في الأسبوع الماضي كنت في زيارة عمل إلى تركيا، ولما أخبرت عددا من الأصدقاء وأفراد الأسرة بذلك كان الجميع يطلبون مني إبلاغ التحيات _ على سبيل المزاح _ للميس ورفيف وعمر ويحيى وآل أبو شعر وغيرها من رموز مسلسل “سنوات الضياع” أو مسلسل “نور” والذين أصبحوا خلال فترة قصيرة أسماء متداولة بشكل يومي في الشارع العربي.
لقد استطاعت الدراما التركية المدبلجة إلى العربية تقديم خدمة ثمينة لتركيا وصورتها الذهنية في العالم العربي ما قد تعجز عنه كل خطط العلاقات العامة والتسويق التي يمكن أن تبذلها دولة ما، ولن أكون متفاجئا إذا زاد عدد السواح العرب إلى تركيا هذا الصيف نتيجة لذلك.
في نفس الزيارة كنت في حوار مع عدد من الفنانين العراقيين البارزين وعدد من المسؤولين العراقيين الحكوميين، وقلت لهم متأثرا بتلك التجربة بأن الدراما العراقية يجب أن تنشط ويجب أن تستثمر الحكومة العراقية في دعمها لأن الدراما العراقية وحدها ستستطيع نقل صورة إيجابية جميلة عن عراق الرافدين الذين عشقناه عبر الشعر وكتب الأدب وخفنا من أوضاعه عبر نشرات الأخبار.
العراق لا يعيش كل يومه في الأحزان ومع التفجيرات والإرهاب ورائحة الموت، كما يقول لنا المراسلون الإخباريون، بل إن هناك بعد إنساني لشعب عظيم يعاني كل يوم ولكنه في نفس الوقت يكافح كل يوم ويعيش قصصه التي تجعل العراق مختلفا وساحرا كما كان دائما.
الدراما هي خير رسول يحمل الصورة الإنسانية والإيجابية للثقافة الشعبية ويجعل نجوم الجاذبية تدور من حولها، وربما كانت الدراما الأمريكية _ من خلال أفلام هوليوود والمسلسلات بأنواعها _ هي خير عامل ساهم على اكتساح الثقافة الأمريكية لمختلف مجتمعات العالم بلا استثناء.
لقد استطاع المصريون والسوريون الاستفادة من الدراما ليعلمونا الكثير عن لهجتهم وثقافتهم ويجعلوا الحياة المصرية والسورية جزءا من حياتنا اليومية، وهو أيضا ما حاولت الدراما الخليجية فعله في السنوات الأخيرة، ولكن الكثير ما زال يمكن فعله، وخاصة مع بعض الدول العربية التي نحتاج للاقتراب منها مثل دول المغرب العربي والسودان واليمن وفلسطين ودول الخليج وغيرها.
نحن نحتاج لهذه الجهود ونحتاج لدعمها لأنها أولا ستقف في وجه الهجوم الطاغ للدراما الغربية التي دخلت كل بيت لجاذبيتها وتميزها، وحتى يمكن للدراما العربية أن تنافس وتحتل مكانا في قلوب المشاهدين العرب الذين تعددت أمامهم الخيارات اليوم ولم يعد يمكن الاعتماد على أن الدراما العربية هي الشيء الوحيد المتاح لهم.
الدراما العربية هي مشروع وطني ومشروع قومي سيساهم بلا شك في تقريب القلوب العربية وفهمها لبعضها وإيجاد تلاحم إيجابي بين العرب الذين توجد ملايين الأسباب لتفريقهم عن بعضهم، وهي كذلك مشروع عالمي لأن الدراما الناجحة هي بلا شك خير رسول ينقل إيجابياتنا إلى شعوب العالم بعد أن استطاعت نشرات الأخبار أن تقدمنا كشعوب “مصاصة للدماء”.
كيف يمكن دعم الدراما وتحويلها إلى صناعة مربحة فيها الكثير من الإبداع والإتقان والذكاء والمرح بالإضافة إلى الجاذبية الجماهيرية “والتي تمثل سر الأسرار”؟
الفنانون يعرفون الطرق وما يحتاجونه، وهم يذكرون لك إيجاد مدينة للإنتاج أو إيجاد الدعم المالي أو دعم مواهب التمثيل من خلال معاهد متخصصة أو إيجاد اتحاد لتسويق أعمالهم أو غيرها، وحتى يمكن وضع “خارطة الطريق” لدعم الدراما والانطلاق في مسيرة الاقتراب من الشارع العربي أو حتى العالمي.
الفن الناجح هو السفير الأعظم والأجمل الذي يدخل البيوت والقلوب بتلقائية وعذوبة، وهو يتفوق في تحقيق أهداف الأمم على السفراء الحقيقين ووزراء الخارجية والكتب والبروشورات وإعلانات العلاقات العامة.
ربما يوما تكون لدينا نسخة عالمية من “طاش ما طاش” أو “باب الحارة”!
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية