عندما كان موظفو الشركات الأمريكية يتصلون بستيفين رينكس، لاستشارته حول قضايا اقتصادية ما، لم يكن هؤلاء يعرفون أن رينكس، يعيش في عالم آخر مختلف تماما عن عالمهم المكتبي المغلق بالجدران، حيث أعين المدير متجهة إليهم باستمرار وهم متسمرين إلى كرسيهم لمدة ثمان ساعات يوميا.
كان رينكس، يتحدث على الهاتف أثناء تقديمه لاستشاراته من قارب صغير خاص به يتجول من خلاله على الشواطئ الأمريكية المقابلة للمحيط الأطلنطي وجزر البحر الكاريبي الفاتنة.
كان رينكس، يحمل هاتفه الجوال، وكمبيوتره المحمول الذي يصله بهاتفه وببطارية سيارة لتشغيله باستمرار، وجهاز بيجر، ومكتبة صغيرة حفظ أكثرها على كمبيوتره من خلال أقراص الليزر، ويصاحبه في رحلته زوجته وطفله الرضيع.
لكن نموذج رينكس ليس من العجائب الآن في المجتمع الأمريكي، حيث مكنت التكنولوجيا المتقدمة وتأقلم الناس معها إلى تمكين الأفراد للعمل من أي مكان يريدون، ما داموا يحملون كمبيوترا محمولا موصل بمودم يمكنهم من دخول شبكة الإنترنت وإرسال فاكسات والاتصال بالعالم من خلال البريد الإلكتروني، وما دام لديهم هاتفهم الجوال الذي يستقبلون من خلاله مكالماتك دون أن يدري أحد أين هم.
وتشير الإحصائيات الأخيرة أن عدد الأشخاص الذين يعملون حاليا من مكتب منزلي زاد بنسبة 14% بين عامي 1998 و1999، ليصل حاليا إلى 1.20 مليون شخص، الأمر الذي يمثل حوالي 10% من العاملين في أمريكا، بالإضافة لـ20 مليون آخرون يعملون في مكتبهم المنزلي لساعات بسيطة يوميا كعمل ثانوي بالإضافة لعملهم اليومي التقليدي، مما يؤكد أنها ظاهرة ضخمة جدا وفي اتساع سريع، وقد يقف العالم قريبا لينظر إلى التجربة الأمريكية ويفكر جديا في الاستفادة منها.
لكن التكنولوجيا بدأت تساعد الناس على نقل مكاتبهم إلى أماكن غريبة وغير عادية.
أحد مواقع الإنترنت المتخصصة في المكاتب المنزلية أجرت مسابقة على الإنترنت لأكثر مواقع المكتب المنزلية غرابة.
ليزا كاناريك، التي تدير الموقع قالت بأن بعض المشاركات التي وصلتها موثقة بالصور كانت غريبة فعلا، بما فيها مشاركة ستفين رينكس، ومشاركة امرأة تدير مزارع أسرتها من خلال طاولة في المطبخ، ومشاركات لأشخاص يديرون العمل في قبو، كاراج، مستودع، بيت على شجرة، كارافان، مزرعة، شاطئ بحيرة، بيت جبلي، وغير ذلك.
أحد المشاركين قال بأنه يدير أعمال البناء لشركته من الحمام الذي وضع فيه جهاز الكمبيوتر والهاتف، لأنه يقضي كل يوم وقتا طويلا في المغطس.
أحد مصممي برامج الكمبيوتر واسمه «فيدياس سيناجليا»، يدير عمله مع شركة الكمبيوتر التي ينتمي إليها من خلال منزله الذي يقع على ارتفاع 8000 قدم على قمة جبلية رائعة الجمال في ولاية يوتاه الأمريكية، ويضيف فيدياس، أن نسبة الإبداع والإنتاج عنده زادت كثيرا، لأنه كلما أخذ وقتا يتأمل في روعة اندماج ضوء النهار مع قمم الجبال استطاع أن يعمل خلالها لعدة ساعات بنسبة إنتاج وإبداع غير عادية.
بالنسبة لـ«أنتونيا أليجرا»، والتي تدرب الناس على الكتابة الصحفية بالهاتف والفاكس والبريد الإلكتروني، تعمل من خلال منزل مقام في أعلى شجرة ضخمة يمكن الوصول إليه بسلم حيث تنعزل الكاتبة هناك، وتقول أنتونيا، أن نسبة التركيز عندها زادت كثيرا عن السابق، ما جعلها ترفض عرضي عمل في مكاتب في مدن كبيرة لأنها تستمتع كثيرا بحياتها البعيدة عن إيقاع المدن السريع، وهذه الشركات حاليا تدرس ترتيب أمور العمل بحيث يمكنها العمل من «على الشجرة».
الشركات الأمريكية من جهتها والتي ما زالت ترغب في الحفاظ على موظفيها العاملين في المكاتب، بدأت تدرك إغراء المكاتب المنزلية للناس الذين يريدون المزيد من الحرية في حياتهم العملية بعيدا عن ضغط الحياة اليومية وروتينيتها، ولذلك بدأت كثير من الشركات توفر غرف استراحة مريحة فيها بعض أماكن النوم، وغرف فيها طاولات بلياردو وتنس وألعاب إلكترونية وشاشة تلفزيونية ضخمة لمتابعة مباريات كرة القدم الأمريكية، وملعب سلة مصغر، ومطبخ مجهز بالكامل، كما بدأت تغير نظام العمل فيها بحيث تسمح للموظفين بالحضور والانصراف متى ما تأنى لهم ذلك.
طبعا هذا يعني تغيير آلية محاسبة الموظف على إنتاجه، فبعد أن كان المفهوم التقليدي المرتبط بعدد ساعات العمل مطبقا صار الانتقال الآن إلى المحاسبة على تطبيق عمل معين، بحيث يطلب من الموظف إنتاج عمل يومي بكمية معينة يمكنه إنتاجها متى ما أراد.
وماذا عن الوظائف التي تتطلب مقابلة الجمهور والزبائن؟
هذه الوظائف لم تتغير طبيعتها وإن كانت الشركات الأمريكية تعمل جهدها على دفع زبائنها للاتصال بها من خلال الهاتف وزيارة موقعها على الإنترنت، بل إن عدة شركات ألغت في العامين الأخيرين مبدأ زيارة الشركة نفسها وصار الاتصال بالشركة من خلال الهاتف والإنترنت والفاكس والبريد فقط حتى في تسديد الفواتير واستلام المشتريات وغيرها.
وعندما يتصل زبون ما بالشركة يقوم السنترال بتحويله إلى هاتف أحد الموظفين الذي قد يكون في مكان ما يبعد آلاف الأميال عن مقر الشركة، وهو لا يتواني عن أخذ معلومات كاملة عن طلبك وإرسالها من خلال كمبيوتره إلى مقر الشركة الرئيسي.
في كثير من الأحيان أفاجأ موظفي الشركات الذين أتعامل معهم، وغالبهم من موظفي إدارات العلاقات العامة، بسؤال عن المكان الذين يتكلمون معي منه ونادرا جدا ما يكون المكان في نفس مكتب الشركة.
شركة «إي تي آند تي»، قامت بتجربة أشرف على نتائجها أكاديميين من جامعات أمريكية حين طلبت من موظفيها أن يعملوا من خلال ما سمته الشركة بـ«المكتب الألكتروني».
الموظفون في هذه الحالة يتعاملون مع الشركة من خلال البريد والهاتف والفاكس والكمبيوتر المحمول فقط دون الحضور أبدا لموقع الشركة.
النتائج كانت مبهرة من ناحية زيادة الإنتاج، وإن كانت الشركة هالها أن العلاقة الشخصية بين المدير وموظفيه وبين الموظفين أنفسهم قد ضعفت كثيرا الأمر الذي أضعف جودة الأعمال الجماعية، وذلك حسب تفسير الأكاديميين، لأن اللقاء الشخصي وجها لوجه له دور كبير في تقبل الموظفين لزملائهم ومحبتهم لهم، حسب ما أثبتته عدة دراسات في هذا المجال.
نصائح عملية
التجول في أي مكتبة أمريكية يكشف لك الكثير من الكتب التي تناقش العمل في المنزل من مختلف أوجهه وتحاول تقديم نصائح عملية تجعل هذا العمل أكثر إنتاجا.
من هذه الكتب على سبيل المثال كتاب «عملك حياتك: كيف توجد جوا لطيفا للعمل في منزلك ومكتبك؟َ»، ويناقش الكتاب أشياء لطيفة متعددة مثل كيف اختيار المفروشات المناسبة لمكتبك والتي تساعد على زيادة إنتاجك وتكون مريحة تماما لكل شخصيا، بالإضافة كيفية الاسترخاء لفترة قصيرة أثناء العمل، وبعض المساجات الذاتية، ونوعية الطعام اللازمة للمزيد من الإنتاج، وكيفية التقليل من ضغط العمل.
كتاب آخر يناقش وضع اللمسات الفنية على مكتبك، بما في ذلك النباتات، والتي تكون بسيطة ومتناسبة مع شخصك، بحيث تزيد من إنتاجك وقدراتك الإبداعية والذهنية، بالإضافة للأدوات المكتبية وكيفية اختيار المناسب منها.
بعض الكتب الأخرى تناقش كيفية اختيار العمل التجاري المناسب لك بحيث تعمل من منزلك، وكيف تسوق لعملك التجاري هذا، وكيف تقوم بأمورك المحاسبية، وأساليب البعد عن الانشغال بالملهيات داخل المنزل، مثل النوم ومشاهدة التلفزيون وأفراد الأسرة، ومعلومات عن كل أنواع تكنولوجيا الاتصالات الحديثة الموجودة في أمريكا والتي تساعد على العمل عن بعد.
لكن نسبة كبيرة من هذه الكتب لها موضوع لطيف وهو الأمهات الذين يردن العمل من خلال منازلهن مع حفاظهن على رعاية أطفالهن والقيام بالشؤون المنزلية، وإذا كانت الأسر الأمريكية بدأت تعود تدريجيا لأسباب كثيرة للشكل التقليدي الذي تقوم فيه المرأة برعاية الشؤون المنزلية والأطفال، ولأن عدد الأطفال في الأسرة يزداد معدله سريعا في أمريكا ليصل حاليا إلى ثلاثة أطفال، فإن هذا يجعل المكتب المنزلي ضرورة للمرأة التي تريد القيام بدورها المنزلي والعمل في نفس الوقت.
هذا يذكرنا بقطاع المرأة في العالم العربي والتي تريد أيضا رعاية منزلها وأبناءها وأيضا تريد المشاركة العملية والحصول على شئ من المال، مما قد تكون فكرة المكتب المنزلي حلا لهذا الاحتياج.
عموما، كثير من الناس في العالم العربي يمارس بعض الأعمال من منزله، وفيما يلي بعض النصائح التي يمكن الاستفادة منها لتحسين طريقة العمل من المنزل، كما يمكن العثور على الكثير غيرها على شبكة الإنترنت بزيارة الموقع المحدد أعلاه.
- لا تجعل مكتبك في غرفة نومك، حيث التذكير الدائم بالعمل الأمر الذي يقلل الإبداع ويضعف الإنتاج، ابحث عن المكان المريح لك والبعيد عن تشتيت الذهن.
- احرص على ترتيب الأوراق في مكتبك بحيث تأخذ كل ورقة أو مجلة مكانها الخاص بها ويمكن الحصول عليها لاحقا ببساطة.
تجنب وضع أوراق لن تعمل عليها في تلك اللحظة على مكتبك لأن هذا سيشتت أفكارك، الكثير من الناس يحتفظ بخزانة ملفات صغيرة حيث يوجد عنوان لكل ملف يحدد نوع الأوراق الخاصة به.
- كل ستة أشهر قم بتصفح أوراقك بسرعة وارم غير اللازم منها، وإذا كنت تريد الورقة من أجل معلومة محددة فقط فاحفظ المعلومة على كمبيوترك.
إذا كان لديك «سكانر» فيمكنك أخذ صور من الأوراق لوضعها على كمبيوترك للتخلص من الأوراق بعد ذلك.
- اختر منظم لوقتك إلكتروني أو ورقي “دفتر كبير لحفظ المواعيد وأرقام الهواتف وجدول الأعمال اليومية” يتناسب مع احتياجاتك واهتم بتنظيمه الدائم لأنه محور فعالية إنتاجك اليومي.
- ابحث عما تحب عمله في وقت فراغك وحوله إلى عمل منتج اقتصاديا.