درس الإسلام الأول: الإقناع وليس الإجبار!

من قسم منوعات
السبت 13 سبتمبر 2008|

قبل أشهر توجه الفاتيكان بنداء للناس بعدم مشاهدة الفيلم الذي يمثل رواية دان براون الشهيرة “شفرة دافنشي”، وذلك لأنها تتصادم مع مبادئ الديانة المسيحية “وتتصادم مع الإسلام كذلك”، وقدم الفاتيكان مبرراته لهذا الطلب.

نداء الفاتيكان جاء تتويجا لحملات عديدة في مختلف الدول الغربية ضد الفيلم والرواية من قبل المؤسسات الكنسية، آملين أن يقللوا من الإقبال الرهيب للناس على الرواية.

لكن الملاحظ هنا أنه لم تصدر فتاوى ضد من يقرأ الرواية، كما لم تقم أي دولة غربية بمنعها، ولم تطالب المؤسسات المسيحية باتخاذ إجراءات ضد بيعه “باستثناء في لبنان التي منعت بيع الرواية”.

هذا التصرف يبدو طبيعيا في ظل الأنظمة الغربية الديمقراطية، وذلك لأن المؤسسات الدينية هناك تعلمت الدرس، فما كانت المؤسسة الدينية المسيحية تفعله سابقا عبر القرون من استخدام “الإجبار” ضد كل من يخالف معتقداتها صار غير ممكن، وهذه المؤسسات أيضا لم تتنازل عن دورها في “حماية المبادئ الدينية” ولذلك قررت استخدام وسيلة جديدة اسمها “الإقناع”.

الإقناع يعني ببساطة الحديث مع عقول الناس وقلوبهم واستمالة تأييدهم مع التركيز على الترغيب دون الترهيب، ومحاولة كسب “الزبون” الجديد الذي يأتي إلى مملكة افكارك طائعا بعد كل العروض التي تلقاها والتي أسرت قلبه وأثرت على سلوكه النهائي.

لهذا السبب تطورت دراسات الإقناع Persuasion studies، وظهرت عشرات النظريات التي تشرح كيفية إقناع الناس والأساليب التي يجب اتخاذها والأخلاقيات المرتبطة بها، وتفرع منها دراسات الصورة الذهنية والإعلان والتسويق وتنمية الروح الوطنية وغيرها.

أعدت هذه الدراسات بعد أن فرضت الديمقراطية احترام الرأي الآخر وصار استخدام الإجبار أمرا مرفوضا وصعبا جدا ومخالفا للدساتير التي تحميها المحاكم العليا في الدول الغربية.

في البداية كانت المؤسسات الدينية والاجتماعية المحافظة في الغرب ترى أن هذا التغير يمثل “مصيبة” فكيف يمكنك أن تطالب الناس بالارتباط بالأخلاق إذا كان “الفاسقون” لهم الحرية الكاملة في إغواء الناس وتقديم المعصية لهم على طبق من ذهب، ولكن السنوات اللاحقة أثبتت أن هذا التغير من صالح المؤسسات التي تقوم على “ترويج” أفكار معنية كالمؤسسة الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية وذلك لأن القائمين على هذه المؤسسات تعلموا بالتدريج كيف يكسبوا الناس إلى صفوفهم واكتشفوا أن الناس عندما يأتون مقتنعين يكونون أكثر التزاما وولاء من الناس الذين يأتون مجبرين.

في أمريكا، تجد “رجل الدين” من أهم الأشخاص في الحي لأنه يزور كل أهل الحي ويعمل على حل مشكلاتهم ومساعدتهم وأن يكون الصديق الوفي لهم مهما كانت ديانتهم والتزامهم بالأخلاق، ومهما أساءوا معاملته، وساهم هذا في انتشار الالتزام بتعاليم المسيحية تدريجيا، إلى أن فاجأ المسيحيون المحافظون العالم بفوزهم في انتخابات الرئاسة وانتخابات الكونجرس بأغلبية غير عادية، وذلك في عامين 2000 و2004، ولعله من المعروف لمن يتابع أن الحملات الانتخابية للمحافظين الجديد بدأت من الكنائس لتنطلق إلى الشارع الذي تقف نسبة عالية منه في صف الكنيسة. تذكر أن هذا كله حصل بـ”الإقناع” وليس بـ”الإجبار”.

أعتقد أن هذا الدرس هام جدا لنا كمسلمين قام ديننا أساسا على الدعوة “بالحكمة والموعظة الحسنة”، والحكمة كما هو معروف مرتبطة بشكل كبير بتقدير الظروف واختيار أنسب الطرق والإقناع وليس الإجبار.

إننا في ظل التحولات الديمقراطية في العالم العربي وفي ظل العولمة التي لم تعد تقبل من التيارات الدينية في العالم العربي أو حتى التيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية أن تمارس القوة وتحقق ما تريد بالضغط في حاجة لاستباق الأحداث وأن نعلم أنفسنا هذا الدرس الهام: أقنع الناس، تغلغل في أفئدتهم، وإذا لم يوافقوا على أن يفتحوا الباب لك، فالخطأ بالتأكيد في أسلوبك وطريقتك وليس فيهم.

هذا الدرس هو الذي تعلمه رجال التسويق أولا، ويجب أن يتعلمه كل من يحمل فكرة في عالمنا الجديد ويريد من الناس الالتزام بها.

لقد كان الإقناع سبيل الأنبياء والوعاظ وليس العصا والسيف، والجهاد كما هو معروف في الشرع الإسلامي مشروع فقط للدفاع عن النفس أو لفتح البلاد التي تمنع الدعاة من القيام بعملهم الدعوي.

إنه درس الإسلام الأول ودرس الديمقراطية الأخير.

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية