذا تفعل، ولا تملك في النهاية إلا أن تتجاهل معلوماتك فتشتري كما يشتري الناس، أو تهرب من السوبرماركت إلى بيتك وأنت تشعر أنك تأكل وتعيش كالزهاد الذين يمتنعون عما في أيدي الناس أملا في النتيجة التي لا يراها عموم البشر.

شخصيا أتجاهل كل النصائح وأمضي وكلي أمل أن يستثنيني القدر من المصير الحتمي لأولئك الذين يأكلون بلا حذر، وأحيانا أحب أن ألتزم بها ثم يصيبني الانزعاج لأنني لا أعرف ماذا أفعل حتى أستطيع الحصول على غذاء سليم!

هناك حلول أفرزتها المشكلة لأولئك الذين يعانون، فهناك شركات بدأت تتخصص في الغذاء الصحي بحيث تصبح ماركاتها شهيرة ومعروفة بأنها تتنتج عن مصانع تأخذ الاعتبارات الصحية بعين الاعتبار ولا تختار إلا المواد الأولية الصحية والعضوية غير المهجنة أو المهرمنة، أي لم تحقن بالهرمونات.

المشكلة لدينا أن هذه الشروط الصحية تجعل الغذاء غالي الثمن، ونحن عندما ندخل السوبرماركت لا يعلمنا أحد أن هذه هي الماركات الصحية، كما لا يشرح لنا أحد إن كانت بعض المواد الغذائية أغلى من الأخرى لأنها صحية أو لأن الوكيل الحصري والمعتمد قد قرر رفع الأسعار اعتقادا منه بأن لدينا أموالا فائضة ينبغي لنا أن نصرفها في شراء منتجاته الغذائية.

هذا بالتأكيد نوع آخر من حيرة السوبرماركت.

هناك أيضا مطاعم عالمية اشتهرت بتقديمها للغذاء الصحي مهما كلف الثمن، بل إن هناك كلية عالمية متخصصة للطبخ معنية بتعليم الطبخ الصحي فقط واسمها “أكاديمية المكونات الطبيعية للصحة وفنون الطبخ” في نيويورك والتي تخرج منذ تأسيسها عام 1977 عشرات الطباخين كل عام الذين يتقنون إنجاز الأكلة الطيبة والصحية في آن واحد.

لا أعرف ما علاج حيرة السوبرماركت سوى بأنني أنصح كل شخص بأن يطور معلوماته الغذائية بشكل تدريجي ويحاول تطبيق هذه المعلومات بشكل عملي بقدر ما يسمح به الوقت وتسمح به الميزانية دون أن يشعر وتشعر أسرته أنه قرر الانعزال عن العالم وبناء عالمه الخاص، لأن مثل هذه الحلول المتطرفة لا يدوم طويلا في العادة.

أخيرا، هناك نصيحة ذهبية في مجال الغذاء تدعمها آلاف الأبحاث العلمية وتؤكد أنها أسهل وأكثر نصيحة قيمة واقلها تكلفة:

“أكثر من الخضروات والفواكه”.

علاج حيرة السوبرماركت أن تهرب منه إلى محل الفواكه بقرب المنزل فهناك الحل والمأوى!

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية