تطورات تكنولوجية واسعة النطاق في السنوات الأخيرة: «المؤتمرات الإلكترونية» تقتصد الوقت والمسافة والتكلفة وتزيد الرفاهية

من قسم الثورة الرقمية
الأربعاء 11 ديسمبر 2002|

لا يمكن لأحد أن يلاحق كل تطورات التكنولوجيا الحالية والتي تسير بشكل سريع جدا، لكن تكنولوجيا مهمة جدا قد تغير وجه العمل التجاري وحتى حياتنا الشخصية تمضي في تطور هادئ لا تسمع له ضجة بالرغم من ضخامته هي تكنولوجيا «المؤتمرات الإلكترونية».

تقوم فكرة وتكنولوجيا «المؤتمرات الإلكترونية» كما هو معروف على أساس أن يتم لقاء بين عدة أطراف من خلال شاشات الكمبيوتر أو التلفزيون بحيث يتم الاجتماع بالصوت والصورة بينما كل شخص يتحدث من مكتبه أو غرفة الاجتماعات في شركته أو حتى من غرفة نومه.

وبالرغم أن هذه التكنولوجيا موجودة منذ حوالي 15 سنة، إلا أنها كانت مكلفة جدا وتعاني من مشكلات تقنية معقدة تجعل المؤتمر الإلكتروني يفشل أحيانا دون سبب واضح، كما كانت تعاني عموما من سوء النوعية، وتقطعات الصوت واختفاء الصورة فجأة أو اهتزازها مما يجعل المؤتمر الإلكتروني وسيلة سيئة للتفاوض وعقد الاجتماعات الهامة.

لهذا السبب نسي عالم الأعمال حماسه للمؤتمرات الإلكترونية والتي كانت قبل ظهور الإنترنت تعتمد على الأقمار الصناعية، ولكن هذا الحماس عاد بطاقة متفجرة بعد مجئ الإنترنت.

لابد من التأكيد على أن «المؤتمرات الإلكترونية» مازالت محدودة حتى الآن في أوساط المؤتمرات التجارية والاتصال الشخصي لكن التكنولوجيا تمضي بشكل سريع قد يجعل من المؤتمرات الإلكترونية غرفة اجتماعات المستقبل التي لاغنى عنها.

هذا التطور سيتوافق مع التمدد السريع لـ«العولمة» الاقتصادية التي يمر بها العالم والتي تجعل من اللزام على رجال أعمال في أنحاء متعددة في العالم الاتصال والتفاوض حول القضايا اليومية للعمل.

بذلك توفر المؤتمرات الإلكترونية الكثير من الوقت، وقت السفر والانتقال من مكان لآخر والانتظار حتى يصل كل المجتمعين لمكان ما للتحدث. 

الحلم الرائع الذي قد تحققه هذه التكنولوجيا هو أن يستطيع الشخص أن يجلس في مكانه المفضل في العالم في ملابس المنزل مستلقيا على سريره ليدير كل أعماله من خلال كمبيوتره المحمول والذي سيعقد من خلاله الاجتماعات مع عملائه وشركائه في أي مكان آخر حول العالم.

في الحقيقة هذا الحلم يتحقق حاليا تماما كما تخيل الناس.

على سبيل المثال، فريق إدارة شركة «أمريكا تروو» بمدينة سان فرانسيسكو ركبوا جميعا على متن يخت فاخر في رحلة إلى نيوزيلاندا وبقوا طوال الرحلة يتابعوا أعمالهم اليومية في الشركة من خلال تقنيات الاجتماعات الإلكترونية.

 

تطورات متلاحقة

خلال حوالي خمس سنوات من عمل عدة شركات تكنولوجية شهيرة على تطوير المؤتمرات الإلكترونية تغيرت تماما الصورة القديمة السيئة للمؤتمرات الإلكترونية، كالتالي:

  • المؤتمر الإلكتروني الحالي يشارك فيه الصوت والصورة الحية والكتابة والرسوم البيانية كلها مع بعض على شاشة واحدة تصل حية للطرف الآخر كما تحدث في الجهة الأخرى، هذا لم يكن ممكنا في السابق.
  • في السابق كان هناك جهاز معين لاستقبال المؤتمرات الإلكترونية مما يعني ضرورة الاجتماع في غرفة المؤتمرات حتى يكون كل شخص في مواجهة الجهاز.

الآن يمكن استعمال شاشة الكمبيوتر الشخصي المحمول للمشاركة في المؤتمر الإلكتروني.

متطلبات الجهاز لا تزيد عن الكمبيوتر العادي مع مكونات إضافية موجودة أصلا في كل الكمبيوترات التي تزيد سرعتها عن 200 ميجاهرتز، بالإضافة لمتصفح الإنترنت العادي “إكسبلورر أو نتسكيب”، وبرنامج الاتصال الذي يتم إنزاله على الكمبيوتر _ في بعض الحالات فقط _ بالإضافة لكاميرا فيديو خاصة بالكمبيوتر.

بالرغم من ذلك مازالت معظم الشركات تفضل شاشة التلفزيون العادية لعرض المؤتمرات الإلكترونية بحكم أن صفاءها وجودة صورتها “إذا كانت الشاشة ضخمة” مازالت أفضل من الكمبيوتر العادي.

  • في السابق كانت المؤتمرات الإلكترونية في أغلبها تعمل على اتجاه واحد حيث يتحدث طرف ويستمع طرف آخر والذي يمكنه الرد من خلال الاتصال الهاتفي التقليدي فقط.

الآن يمكن في المؤتمرات والاجتماعات الإلكترونية تبادل الحديث من طرفين في نفس الوقت.

  • كفاءة صوت وصورة عالية جدا تصل إلى كفاءة الصوت والصورة في التلفزيون العادي بعد أن كانت الكفاءة رديئة جدا.
  • يمكن حاليا التقاء مجموعة كبيرة من الناس من دول أو مدن أو حتى مكاتب عديدة حول العالم في نفس الوقت وفي غرفة الاجتماع الإلكتروني نفسها.

عدد الأطراف قد يصل إلى 2500 شخص بلا مشكلة على الإطلاق.

في نفس الوقت يمكن لشخصين إجراء اتصال خاص بهم مما يعني إمكانية المشاركة في مؤتمر بين شركتين حيث يكون هناك مؤتمر عام لكل المشتركين ومؤتمر تنسيقي خاص لموظفي الشركة الواحدة يتمان في نفس الوقت.

  • المؤتمرات الإلكترونية تمكن أشخاصا لايريدون الكشف عن هويتهم من المشاركة في المؤتمرات دون أي مشكلة.

هذا يحدث كثيرا في الأوساط التجارية حين يعمل شخص ما كوسيط بين شركتين مع رغبته أن يكون بعيدا عن الأضواء لأي سبب من الأسباب، المؤتمرات الإلكترونية تجعل ذلك ممكنا.

  • أثناء الاجتماع الإلكتروني يمكن لأي مشارك إرسال كمية ما من المعلومات مثل محضر الاجتماع مثلا أو التقرير السنوي، والذي قد يصل حجمه لأكثر من 200 صفحة، إلى الأشخاص الآخرين في الاجتماع، كما يمكن عرض الرسوم البيانية على طرف الشاشة حتى يتم التناقش حولها.
  • يمكن أثناء الاجتماع عرض أشرطة فيديو على الشاشة نفسها وبكفاءة عالية، طبعا مثل هذه التكنولوجيا تحتاج لوجود «فيديو كارد» في الكمبيوتر حتى يمكنه عرض شريط الفيديو على شاشة كمبيوتر.

 

مشكلات وتحديات

مشكلة الاجتماعات الإلكترونية أنها تعتبر تغييرا جذريا في آلية العمل التجاري، والتغيير الجذري لايتقبله الناس بسهولة.

الدراسات أثبتت أن أداء الناس يصبح أفضل من خلال الاتصال الإلكتروني لكن علاقتهم ببعضهم تنتهي بشكل أسوأ كما أن الناس في الاتصال الإلكتروني يستعملون لغة أكثر جفافا ومليئة بالتعبيرات المباشرة وغير الدبلوماسية مقارنة بالاتصال العادي الذي يتم وجها لوجه.

لكن هذا يحدث في الغالب لأن الناس لم تتعود على الاتصال الإلكتروني وعلى إمكانية التعامل اللطيف والدبلوماسي من خلال هذه الوسيلة.

الأمر الآخر أن هناك حاجة للكثير من التدريب على النواحي التقنية البحتة لبرامج الكمبيوتر حتى يمكن لكل شخص استخدام الكمبيوتر بكل إمكانياته بدون عوائق أو تعطيل للاجتماع.

لكن تكاليف حل هذه المشاكل هي أقل بكثير بالنسبة للشركة لها تعاملات دولية متعددة من تكاليف السفر والإقامة في الفنادق والاتصالات الهاتفية الدولية الطويلة وغير ذلك.

حاليا هناك جهود مكثفة من قبل شركات الكمبيوتر لتسهيل استخدام برامج الاتصال الإلكتروني متعدد الوسائل بأقصى شكل ممكن بحيث يمكن لكل شخص استخدامها كما أن أي شخص يمكنه استخدام جهاز الهاتف أو التلفزيون العادي.

عموما توجد عشرات البرامج ووسائل الاتصال التي تستخدم تقنيات اتصال متعددة وبمستويات جودة متعددة، بعض هذه البرامج مناسب للمجموعات الصغيرة، وبعضها له أداء أفضل مع المجموعات الكبيرة، أو مع استخدام الرسوم البيانية، وربما كان من المناسب الطلب من عدة شركات أن تعرض تقنياتها بشكل حي وكيفية استخدامها قبل تقرير شراء أو الاشتراك في أي نظام للاجتماعات الإلكترونية.

العامل الآخر الذي يجب الانتباه طبعا هو عامل التكلفة وهي تتراوح من الصفر إلى آلاف الدولارات حسب نوع وتعقيد البرنامج المستخدم.

معدل التكلفة في أمريكا هي حوالي 10 دولارات لكل شخص في كل اجتماع إلكتروني بسيط بينما تزيد هذه التكلفة تدريجيا لتصل إلى 50 دولار للشخص في الاجتماع الواحد عندما يكون الاجتماع أكثر تعقيدا، وإن كانت هناك توقعات أن تنخفض هذه الأسعار بنسبة 50% بعد عام من الآن مع ازدياد الطلب المتوقع على هذه البرامج.

 

أكثر راحة

واحدة من الاستخدامات اللطيفة التي بدأت عدة شركات أمريكية إدخالها على قائمة خدماتها هي «الجولة الإلكترونية»، والتي يمكن من خلالها لمندوب المبيعات أن يحمل كاميرا الفيديو ويتجول فيها في المعرض التابع للشركة، بحيث يمكن للزبون القابع في مكان ما آخر على وجه الأرض من استعراض البضاعة أو المنتجات أو خدمات الشركة، كما يمكن له أن يستعرضها عندما يكون زائرا للشركة، كما يمكنه أن يسأل مندوب المبيعات كل أنواع الأسئلة ويتحاور معه حول المنتج.

الاستخدام الآخر للمؤتمرات الإلكترونية ذو الأهمية الواسعة هو التعليم، بدءا من تعليم الأطفال وانتهاء بالتعليم العالي، والذي باستخدام هذه التكنولوجيا سيمكن الطلاب من تلقي الكثير من الدروس من بيوتهم وبالتالي توفير الكثير من تكاليف السكن الجامعي والفصول الدراسية وغيرها من المصاريف المتعلقة بتجمع الطلاب في مكان واحد لمدة سنة دراسية كاملة.

يمكن تخيل الكثير من الاستخدامات الأخرى للمؤتمرات والاجتماعات والجولات والفصول الإلكترونية، ولكن البداية ستكون دائما صعبة والنتيجة بلا شك ستكون مثمرة ورائعة تصل بنا إلى عالم أكثر توفيرا للوقت وأكثر إنتاجا وأقل تكلفة وأهم من ذلك كله أكثر راحة.

* نُشر في جريدة المستقبل المصرية