شيء محير جدا اسمه «الزواج»!

من قسم منوعات
الثلاثاء 11 سبتمبر 2007|

الردود التي تلقيتها على مقالي حول الزوج الظالم من خلال القراء الأعزاء تؤكد من خلال التناقضات التي تحملها على ظاهرة عالمية اسمها “حيرة الزواج”!

في العقود الأولى من القرن العشرين الماضي كان الزواج هو الحل الواضح للاحتياجات النفسية والاجتماعية للرجل والمرأة، وكانت الأسر كلها تقريبا تعيش حياة متقاربة تشبه الحياة الأسرية التقليدية الموجودة في الدول العربية حتى الآن.

لكن التقدم الصناعي والاقتصادي الذي شهده العالم، وتعقد احتياجات الرجل والمرأة، ووجود سبل أخرى في المجتمعات المتحررة لتحقيق الاحتياجات النفسية والفسيولوجية خارج إطار الزواج، بدأ يحول الزواج إلى ظاهرة محيرة، فهي تبقى أمرا مهما لكن الرجل والمرأة لا يعرفون بالضبط كيف يمكن إحكام التزامات الزواج بحيث تلبي احتياجاتهم الحقيقية.

على سبيل المثال، المرأة تريد أن تتزوج وتعيش حياة رومانسية سعيدة وتريد أن يكون لها أطفالا ترعاهم وتحقق من خلالهم حاجتها للأمومة ولكنها في نفس الوقت تريد أن تمارس حياتها العملية وتحقق أهدافها وطموحاتها في الحياة في مجال تخصصها، والحياة العملية في كثير من الأوقات تتطلب بناء علاقات اجتماعية قوية مع رجال ونساء آخرين، وقضاء وقت طويل خارج المنزل، كما أنها أيضا لا تريد التوقف عن المشاركة في أنشطة الترفيه التي كانت جزءا منها قبل الزواج.

الزوج من جهة أخرى لديه حياته العملية ولديه صداقاته، وهو في نفس الوقت يحب المرأة التي تزوجهان وفي كثير من الأحيان قد لا يعرف إذا كان يحب الأطفال وجاهز للتضحية بوقته وجهده وماله من أجلهم أم لا.

ليس ذلك فحسب، بعد زمن معين، يبدأ الزوجان بالبحث عما يحققونه فعلا من علاقة الزواج، وما إذا كانت العلاقة يجب أن تستمر أم لا، وتبدو المشكلة أكبر في الغرب لأنه لا يوجد ضغط اجتماعي ضد الطلاق، مما يجعله قرارا فرديا بحتا للرجل والمرأة.

هذه المشكلات بدأت تنتقل إلى العالم العربي وتجدها حاليا في المدن الكبرى، وخاصة إذا كانت الزوجة لديها حياة عملية ثرية، أو كان الزوجان بعيدان عن “التدين” الذي يفرض عليهما أن لا تكون لهما علاقات حميمة من أي نوع إلا ضمن إطار الزواج.

ولكن حتى ضمن الزواج التقليدي في العالم العربي تزداد الحيرة بين الرجال والنساء، فبعدما كان الرجل مسيطرا صاحب الكلمة الأولى في المنزل، وكانت المرأة لا حول لها ولا قوة، بدأت هذه الأمور تتغير مع ارتفاع مستوى الوعي والتعليم والتأثر بالثقافات الأخرى، وهذا التغير يفرض أيضا وجود حيرة حول واجبات ودور الرجل والمرأة داخل الأسرة، وكذلك حول ما يستفيده الرجل والمرأة من الزواج.

أما الشباب العرب غير المتزوجين فإن الحيرة بينهم بشأن الزواج ومختلف الأسئلة المرتبطه به صار أمرا شائعا بلا شك.

هدف هذا المقال هو التأكيد على أن هذه ظاهرة عالمية وليست خاصة بشخص بعينه، والوعي بذلك هو بداية علاج كثير من المشكلات التي تنشأ بين الزوج والزوجة بسبب “مفاوضات” حول هذه القضايا ودور وواجبات وميزات كل منهما في الأسرة.

والوعي بهذه الظاهرة العالمية وخطورتها بحكم أنها تتناول أمرا شديد الأهمية في حياتنا تجعلنا بحاجة ماسة لأن ننشئ نقاشا يوميا في وسائل الإعلام وفي المجالس الشخصية ومن خلال المؤسسات الأكاديمية والتشريعية ومن خلال شبكة الإنترنت حول هذه القضايا كلها.

لن نجد يوما حلا للقضايا ولا أجوبة للأسئلة لأن الزواج سيبقى واحدا من أكثر الأمور تحييرا في الحياة الإنسانية بسبب الأسئلة الكثيرة التي يطرحها، ولكننا عندما نناقش الأمر بشكل علني وعقلاني وموضوعي فنحن نساهم في إيجاد شيء من الوضوح حول هذه الأسئلة مما سيساعدنا في اتخاذ قرارتنا وتحديد خياراتنا.

الزواج قفص ذهبي لمن يفهم كيف يجلس فيه دون أن يؤلمه ظهره!

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية