في حوار مع باحثة متخصصة في “حليب الإبل”، كان الحديث يدور حول الفوائد الصحية العديدة لحليب الناقة، والتي لا تتوفر في أي نوع آخر من أنواع الحليب.
حسب ما تقوله هذه الباحثة التي أفنت عمرها في هذا المجال من البحوث، وكانت الباحثة التي جاءت من كازخستان إلى الإمارات العربية المتحدة لتلقى محاضرة عن حليب الجمال تتحدث بحماس عما يمكن تحقيقه صحيا لو قامت شركات الألبان بتجهيز وتصنيع حليب النوق وتقديمه للناس بدلا من حليب البقر.
سألت الباحثة بشيء من الشك: إذا كان حليب الناقة بهذا القدر من الأهمية، فلماذا لا نجد انعكاسا واضحا لذلك في البحوث العلمية الغربية وفي أحاديث أخصائي التغذية وعلى الإنترنت؟
وكان جوابها بسرعة: كل الظواهر والقضايا التي تختص بنا في العالم النامي _ حيث حركة البحث العلمي ضعيفة جدا _ تجد البحوث التي تتناولها نادرة وضعيفة وغير متكاملة، وحتى إن وجدت هذه البحوث، فإن الإمكانيات المتواضعة لجامعات العالم النامي تجعل توصيل هذه المعلومات لمجتمع البحث العلمي الدولي أمر صعب وغير ممكن.
هذا التفسير وإن بدا وكأنه بديهي، إلا أنه يصلح لتفسير الظواهر المشابهة، حيث نجد قضايا كبرى في العالم النامي، والبحوث المتوفرة عنها ضعيفة، ومن هذه القضايا في رأيي هي الإرهاب.
ورغم أن الأطر الخمسة للإرهاب: الفكري والأيديولوجي والاجتماعي والنفسي والسياسي موجودة بين ظهرانينا منذ الستينات الميلادية، ونمت تدريجيا عبر السنين، إلا أن الظاهرة لما تفاقمت في أواخر التسعينات ثم لما تسلطت عليها أضواء المجتمع الدولي بعد 11 سبتمبر بدت لنا وكأنها ظاهرة جديدة، وصرنا نبحث بلا هوادة عن معلومة هنا ومعلومة هناك، وأحسب أنه لو لم تكن هناك شبكة الإنترنت التي سمحت لمن ينتمي لدوائر الإرهاب بمختلف درجاتها بالتعبير عن أنفسهم بحرية، لبقينا في ظلام دامس، لا نعرف عنها إلا ما يبوح به التائبون منهم.
بعد 11 سبتمبر 2001، أشرفت على فريق من الباحثين لنصدر موسوعة “11 سبتمبر: رؤية عربية” باللغة الإنجليزية، وكان هدف الموسوعة عند إصدارها هو تقديم بنية معلوماتية صلبة للمؤسسات الإعلامية والأكاديمية والسياسية الغربية، وكنت في البداية مصمما على أن تقتصر الموسوعة على المعلومات الموثقة أكاديميا، ولكن مع مضي الأيام، خرجت الموسوعة وهي مليئة بالآراء الصحفية والكتابات الإنشائية، وذلك ببساطة لأن المعلومات العلمية غير متوفرة أصلا.
في حالة مثل هذه، عندما تكون القضية هامة جدا، وفي نفس الوقت خاصة بنا، مما يعني حرماننا من نتاج مراكز البحث العلمي المتقدمة في الغرب، فإن الحل الوحيد هو ما قام به مجلس التعاون الخليجي من إقامته لمركز متخصص لدراسات الإرهاب في البحرين حسب قرار القمة التشاورية التي عقدت مؤخرا في الرياض، بناء على مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
تأسيس هذا المركز يأتي _ في اعتقادي _ بعد أن أثبتت ثلاث مصادر سابقة لمعلومات الإرهاب فشلها في تقديم المعلومة المناسبة التي تساعد المؤسسات الحكومية على التعامل مع هذه الظاهرة:
- الأول: مراكز المعلومات الغربية الحكومية والأكاديمية والخاصة، فالواضح أن التقارير الصادرة عن هذه المراكز كانت دائما تفشل في فهم ظاهرة الإرهاب، والتفريق بين دوائره، وتحليل المعلومات الخاصة به، وهذا ما يفسر الأخطاء المتكررة للحكومات الغربية في التعامل مع الظاهرة _ تخيل مثلا أن يوسف إسلام، كان على قائمة للممنوعين من دخول أمريكا بناء على توصية من مركز أبحاث في العاصمة واشنطن _ كما يفسر الخطأ الذي ترتكبه هذه المراكز بتحميل الحكومة السعودية مسؤولية دعم الإرهاب بينما هي في نفس الوقت تخوض أكبر معركة ضد الإرهاب.
- الثاني: باحثو الإرهاب العرب، والذين امتلئت وسائل الإعلام العربية بتصريحاتهم ومقالاتهم، ومشكلتهم أن إمكانياتهم متواضعة بحيث لا يمكنهم تقديم دراسات يمكن الاعتماد عليها، أو أنهم ينطلقون دائما من خلفيات أيديولوجية تلون دراساتهم أو تقاريرهم بشكل أو بآخر.
- الثالث: الإدارات الحكومية في العالم العربي التي عهد إليها بمسؤولية جمع المعلومات، وهذه كانت تعاني في كثير من الأحيان من البيروقراطية التي أعاقتها عن النجاح، أو أنها تركز على أبعاد معينة للظاهرة دون الأخرى.
إنني أتمنى فعلا أن يستطيع هذا المركز القيام بدوره، وأن يستطيع وضع آليات وأطر تجعله رائدا من نوعه بحيث يساعد على علاج هذه المشكلة العويصة التي عصفت بعالمنا الإسلامي لعدة سنين الآن، وبحيث تكون هناك حلول للظاهرة صادرة عن العالم العربي، بدلا من الحلول الغربية مثل “مشروع الشرق الأوسط الكبير” وغيره.
ومن يدري، لو نجحت التجربة، فقد نؤسس مراكز أبحاث أخرى للظواهر الخاصة بنا، مثل ظاهرة حليب الناقة.
بالمناسبة، هل يدري أحد لماذا لا تصنع شركات الألبان حليب الإبل؟
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية