الزواج _ كما هو معلوم _ في نظر الكثيرين هو “قفص ذهبي”، جميل ولامع ولكنه قفص في النهاية يقيد حريتك ويحملك الكثير من المسؤوليات نحو شريكك في القفص ولا يسمح لك بالحركة خارج إطار القفص.
بالنسبة للكثيرين أيضا فهذا مقبول في معظم الأحيان، ليس لأنهم فقط سعداء بحياتهم داخل القفص، بل لأنهم كذلك قد جربوا الحياة خارج القفص في مرحلة سابقة في حياتهم ووصلوا إلى مرحلة تأكدوا فيها لحاجتهم إلى الهدوء والاستقرار العاطفي والارتباط بشريك حياة.
لكن الخروج من القفص يبقى ضرورة لمعظم الناس، لأن الحياة المستمرة مع شريك العمر يفتح كل الأبواب للملل لكي يتسرب للإنسان، وهذا له آثاره السلبية الحادة كما هو معلوم.
أحد النظريات العلمية الجميلة التي طالما استمتعت بقراءة تفاصيلها وإيحاءاتها الاجتماعية والدراسات التي طبقت عليها تسمى بنظرية “تقليل الغموض” Uncertainty Reduction Theory، والنظرية بتبسيط شديد تقول بأن الإنسان حين يتعرف إلى شخص آخر يكون لديهم الكثير من الغموض، وهذا الغموض له أثره السلبي الحاد حيث يسعى الطرفين لتقليله _ بسرعة أو ببطء _ حتى تزيد بينهم الألفة والثقة وتتصاعد المحبة والمشاعر، ولكن الغموض له أثره الجميل والإيجابي أيضا وهو وجود نوع من الحماس لتقليل الغموض ومعرفة المزيد عن الآخر، الأمر الذي يمنح العلاقة الجديدة طاقة عاطفية لطيفة جدا.
بكلمات أخرى؛ عندما نتعرف على شخص آخر، فنحن نسعى بكل ما نملك لمعرفة كل شيء عنه حتى نشعر بالأمان وإمكانية الاعتماد عليه وحتى تتوثق الصلة، ولكننا في نفس الوقت نقتل الدافع الجميل الذي يجعلنا نتحمس للقاء بعد اللقاء والمكالمة بعد المكالمة، ويجعلنا نستمتع بكل حوار مع هذا الشخص.
بعد فترة من الزمن، نكسب الأمان ونعرف الشخص الآخر المعرفة الوثيقة ولكننا نفقد هذا الدافع الخفي لأننا نعرف كل شيء عنه.
هذا الكلام ينطبق على كل أنواع العلاقات، الصداقة والعلاقة العاطفية وحتى علاقات العمل، ولكن في العلاقات العاطفية عندما يدخل الطرفان القفص الذهبي، فإن الغموض ينتهي تقريبا مع معرفة الزوجين كل التفاصيل في حياة الطرف الآخر، الأمر الذي يسمح للملل بأن يبدأ في تدمير المحبة والود بين الطرفين.
عندما تسأل الزوجة زوجها عن يومه كيف كان، فهي وإن كانت تبدو له أحيانا وكأنها تسعى للسيطرة عليه والتدخل في حياته، إلا أنها في الحقيقة في كثير من الأحيان تبحث من حيث لا تدري عن ذلك العامل الخفي الذي يحيي العلاقات، ولكن الزوج حين يجيب بأن كل شيء كان كما كان دون أن يعطي أي تفاصيل، فإنه بذلك يقتل ذلك البحث عن الغموض والبحث عن حب إزالة الغموض.
الحل لهذه المشكلة المتكررة في حياة كل الأزواج حسب هذه الدراسات هو الخلق المصطنع للغموض ولهذا أساليبه الكثيرة المعروفة مثل أخذ إجازة زوجية، إيجاد أصدقاء مختلفين لكل من الزوج والزوجة، إيجاد أنشطة مختلفة، وغيره مما يمنع الملل ويوجد موضوعات للحديث حولها بين الزوجين.
بعض الدراسات تتناول فكرة موجودة لدى الغربيين ومرفوضة تماما في التقاليد والعادات العربية والإسلامية وهي “الزواج المفتوح” حيث يقرر الزوجان لفترة معينة أن يبني كلا منهما علاقة عاطفية خارج إطار الزواج بهدف منع الملل والعودة للقفص الذهبي لاحقا بطاقة عاطفية جديدة!
لقد سميت زاويتي هذه منذ أن بدأت بـ”خارج القفص” لأنها مرادف لـ”خارج الصندوق” في عالم الإبداع، لأن تقليل الملل وإنعاش الحياة الزوجية ليس أمرا سهلا ويحتاج للإبداع ويحتاج لجهد من الزوجين في البحث عن أفكار للتقليل من الملل.
بعض الأزواج يقللون من الملل بطريقة تدميرية لزواجهم سواء من خلال البحث عن علاقات سرية عاطفية أو من خلال اللجوء للأصدقاء والسهر خارج المنزل ومن خلال اصطناع الخلافات مع الطرف الآخر، وهذا الأثر الرهيب للملل يجعل العمل المستمر منذ أول يوم من الزواج على منع الملل أمرا هاما وحيويا لكلا الزوجين.
سنخرج دائما خارج القفص سواء بشكل إيجابي أو بشكل سلبي، ورغم أهمية ذلك الكبيرة في الحياة العاطفية فإن معظم الناس يهملونه بكل أسف.
كل الناس تعشق الحرية حتى العشاق!
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية