بين القدر والحظ: كيف يكتب سيناريو حياتنا؟

من قسم منوعات
الإثنين 11 يونيو 2007|

هل تمضي فصول حياتنا وكأنها حلقات من فيلم طويل نشاهده مع الآخرين دون أن نعرف آخره لأننا لا نعرف كيف تتغير الأمور فجأة وينعطف بنا القطار حيث لم نكن نتوقع؟ هل حياتنا مرسومة لنا بكل تفاصيلها، وليس علينا إلا أن نعيشها ونتفرج كيف تكون نهايات الأمور وذلك ببساطة لأننا مهما حاولنا فمقدار ما نستطيع به السيطرة على سير الأمور محدود جدا؟

البعض سيجيب نعم، بل إن البعض سيصرخ هذا ما أحسه تماما، فأنا مجرد ترس في آلة الدنيا الضخمة التي لا أفهمها ولا أتوقعها ولا يمكنني التحكم فيها وليس علي إلا أن أنتظر صباح الغد لأرى كيف تمضي بي الساعات والثواني.

البعض الآخر سيجيب بالنفي والرفض، لأنه يشعر بأن الحياة ليس فيها حظوظ، وكل المصائب تحدث لأننا لم نحسن التفكير والتدبير والتخطيط، وكل الأمور الجيدة تحصل لأننا اجتهدنا وعملنا وبذلنا كل ما يمكننا بذله من قدراتنا العقلية والنفسية والعاطفية حتى مشت الأمور بهذا الشكل.

هذا طبعا لا ينفي إيمان هؤلاء جميعا بالقضاء والقدر، فهذا أمر مسلم به وهو جزء من شعور كل من يؤمن بالله، ولكن الناس يتفاوتون في مدى “الشعور الداخلي العميق” بمدى ارتباط ما يحدث في حياتنا بالقضاء والقدر، هل هذا يشمل كل صغيرة وكبيرة، أو أنه خاص فقط بالأحداث الكبرى التي لا يمكن لنا التحكم بها بأي شكل من الأشكال مثل الموت والحياة والأمراض وغيرها.

ولكن علم النفس وجد أن جزءا رئيسيا من طبائع الإنسان النفسية هو شعوره بمدى قدرته على السيطرة على مجريات حياته.

النساء والفقراء وكبار السن ينتشر بينهم عادة أن الحياة تجري كفيلم السينما والذي يشاهدونه ويعيشونه دون أن يكون لهم القدرة على تغيير النص، بينما ينتشر بين الرجال والأغنياء والشباب الشعور بأن الحظ دوره محدود وأنهم هم من يرسم ملامح الحياة ويضع لبنات النجاح لبنة لبنة.

لهذا السبب تجد أن من يؤمن بقيمة الحظ في الحياة يهتم بقراءة الأبراج وكافة الأساليب لفهم المستقبل، معتقدين أن تاريخ ميلادك يحدد طباعك وما ستفعله ونقاط نجاحك ونقاط ضعفك، بينما الآخرون الذين يكرهون الحظ ويؤمنون بأهمية العمل والقدرة على تغيير المستقبل وتخطيط معالمه لا يبالون بالأبراج كثيرا ويرونها مجرد أمر للتسلية والمرح.

لكن في الحقيقة كل الناس يحتاجون نسبة من الإيمان بالحظ ونسبة من الإيمان بالقدرة الذاتية على تغيير المستقبل، الإيمان بالحظ يجعلك تتفاءل بالأيام القادمة، تفتح عينيك بعد نوم عميق وتنتظر كيف تسير الحياة بك، تسعد بالمفاجأة وتفرح بلحظة الانفراج، وعندما تظلم عليك الحياة ترمي باللوم على الحظ والقدر وتؤمن بأن هذا مجرد لقطة من الفيلم وسرعان ما سيخرج البطل ويغير كل شيء نحو الأفضل بحركة خاطفة.

ميزة هؤلاء الناس أن قلوبهم تملأها الرحمة، كلما رأوا مسكينا أو ضعيفا شعروا بأن ظروف الحياة لم تقف إلى جانبهم فيبكون ويعطفون ويمنحون، ولكنهم بالمقابل لا يحترمون الناجحين لأنهم ناجحين بالحظ فقط.

كل الناس أيضا يحتاجون لنسبة من الإيمان بالتحكم في حياتهم، بأن كل مشكلة تحصل لهم سببها إهمال من طرفهم، وأن كل نجاح يعود في جزء منه إلى جهدهم الشاق وذكائهم وتخطيطهم.

في هذه الحالة، ينظر الإنسان بعين ناقدة لكل مصائبه ومشكلاته فيرى أخطائه ويحاول التغيير في حياته على هذا الأساس، بينما إذا حقق النجاح، ينظر بسعادة إلى ما حققه، ويحاول البحث عن الإيجابيات حتى يزيد منها ويحافظ عليها.

ميزة هؤلاء الناس عادة أنهم قليلو الحسد، لأنهم يؤمنون أن كل خير يعيشه الإنسان حصل بجهده وتعبه، وأن من يتعب ويفكر ويخطط سيحصل على الشيء نفسه، ولكنهم بطبعهم قليلو التعاطف مع الضعفاء والمصابين.

أنظر إلى نفسك، وأنظر إلى ماذا ينقصك، آمن بالحظ، ولكن آمن في نفس الوقت بجهدك وبالعمل والتخطيط، ابحث عن النجاح، ولكن تفائل بالحياة، امنح المساكين الكثير من الرحمة، وامنح احترامك للناجحين والمتفوقين.

وفي كل الحالات، احمد الله على النعماء واصبر على الضراء..

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية